قالت مصادر على صلة بالقطاع المصرفي، إن أحد الخيارات الموضوعة أمام الحكومة وبنك الجزائر من أجل إنجاح حظر التعاملات المالية التي تفوق ال 500 ألف دينار نقدا، وامتصاص السيولة النقدية الضخمة المتداولة خارج القطاع المصرفي، هو ''اللجوء إلى تغيير شكل الأوراق النقدية، كآخر حل إذا اقتضى الأمر''· مهدي براشد وقالت المصادر ذاتها، إنه لم يبق أمام دخول المرسوم التنفيذي الذي يسقف عمليات الدفع نقدا في حدود 500 دج، إلا أربعة أشهر (31 مارس 2011)، و''لا يبدو أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، بل على العكس من ذلك، عمد الكثير إلى إخراج سيولة نقدية كبيرة من البنوك واكتنازها، وهو ما خلق أزمة سيولة لدى البنوك وبريد الجزائر، في الآونة الأخيرة''، مضيفا أن الأمر لا يتعلق بالمواطن العادي الذي حتى وإن كانت له ثقافة اكتناز السيولة النقدية في بيته ولا يثق كثيرا في المصارف، إلا أنه ليس بمقدوره توفير سيولة كبيرة واكتنازها، بل إن الأمر يتعلق ببارونات التجارة الموازية والمهربين ومافيا تبييض الأموال الذين يجمعهم عامل مشترك هو التهرب الضريبي· وهؤلاء لديهم سيولة نقدية ضخمة ليسوا مستعدين ل ''بنكنتها'' وحتى إن اضطروا ل ''بنكنتها''، فمن الصعب عليهم إيجاد الوقت الكافي لتبرير مصادرها· وتعتقد مصادرنا أن حلا مثل هذا، حتى وإن كان من الحلول الاضطرارية التي يلجأ إليها في آخر المطاف، فإن ''من شأنه أن يحل الكثير من المشاكل التي يعاني منها القطاع المالي والمصرفي وحتى الاقتصاد الوطني بشكل عام، إذ بالإضافة إلى امتصاصه لكل السيولة النقدية المتداولة خارج القطاع المصرفي، وبالتالي ضرب القطاع التجاري والاقتصادي الموازي، فإنه يضرب في العمق مزوّري العملة، على خلفية ارتفاع حدة ظاهرة العملة المزوّرة في السنوات الثلاثة الأخيرة التي تسللت حتى إلى الوكالات البنكية''· وكان العديد من المواطنين قد أثاروا في السنوات الأخيرة الانتباه إلى أنهم صادفوا أوراقا نقدية مزوّرة استخرجوها لتوّهم من البنوك، فأعادوها إلى الوكالة البنكية التي قبلت استبدالها وتكتمت على الأمر· وعندما يصل الأمر إلى هذا الحد -تقول مصادرنا- فإن الأمر على قدر كبير من الخطر الذي يهدد المنظومة المصرفية· في هذا السياق، تشير مصادرنا إلى اكتشاف الأمن الإيطالي في جانفي 2009 بالقرب من نابولي مطبعة غير رسمية للعملة المزوّرة، وحددت محور الشبكة التي وراءها بين مرسيليا- نابولي- الجزائر· وانتهت القضية بإيقاف المتورطين والقبض على الرأس المدبرة رئيس العصابة الإيطالية في إيطاليا، وتلتها عملية القبض على 14 فردا في ليون يوم 21 أكتوبر من السنة نفسها داخل مطبعة للتزوير كانت تخرج منها أكياس مملوءة بورقة الألف دينار· وقال مصدرنا، إن خيار تغيير شكل الأوراق النقدية مازال فكرة في إطار الاحتمال الوارد، ولكن التوجه العام للواقع الاقتصادي والمالي يعزز هذا الاحتمال، مذكرا بأن الجزائر كانت لها تجربة مع سحب الأوراق النقدية لفئة 500 دينارا في مطلع الثمانينيات، وأنه على الرغم من الفوضى التي رافقت العملية آنذاك، إلا أنها جنبت كوارث مالية حقيقية كانت ستحصل· عبد الرحمن مبتول، خبير في الاقتصاد الدولي: 40 بالمائة من السيولة المتداولة تأتي من السوق الموازية أكد الدكتور عبد الرحمن مبتول في حديثه ل ''الجزائر نيوز''، الأسباب التي يمكن أن تدفع البنك المركزي الجزائري لاتخاذ خطوة تغيير شكل العملة المتداولة في السوق الجزائرية، حاليا، سيما انتشار الأوراق المالية المزيفة التي من شأنها إحداث حالة من الفوضى في البلاد، مشيرا إلى ضرورة تجسيد هذه الخطوة بشكل تدريجي تفاديا لخلق حالة من الهلع لدى المواطن· حاورته: فتيحة أمالو عيد شهدت شبابيك البنوك والبريد في الفترة الأخيرة نقصا كبيرا للسيولة، ما جعل بعض الخبراء يعتقدون أنه مؤشر لشروع البنك المركزي في سحب السيولة القديمة وتعويضها بسيولة مالية جديدة، هذه المعلومة تأتي في الوقت الذي يتزايد الحديث عن رغبة البنك المركزي في إصدار عملة جديدة، هل تعتقد أن ذلك ممكنا؟ في حال إقدام البنك المركزي على خطوة كهذه، فذلك سيكون بدافع وضع حد للعملات المزيفة التي وجدت طريقها للجزائر بتورط من شبكات دولية، وهو الأمر الذي سيدفع البلد لدخول حالة من الفوضى العامة· لا بد من التأكيد أن هذه الخطوة لا تقتصر على الجزائر، إذ أن كل البنوك المركزية عبر العالم تسعى للقيام بذات الخطوة، لعل هذا الضغط الدولي هو الذي يفسر لجوء البنك المركزي الجزائري إلى اتخاذ مثل هذا القرار، وهو أمر معقول، غير أنه لابد من الأخذ بعين الاعتبار الحجم الكبير للسيولة المتداول· الأمر الصعب يتمثل في ضرورة البدء بالسوق المالية الموازية التي انتشرت في الجزائر، التي باتت تمثل حوالي 40 بالمائة من حجم السيولة المتداولة، وعليه يستحسن إدماج تلك المبالغ الدائرة في السوق الموازية ضمن السوق المالية الرسمية الحقيقية· كيف يمكن تجسيد ذلك؟ يكفي أن يتم منح سجلات تجارية لكل من باتوا يعرفوا ب ''الطرابنديست''، مثلما قامت به تونس· مثل هذا الإجراء من شأنه أن يدفع كل من يعمل ضمن السوق الموازية للاندماج في القطاع الرسمي، سيما من خلال دفع الضرائب· في هذا المقام لا بد من التأكيد أن السوق الموازية هي نتيجة حتمية للبيروقراطية، وعليه يكفي وضع آليات تستوعب العاملين في السوق الموازية· تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تتجه فيه دول العالم للاعتماد على النظام المالي الإلكتروني، ألا تعتقدون أنه على الجزائر أن تنتهج هذا الاتجاه بدلا من الاكتفاء بتغيير العملة؟ ما تزال العملة النقدية تحظى بثقة الجزائريين بالمقارنة مع استعمال الصكوك· فيما يخص التعامل المالي الإلكتروني، مازلنا بعيدين عن تعميمه، بالرغم من بلوغ العديد من الدول لتعميم التعاملات المالية الإلكترونية من خلال استعمال البطاقة فقط، على اعتبار أنها تمنع التهرب الضريبي، كما أنها تقضي على تزوير العملات· فيما يخصنا في الجزائر ما يزال العملاء التجاريون يفضّلون التعامل بالعملة النقدية والسيولة العينية بدلا من الصكوك، ما يجعلنا نعتقد أن القانون الذي يجبر التجار على استعمال الصك البنكي في كل معاملة مالية تفوق قيمتها 50 ألف دينار جزائري، غير فاعلة· من هنا أعتقد أن الحل الأمثل لا يمكن في ضخ المزيد من العملة العينية والسيولة في السوق الجزائري، لا بد من تحسيس المواطن بشكل أكبر وبفعالية من أجل استعمال البطاقات الإلكترونية· هل هذا يعني أن العملة النقدية من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني؟ بالضبط، الخطورة تكمن في احتمال ضخ المزيد من السيولة النقدية في السوق دون سحب القديمة، الأمر الذي من شأنه خلق حالة من التضخم العام، ما يعني المزيد من الاستيراد، وبالتالي التأثير سلبا على الاقتصاد الوطني، في الوقت الذي يجب فيه التفكير في اقتصاد بعيد عن الريع من خلال تكريس اقتصاد بعيد لا يعتمد كليا على المحروقات· في حال تأكيد رغبة البنك المركزي في إصدار عملات جديدة، ما هو تصوركم لتجسيد أمثل لهذه الخطوة؟ لا بد من القيام بذلك بشكل تدريجي وغير صاخب، لا بد من التأني وعدم التسرع في تجسيد مثل هذه الخطوة، حتى لا يتكرر ما حدث حين تم إصدار عملة 500 دينار، قبل عشرين سنة، حين تهافت كل من كان يملك أوراق نقدية على البنوك لتغييرها، الأمر الذي خلق فوضى عارمة وتجاوزات، لا بد من التأكيد أن خطوة كهذه عملية معقدة وليست مجرد قرار يتخذ بسهولة· الأيام الأخيرة للسكوار وأسواق الدوفيز