عرفت الأديب والناقد أستاذ الجيل عبد الله خليفة ركيبي في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين· كنت أعمل وقتها محررا مختصا في أسبوعية المجاهد اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني؛ وكان هو قد عاد لتوّه من القاهرة، حيث ناقش أطروحته في الدكتوراه حول الشعر الديني في الجزائر· وأجريت معه في مقهى متواضع قرب الجامعة حديثا حول هذه الأطروحة نشرته المجاهد في عددها الموالي· كنت أعلم أن الأستاذ ركيبي تتلمذ في القاهرة خلال دراساته الليسانس والماجستير على أساتذة بارزين لكل منهم وزنه الخاص، فعبد القادر القط لم يكن يجاريه في النقد الأدبي أحد في تلك الفترة، وأما الدكتورة سهير القلماوي فوحدها صاحبة قصة فريدة من نوعه، فهذه المثقفة بدأت حياتها وثقافتها كأنجلو سكسونية وتعيش حياة انجليزية بالكامل ولاتكاد تعرف من العربية شيئا ثم التقت طه حسين المعروف بفرانكوفونيته وفرعونيته إيديولوجيا، لكنه على المستوى اللغوي شديد الدفاع عن العربي، فإذا بسهير لاتتقن العربية فحسب، بل في طليعة المدافعين عنها وعن آدابها حتى نسي الناس أنجلو سكسونيتها كما نسوا فرانكفونية وفرعونية طه حسين، فلم يبق منهما مشرقا ومضيئا سوى هذا الجانب الذي يتفقان به مع هذه الأمة التي تحاول أن تنهض من وحلها بين الأمم التي حولها· كان الدكتور ركيبي بالنسبة لي مثالا عربيا متميزا فبالإضافة إلى ثقافته فإنه مجاهد حقيقي وليس في سجل المنح وحسب· سجنه الإحتلال الفرنسي في أوفلو وكان من بين أدوات تعذيبهم تحريشهم كلبا ضاريا لينهش جسمه النحيل· وعانى كثيرا إلى أن تمكن من الفرار فتابع دراسته في تونسوالقاهرة· في عام 1974 أعاد مع آخرين تأسيس إتحاد الكتاب الجزائريين الذي رأسه الشاعر والروائي المتميز مالك حداد وتولى هو أمانته وكان لي شرف السعي للتقريب بين الإتحادين الناشئين إتحاد الكتاب الجزائريين وإتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين ووقع الأمينان عبدالله ركيبي وناجي علوش أول اتفاقية لهما وبينهما في مقر إتحاد الكتاب الجزائريين بديدوش مراد، ولما كانت سكرتاريته لم تكتمل وعدد الذين يتقنون الرقن بالعربية آنذاك محدود جدا؛ قمت برقن نص الاتفاقية على الآلة الراقنة في مقر إتحاد الطلبة الجزائريين بشارع عميروش، بترتيب من الطالب جمال العيادي، الدارس في ذلك الوقت عند د·· ركيبي ، والذي صار صحفيا ورجل أعمال معروف في وقت لاحق· وحدث أن زرته في تلك الفترة بخصوص إصدار بيان إنقاذ حياة المناضل الفلسطيني محمد عودة( أبو داوود) بطل عملية الألعاب الأولمبية في ميونيخ الشهيرة وبالفعل اجتمع المثقفون الجزائريون في قاعة الموقار ولعب الشاعران محمد الأخضر عبد القادرالسائحي ومحمد بلقاسم خمار دورا هاما في إصدار البيان الذي كان من نتائجه تدخل بعض الدول الكبرى وأنقذت حياة أبو داوود فعلا الذي توفي قبيل أشهر في دمشق، إثر مرض عضال وحياة نضالية حافلة وسأتحدث عنه وعن البيان في مناسبة أخرى· كان عبد الله ركيبي يرأس لجنة الفكر والثقافة في حزب جبهة التحرير الوطني ومن أعضائها معه الأستاذ عبد القادر حجار، السفير حاليا، والأستاذ عمار طالبي الباحث المعروف عالميا اليوم· وغيرهم ·· ولكن الركيبي الذي جمعته جلسات حول التعريب مع الرئيس الراحل هواري بومدين ومنسق الحزب المرحوم الشريف مساعدية لم يستطع أن يوفق ما بين حماسة المثقف المجاهد وبين حسابات السياسي الكثيرة فاختلف وترك تلك اللجنة التي صارت تعرف ب ''اللجنة الوطنية للتعريب'' برآسة الأستاذ عبد القادر حجا ر· واكتفى بنضاله داخل الاتحاد وداخل الجامعة وفي الصحافة· في عام 1975 نجح الدكتور عبد الله ركيبي في عقد مؤتمر يعتبر حتى الآن من أنجح مؤتمرات إتحاد الكتاب والأدباء العرب هذه المنظمة التي تأسست في سورية عام 1954 وكان يرأسه في ذلك الوقت الروائي المصري المعروف يوسف السباعي· حضر المؤتمر كبار أدباء العرب، جدد فيهم ركيبي مكانة الجزائر النضالية مكانتها الثقافية، فمن لبنان مثلا كان هناك حسين مروة وسهيل إدريس، ومن مصر صالح جودت، ومن العراق محمد مهدي الجواهري ولم يتخلف عن المؤتمر أي بلد عربي لديه اتحاد وكانت أعداد الوفود أكثر من المعتاد، إضافة إلى ضيوف آخرين ·· فكان المؤتمر فرصة كبيرة لتجديد الأدب العربي، فقد أعاد ركيبي بترتيبه وتحضيره الذكي للمؤتمر أدب الطفل العربي إلى الحياة من جديد بعد أن كان هذا الإتحاد قد طوى في مؤتمره بالكويت عام 1957 ملف أدب الطفل واعتبره خارج الأدب وأنه لعب عيال· فأعاد له ركيبي اعتباره رسميا بعد أن كان صديقه الشاعر سليمان العيسى قد أعاد له الاعتبار شعريا ·· وها نحن نرى في الوطن العربي أدب طفل واسع ويدرس في الجامعات أيضا ومنها جامعة الجزائر، حيث برع فيه الأستاذ الدكتور الصديق احمد منور تلميذ ركيبي· وحاولت القوى المضادة وهي ترى هذا النجاح الكبير لمؤتمر الثقافة العربية واللغة العربية يتحقق في الجزائر المجاهدة وحاولت أن تخربه وتسيء إلى عمالقة الأدب العربي الذين حضروه حبا في الجزائر ·· لكنها فشلت· وقد كتب الزميل في ''المجاهد'' محمد عباس كاشفا تلك الإساءة للجزائر المضيافة والتي لم تمر في جريدة ''الشعب'' في العام 1992 وكنت قد عدت لتوي من المشرق أشرفت على نشر كتابه ( الفرانكفونية مشرقا ومغربا) على حلقات يومية، وحدثت أحد الأصدقاء في المشرق العربي عن هذا الكتاب وأهميته، فاقترح أن ينشر الكتاب بواسطته في إحدى دور النشر اللبنانية، وبالفعل وافق الأستاذ ركيبي، ونشر الكتاب في طبعة جميلة خاصة بالمشرق العربي، لكن الشركة الناشرة لم تنفذ التزاماتها للمؤلف، مما أوجب أن يعتذر ذلك الصديق للأستاذ الدكتور· يتبع