3600 مليار سنتيم من النقود المهترئة يتم تدميرها سنويا جند بنك الجزائر المركزي 3400 نقطة لاسترجاع النقود البالية على مستوى التراب الوطني، بعد أن وقف البنك على واقع الأوراق المالية المتداولة، والتي لم تعد فقط غير صالحة للاستعمال، بل تسيء لسمعة الدولة وتخدش الحياء والشعور العام. لم تشفع طبيعة المادة الأولية المستعملة (موصوفة بالمحسنة) في الأوراق النقدية التي شرع بنك الجزائر في طبعها منذ مطلع التسعينيات، ولا العملية المنظمة التي يقوم بها بنك الجزائر من أجل تصنيف وسحب المهترئة منها، في التقليل من تدهور واقع الأوراق المتداولة في السوق، بحيث يصادف المواطن في اليوم الواحد حالات عدة من هذا القبيل. وبينما يفسر المواطن العادي تفشي ظاهرة انتشار الأوراق النقدية البالية، برداءة المادة الأولية التي صنعت منها هذه الأوراق، وكذا طول مدة استعمالها وتقاعس بنك الجزائر، بصفته الجهة الوصية، في امتصاص الرديئة منها وإحلال محلها أوراقا مالية جديدة، ينظر خبراء البنوك والمصرفيون إلى الظاهرة من وجهة نظر مغايرة. سرعة التداول وغياب ثقافة الشيكات يقول المفوض العام للجمعية الوطنية للبنوك والمؤسسات المالية، عبد الرحمان بن خالفة، "لا زلنا نتداول في الجزائر الأوراق المالية على مستوى عال، بالرغم من أن اقتصادنا صار كبيرا، وبالمقابل نجد أن التعامل وفق الآليات المصرفية الحديثة، مثل الشيك والحوالة والبطاقة البنكية ...وغيرها قليل جدا". ومعنى هذا أن التداول المكثف للورقة المالية في السوق الوطنية من شأنه أن يؤثر على وضعيتها وشكلها، مهما كانت المادة الأولية المستعملة في صناعتها، وهي الظاهرة التي تجاوزتها مثلا الدول التي تشتهر بجودة وسلامة أوراقها النقدية، على غرار تلك التي تتعامل بالأورو والدولار. كما أن غياب قانون يمنع تداول الأموال بقيم كبيرة في صورة سيولة، يعتبر من الأسباب الهامة التي تساهم وإن كان ذلك بشكل غير مباشر في تفشي هذه الظاهرة، بحيث تحدثت الحكومة في أكثر من مناسبة عن اقتراب سن هذا القانون، الذي يحدد سقف المبلغ المدفوع، غير أنه لم ير النور إلى غاية اليوم، لاعتبارات تبقى غير مفهومة، سيما وأنها سبق لها وأن سنت قوانين مشابهة، على غرار ذلك الذي يحارب تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، الذي لعب دورا كبيرا في تنظيم القطاع المالي والمصرفي. ويقدم بن خالفة سببا آخر يعتقد أنه من الأسباب التي تساهم في التأثير على حالة الأوراق النقدية، لكنها تتعلق بعادات الجزائريين وتقاليدهم، وهي عدم استعمالهم لحافظات الوثائق، التي تحمي الأوراق النقدية من الاحتكاك والتآكل، وهي من الأمور التي أدت إلى تراكم قيم مالية معتبرة لكن بأوراق بالية ومهترئة، في سوق التداولات، بشكل حتم على الجهات المعنية وضع استراتيجية دقيقة لامتصاصها. إنشاء 100 مصفاة كل سنة وأمام غزو ظاهرة الأوراق المالية المهترئة سوق التداولات، وضع بنك الجزائر ألفا و400 موقع مصفاة موزعة على مختلف الوكالات البنكية في كامل التراب الوطني، وعززها ب 2000 موقع على مستوى وكالات البريد، وسخر من أجل ذلك المئات من الموظفين لتصنيف الأوراق النقدية البالية التي يتم تحصيلها وإعادة حسابها، على مدار السنة وبدون توقف. وتلعب البنوك دور المصفاة الأولى، حيث تجمع الأوراق البالية ثم يتم نقلها إلى البنك المركزي، حيث يتم تصنيفها، قبل أن يفصل في أمر تلك التي تعود إلى التداول أو تلك التي يتم فرمها بواسطة جهاز خاص. غير أن المشكل المستعصي، برأي خبراء الصيرفة، يكمن في الأوراق المالية النائمة، وهي التي تبقى بعيدة عن التداول في صورة ادخار سلبي عند الأشخاص الطبيعيين، وهو ما يصعب من مأمورية ضبط كمية وحجم الأوراق المالية البالية، ومن ثم طبع القيمة الموازية لها بعد سحبها من التداول. ويفتتح القطاع المصرفي في البلاد ما بين 75 و100 وكالة بنكية جديدة في كل سنة تتوفر كل واحدة منها على خلية لامتصاص الأوراق النقدية المهترئة، وهو ما يعني أن المصفاة تتوسع من سنة إلى أخرى. ومعلوم أنه كلما توسعت المصفاة حُجزت أكبر كمية من الأوراق البالية. أوراق نقدية تحمل أرقام هواتف عاهرات وعبارات إباحية ويكفي الوقوف على عينات من الأوراق النقدية المتداولة، ليكتشف حجم الضرر الذي تعاني منه الكتلة النقدية المتداولة في السوق الوطنية، وتعتبر الورقة النقدية من فئة ال 200 دينار، التي تحتوي على مجسّم مقام الشهيد، الأكثر تضررا من بقية الأوراق النقدية الأخرى التي تم صكها مطلع التسعينيات من القرن الماضي، والتي تحمل رموز حيوانات وطيور منقرضة، على غرار الأوراق النقدية من فئة ال 100 وال 200 وال 500 وال 1000 دينار. ويفسر المتعاملون تدهور حالة الورقة النقدية من قيمة 200 دينار صنف "مقام الشهيد"، بقدمها، بحيث يعود تاريخ صكها إلى ما يقارب ثلاثة عقود (مارس 1983)، وهو ما يعني أن المادة التي صنعت منها أحسن بكثير من تلك التي صنعت منها الأوراق النقدية التي تم صكها مطلع التسعينيات، بمواصفات الأوراق النقدية المتداولة عالميا، غير أنها لا تتشابه معها سوى في الخيط المعدني المستعمل ضد التزوير. وأمام عجز بنك الجزائر عن امتصاص الملايير من الأوراق البالية والمهترئة وسحبها من التداول، لم يجد المتعاملون من وسيلة سوى استعمال الشريط اللاصق لجمع أشلاء الأوراق الممزقة، وهي مجرد واحدة من العيوب الكثيرة التي تتميز بها الأوراق النقدية، التي تحولت أيضا إلى فضاء إشهاري مجاني لممارسات لا أخلاقية. ويمكن لمتداولي الأوراق النقدية أن يعثروا على أرقام هواتف مدونة على هذه الأوراق المالية، ليتبين، حسب بعض التجار، أن هذه الهواتف هي لبائعات هوى لجأن إلى هذه الحيلة الماكرة والفعالة، من أجل استقطاب ضحاياهن من "البقّارة". عملية إعادة صك النقوط مقيدة بما يتم سحبه من السوق ويعكف البنك المركزي حاليا على صك الأوراق النقدية من فئة 100 و200 دينار، غير أن العملية تبقى مقترنة بقيمة ما يتم سحبه من السوق، فكلما أقدم البنك على سحب قيمة معينة من التداول استخلفها بقيمة مالية أخرى من صنف الورقة النقدية المسحوبة، حفاظا على ديناميكية وحركية التداول، وكذا تفاديا لكل ما من شأنه أن يقود إلى حدوث اختلال في القيمة النقدية، وما يمكن أن يترتب عن ذلك من تضخم. أما الأوراق المالية المسحوبة فيتم إتلافها على مستوى بنك الجزائر بطريقة محكمة وبشكل صارم، تشرف عليها المديرية العامة ل "دار النقد"، بحيث يتم إتلاف ما يعادل 10 ملايير سنتيم يوميا (حوالي 3600 مليار سنتيم في السنة)، بواسطة آلة صنعت خصيصا لذلك، ويقوم بهذه العملية موظف خاص مهمته فرم الأوراق النقدية، حيث يقوم بإتلاف 120 رزمة من الأوراق النقدية يوميا، كل رزمة تضم 20 مليون سنتيم من فئة 200 دينار.