لنفترض أن اتهامات سعيد سعدي، رئيس الأرسيدي الحليف الاستراتيجي ''السابق'' للسلطة، بخصوص وقوف السلطات المركزية وراء زعزعة استقرار منطقة القبائل، اتهامات صحيحة ولا غبار عليها، لكن على سعيد سعدي أن يجيب الجزائريين أيضا كيف لدولة أن تجلب لنفسها صداع الرأس من الخارج وتوفر لأعداء الجزائر من الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ذريعة على طبق من أجل صناعة ملف اسمه ''اضطهاد القبائل''، وبالتالي تتيح للتدخل الأجنبي فرصة من ذهب لمحاصرة الجزائر· ثم هل يُعقل أن تقوم الدولة باضطهاد نفسها، مع العلم أن المراكز الحساسة والقوية في الحكم والمشاركة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي بيد أصلاء هذه المنطقة في الجزائر؟·· هل يستطيع أي منا مهما كان منصبه أو موقفه أن يتنكر للعشيرة أو العرش أو الدوار الذي ترعرع فيه، بالرغم من أن المسؤولية تفرض عليه التعامل بقدم المساواة مع كافة مناطق الوطن؟ إن أول من يتهم المسؤولين الجزائريين بالمحاباة والعصبية والعروشية في الحكم هو الأرسيدي، الذي شارك لسنوات في الحكومة ولا يزال مشاركا فيها من خلال من كان يوما في صفوفه وقيادته، وكانت المشاكل التي تعرفها منطقة القبائل، هي المشاكل نفسها التي تعرفها اليوم من الإرهاب إلى التنمية، تماما كما عرفته كافة الجزائر· الملاحظة الأخرى التي يمكن أن تحسب على الأرسيدي في هذه الاتهامات، هو مطالبته اليوم بتوفير الأمن مقابل غيابه عن الساحة عندما كان الشارع في تيزي وزو يطالب بغلق مراكز الأمن، عقب أحداث جوان .2001 ثم لماذا لم يتهم الأرسيدي المفوضية الأممية لحقوق الإنسان وهي تتلو على العالم وضعية الملف الإيجابي في الجزائر، أو ينتقد الخارجية الأمريكية على إيجابية تقريرها حول الحريات الدينية في الجزائر التي تُعنى به منطقة القبائل قبل كل مناطق البلاد كونها كانت ولا تزال معقل حراك ديني يسمونه التبشير· إن اللعب على وتر ''زعزعة منطقة القبائل من طرف السلطة'' لا يمكن أن يُظهر الأرسيدي إلا في ثوب خادم لجهات خارجية تحاول إيهامه بأنها تدعمه مقابل إيهام العالم بأنها يمكن أن تضغط على الجزائر من خلال هذه القلاقل، والحصول على مآربها الاقتصادية·· سعيد سعدي دكتور الأمراض العقلية، قد يكون يمارس السياسة من هذا المنظور ويرى بأن كل من في السلطة مختلين عقليا ينبغي معالجتهم، وقد لا يكون هذا رائعا إلا بعد أن يُدرك بأن الوصفة التي يكتبها لهم لم تأت بثمارها وأن عليه استبدالها، بوصفة أخرى·· ولِمَ لا العودة إلى أصله والدخول في التحالف الرئاسي·· لِمَ لا ؟ أليس سعيد سعدي من قال لعباسي مدني وأمام ملايين الجزائريين قبل وقف المسار الانتخابي وهو يستعمل ضمير المتكلم الجامع ''لن ندعك تمر يا شيخ''، في وقت لم يكن فيه صوت يعلو فوق صوت العسكر· إن علاقة سعيد سعدي بالسلطة تشبه تماما علاقة الطبيب بمريضه، فهو يسعى دوما لأن يصف له الدواء الشافي، وهو ما يفعله سعدي بمحاولته إصلاح السلطات ب ''نضاله السياسي''، وقد وصف لها كافة الأدوية ولم يبق له إلا وصفة واحدة، مع العلم أن الطبيب لن يدع مريضه يموت وبيده حل أخير·· هذه الوصفة هي العودة إلى الأصل·· إلى حضن السلطة التي يكمن مركزها السياسي، اليوم، في التحالف، لكن مسألة العودة مسألة وقت فقط ولا يهم الشكل الذي يعود به أو إليه· بقلم: عبد اللطيف بلقايم إعلامي