التكنولوجيا الحديثة غيّرت طرق العمل جذريا في الصحافة، وطريقة ''لوندر'' أصبحت في حكم الماضي، فما الذي بقي من تلك المدرسة؟ إذا ما كان ثمة تغيير في طرق العمل، فإنه موجود في الشكل وأو في الوسائط وطريقة التلقي· أما تولي إنجاز أعمالا طويلة المدى والمجازفة في ذلك والاِلتزام الفلسفي الواجب والمفروض منه أن يحفز إنجاز الروبورتاج أو التحقيق الصحفي، فهو ماثل دوماً في الصحافة مهما كان الوسيط الإعلامي الناقل للعمل الصحفي· وأظن أن الظهور لما يسمى ''فيلم الويب الوثائقي'' في السنوات الأخيرة، خير مؤيد لما نقول بهذا الخصوص· تقول في مقدمة الكتاب إن ما اِنطبق على معتقل ''كايان''، يمكن أن ينطبق في وقتنا الحاضر على معتقل ''غوانتانامو''، فما الذي يمنع من ظهور صحفيين مشابهين ل ''لوندر'' في وقتنا رغم أن الظروف تحسنت كثيرا؟ أظن أن هذا القول لأحد المهتمين ب ''ألبير لوندر''، واِرتباطاً بالسؤال السابق، أرى أن كتابات صحفي مثل الصحفي الأمريكي سيمون هيرش، الذي فضح الممارسات المشينة ضد سجناء سجن أبو غريب، في بغداد، تؤكد أن أمثال ''لوندر'' موجودين وفي كل الثقافات· وربما يكون ''هيرش'' قد تعلم من أمثال'' لوندر''، إذ أن الرواسب تبقى بعد مدة طويلة والتقاليد مهمة في هذا المجال أو في غيره· ألا ترى أن رواية ثم فيلم ''فراشة'' قد قضى بالفعل على أهمية الكتاب، وهو الذي عالج الموضوع نفسه وبصناعة سينمائية هوليوودية عالية؟ أولاً، لم أفهم قصدكم بخصوص القضاء على أهمية الكتاب بعد ظهور رواية وفيلم ''الفراشة''· إذا كنتم تتحدثون عن اِنتفاء أهمية عمل مثل ''في سجن الأشغال الشاقة''، فأخبركم أن أعمال ''لوندر'' تدرس في الجامعات الأوروبية وغير الأوروبية· ولست أدري إن كان فيلم ''الفراشة'' يدرس في معاهد السينما· ويمكن أن ينطبق هذا على عدة أعمال صحفية أخرى مثل كتاب ''السؤال'' للمناضل الجزائري الفرنسي اليهودي هنرى أليغ، عن التعذيب الممارس في الجزائر أثناء حرب التحرير الجزائرية، الذي صوّر فيما بعد فيلما، لكنه لم يقض على أهمية الكتاب ومساهمته في تحرير الإنسان· في مجال الحديث عن تأثير أعمال ''لوندر'' تجب الإشارة إلى تأثير هذا الصحفي الفرنسي مد بقي ممتداً، من خلال ''جائزة ألبير لوندر'' وهي نظيرة لجائزة ''بوليتزر'' الأمريكية المعروفة· وقد أسست جائزة ''ألبير لوندر'' منذ 1933 من طرف زملائه واِبنته لتكريم الروبورتاجات في الصحافة المكتوبة ووسعت في 1985 إلى الأعمال السمعية البصرية· أخيراً، هل سنقرأ لك ترجمات أخرى لكتابات ألبير لوندر أخرى ؟ طبعاً، أفكر، وقد بدأت العمل وإن ببطء كبير، في إعداد كتاب عن حياة ومكانة وأعمال ''لوندر'' الذي لم يقرأه الكثير من القراء وحتى الكثير من الصحفيين الجزائريين، بجناحيهم المعرّب والمفرنس، لم يقرأوا له وأنا أعرف الكثير منهم لكوني عملت في الصحافة أكثر من 25 سنة· أنا شخصياً، لم أتمكن، في الجزائر، من قراءة سوى ''دانتي لم ير شيئا'' عن محتشدات العمل الإجباري في شمال إفريقيا· وإجمالاً، فإن أعمالاً ل ''ألبير لوندر'' مثل ''طريق بيونس إيرس'' عن تجارة الرقيق الأبيض، و''أرض الأبنوس'' عن ما كابده الأفارقة تحت الاِستعمار و''وصول اليهودي التائه'' عن معاناة اليهودي في أوروبا خاصة الشرقية منها في عشرينيات القرن العشرين، أعمال جديرة بالترجمة للعربية لأنها من أهم أعمال ''لوندر''·