قد لا يعجبك شكل التمساح··· لكنه إذا ما أحس بالجوع فإن جميع الأشكال·· تروقه·· وتعجبه··! ··· البحيرة هذا الصباح!·· مليئة بنقيق الضفادع·· كان قد جلبها أحد الزوار من البركة المجاورة للحديقة·· ستكون طعما سائغا للتمساح··· لكنها لن تسمن·· ولن تغني من جوع··! ما أجمل أن تكون الحديقة فارغة، ليتنقل الواحد بحرية·· بين مرافقها، ويستمتع بمناظرها، بعيدا عن الفوضى التي تجلبها كثرة الزوار·· فاليوم·· سوف أتجول في الركن الخاص بالتماسيح·· إنها حيوانات جديرة بالمشاهدة·· فطريقة تنقلها·· زهوها·· صمتها المحير·· نظراتها البريئة المخادعة·· كل ذلك يثير الانتباه والفضول· ·· هاهو التمساح الإفريقي الكبير·· يترنح يمينا وشمالا·· يبدو أنه بحاجة لمن يؤنسه! جلب حسب ما كتب في اللافتة الخاصة بهذا الركن من أدغال إفريقيا·· شرس، لكنه غير عدواني· ·· ترى ماذا يفعل ذاك الحارس بذلك القفص؟!·· بقي بعض الناس يتفرجون·· مستغربين·· مشرئبة أعناقهم! ·· حركة وصراخ بداخله·· فتح الباب الصغير للقفص·· وخرج الزائر الجديد مسرعا· تمساح آخر، لكنه صغير·· بينما لا يعير التمساح الكبير اهتماما لخشخشته· ·· كان يقف إلى جانب صديقنا·· شخص وسيم، تبدو عليه علامات الغربة مثله·· كان ممسكا بقطع الموز وبعض حبات الفول السوداني·· يقدمها لمجموعة من القردة الأسيوية الصفراء·· ولا تجد من تعبير عن رغبتها الجامحة للأكل من تلك الصرخات المتقطعة، بين الفينة والأخرى، أو بتلك الرقصات البهلوانية العجيبة· سألته·· وقد كان طويل القامة، هادئ الطبع، عن البلد الذي جلب منه هذا التمساح الصغير·· فرد في هدوء: ''هذا التمساح ليس إفريقيا!·· إنه أمريكي·· وهو أشد ضراوة من ذلك المعتد بنفسه!''· ·· أعجبتني ثقته الزائدة في معلوماته·· لكني لم أعره اهتماما مرة أخرى·· فالحديقة لا تتطلب التفكير بل تذكي في من يزورها·· التسلية والاستمتاع في مثل هذه اللحظات· ·· استرعى انتباهي، حمله لهاتف كبير·· كان يرن كل بضع دقائق·· يبدو أنه رئيس الأمن العام·· المكلف بالنظام في الحديقة· ·· ثم حدثت نفسي·· والنشوة تتملكني من رأسي حتى قدمي: ''لا يهم ما سمعت!·· المهم الاستمتاع بالجولة·· التي كنت أنتظرها بشغف منذ وقت طويل··''· ذهب صاحبنا متنقلا بين جنبات الحديقة، التي كانت رائعة هذا الصباح·· يغني تارة، وينشد شعرا تارة أخرى· ·· لكن سرعان ما انقطع صفو الحديقة وهدوءها·· بصراخ عال تبعته أنات وأنين·· أثار فضول الناس، للبحث عن المصدر المنبعث منه كل هذه الجلبة العظيمية· ··· تبين أن مصدر الصوت كان من البحيرة وبالتحديد ''قفص التمساحين''· جرى صاحبنا جريا لم يبن له مشي من هرولة·· قصد المكان·· حشد كبير متمسك بالسياج·· قامته القصيرة ساعدته على التسلل بينهم بسهولة·· وكانت المفاجأة···! ·· ذيل التمساح الكبير مقطوع، الدم يتقاطر منه بكثرة·· يتلوى·· ثم سقط بالقرب من التمساح الصغير·· الذي كان فمه مضرجا بالدماء· ·· لم يصدق أحد ما شاهد·· وكلهم استغراب·· وسؤال: ''أيمكن أن يكون التمساح الصغير·· صاحب هذا الموقف البطولي !؟''· ·· أسرع خادما القفص·· دخلا ·· أحدهما همّ بإشغال التمساح الصغير بقطعة لحم·· ·· بينما الثاني وجه بندقيته نحو المجروح الكبير·· ثم سقط بعد أن أطلق عدة صرخات·· ينفطر لها القلب· ·· كان المنظر محزنا! ·· صرخت إحدى الزائرات·· متأثرة بمنظر التمساح البائس·· قائلة: ''لا تقتلوه··! ·· لا تقتلوه··!'' ·· لفت الكآبة أجواء المكان·· ظن الجميع أن لا محالة من قتل التمساح، ولكن اتضح أن البندقية·· كانت تحمل رأسا مخدرا·· حتى تتم عملية إسعافه إلى مشفى الحديقة، بسهولة·· ودون خوف· ··· هرولت مجموعة من الحراس نحو مكان الحادث·· فرقوا جمع الزوار·· ليفسحو المجال للمسعفين·· وعندما سألنا عن مجريات الواقعة المؤثرة، تبين أن التمساح الأمريكي الصغير، هو الذي قطع ذيل التمساح الإفريقي الكبير·· ويا لها من مفارقة عجيبة!·· وقد ذهب ظن الكثيرين ممن كانوا هناك، أنه تعرض لحادث عارض· ''لم يعد للجولة من طعم···!'' هكذا همس صاحبنا في نفسه·· بعيدا عن رائحة الدم المتناثر·· هنا وهناك·· ·· شعر برغبة في التقيؤ·· فالمنظر المقزز الذي شاهده عكر مزاجه وأفسد متعته·· التي سرعان ما ذهبت أدراج الرياح· وقال بنفس منهك·· أثقله ألم ما ارتسم اليوم في خاطره: ''سبحان الله··! حتى حيوانات إفريقيا·· لا حظّ لها في الهناء والعيش·· حتى وراء القضبان··'' وخرج صاحبنا·· متملصا من بقايا المنظر المحزن·· قاصدا بيته بعد جولة ومتعة لم تتما بعد· ··· مات التمساح الإفريقي الكبير الضعيف·· بعد عانى أسبوعا كاملا من الألم والحنين إلى موطنه السعيد·· أما التمساح الأمريكي الصغير، فعزل في قفص لوحده·· باقي التماسيح الجديدة التي جلبت البارحة زجت في قفص هي الأخرى لوحدها· ·· أما الحيوانات المنتشرة في كامل أنحاء الحديقة المجاورة لقفص القاتل·· لفها الصمت واكتنفها الرعب، حتى لا تعكر صفو مزاج هذا المتجبر، خوفا من أن يصل إليها كيده·· ولن يبقى في الحديقة غيره·