يشهد العالم اليوم انفتاحا قويا على الشبكة المعلوماتية جعل الاتصال على مختلف المستويات ممكنا، وهو الأمر الذي وفر مادة علمية مهمة في متناول جميع الباحثين المتخصصين والمهتمين بالبحث، لكن السؤال المطروح هل يتم استغلال هذه المادة من قبل المختصين على أكمل وجه؟ هنا نقدم لكم جزء من دراسة بهذا الخصوص، أجرتها الأستاذة الدكتورة ريما سعد الجرف، باحثة بجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية·· أظهرت نتائج دراسة استطلاعية أجريتها على طالبات الدراسات العليا والبكالوريوس أن نسبة الطالبات اللاتي يستطعن البحث في قواعد المعلومات الإلكترونية لا يتجاوز 4%· لذا توصي الدراسة الحالية بضرورة إضافة مقرر في البحث الإلكتروني (ساعتين معتمدتين) إلى متطلبات الجامعة والإعداد العام لطلاب الدراسات العليا والبكالوريوس بالجامعات والمعاهد والكليات في المملكة، نظرا لحاجة طلاب الجامعات والكليات الماسة إلى تعلم واكتساب مهارات البحث في قواعد المعلومات الإلكترونية المتخصصة، ولأن الغالية العظمى من قواعد المعلومات المتخصصة باللغة الإنجليزية، ولضعف الطلاب باللغة الإنجليزية، وللتنوع الكبير في تصميم قواعد المعلومات وطرق البحث فيها، على أن يركز المقرر على تدريب الطلاب على أساسيات واستراتيجيات البحث الإلكتروني، وأوامر البحث الإلكتروني ومصطلحاته الأساسية، والاختصارات الشائعة المستخدمة في الاقتباسات المرجعية والملخصات والنصوص الكاملة للوثائق·· نجم عن التطورات السريعة في تكنولوجيا المعلومات تغيرات جذرية في مصادر المعلومات الإلكترونية· وأصبحت مكتبات الكثير من الجامعات تحتوي على تشكيلة من قواعد المعلومات الإلكترونية، التي تحتوي على كم هائل ومنظم من المعلومات والمصادر· فعلى سبيل المثال، تضم قاعدة الملخصات الكيميائية Chemical Abstracts على 3,19 مليون وثيقة تغطي 8000 دورية علمية منذ عام 1947 حتى الآن· وتحتوي قاعدة معلومات ملخصات رسائل الدكتوراه Dissertation Abstracts على 6,1 مليون اقتباس مرجعي وملخص لرسائل الدكتوراه التي أجازتها الجامعات الأمريكية والكندية و200 جامعة أخرى منذ عام 1860م حتى الآن· وتغطي قاعدة المعلومات النفسية PsycINFO أبحاثا نظرية وتطبيقية في علم النفس من 45 دولة وفي أكثر من 30 لغة، وتدور حول موضوعات في الشخصية والصحة النفسية والطب والطب النفسي والتربية والخدمة الاجتماعية والقانون والجنايات وسلوك الحيوان والسلوك المنظماتي· وتعطي مراجع في موضوعات سلوكية ذات علاقة بمجالات الرعاية الصحية والتربية والتجارة والسلوك المنظماتي وسلوك المستهلك وعلم الجريمة والذكاء الاصطناعي منذ عام 1887 حتى الآن· ومواكبة لهذه التطورات، وحرصا على استفادة أكبر عدد ممكن من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس من قواعد المعلومات الإلكترونية، قامت المكتبات المركزية بجامعات المملكة في الأعوام القليلة الماضية، باستحداث شبكات من قواعد المعلومات، إضافة إلى ما يتوفر بها من قواعد داخلية على CD-ROM . وتقدم الكثير من جامعات المملكة في كل فصل دراسي دورات تدريبية في الحاسب الآلي مثل مقدمة الحاسب وبيئة النوافذ، إدخال البيانات ومعالجة النصوص ''وورد واكسل'' و''باوربوينت'' و''آكسس'' و''فرنت بيج'' و''أوتلوك'' و''فلاش'' و''فوتوشوب'' وصيانة الحاسبات ومبادئ الإنترنت، لتنمية قدرة الطلاب على استخدام الحاسب وبرامجه الحديثة· ولكنها لا تدرب الملتحقين بها على البحث في قواعد المعلومات المتخصصة· ومع تزايد استخدام المكتبات للأنظمة الإلكترونية وتزايد عدد قواعد المعلومات الإلكترونية، أصبح البحث الإلكتروني أكثر تعقيدا· وعلى رواد المكتبة أن يعرفوا كيف يبحثون، وكيف يكتسبون مهارات التفكير الناقد اللازمة لعلميتي البحث الإلكتروني واختيار كلمات البحث· وأصبح التدريب على استخدام المكتبة أساسيا لنجاح الطالب في عملية البحث، خاصة الطلاب الذين لا يجيدون اللغة الإنجليزية، لأن الغالبية العظمى من قواعد المعلومات في التخصصات المختلفة باللغة الإنجليزية· هذا وقد أظهرت نتائج البحث في قواعد معلومات ERIC, LISA, ELBA قلة الدراسات التي تركز على تدريس مهارات البحث الإلكتروني للطلاب غير الناطقين باللغة الإنجليزية· إذ أن اكتساب مهارات البحث الإلكتروني تشكل عقبة أمام هؤلاء الطلاب بسبب العوائق اللغوية ودرجة تعقيد عملية البحث الإلكتروني ذاتها· أهمية الدراسة نظرا لأهمية استخدام قواعد المعلومات الإلكترونية، فإن طرح مقرر في البحث الإلكتروني ضمن متطلبات الجامعة من شأنه أن يكسب الطلاب مهارات البحث الإلكتروني اللازمة، ويسهل عليهم عملية البحث في القواعد المتخصصة مثل ERIC, MLA, PsychInfo, Medline, Agricola . فقد أظهرت نتائج بعض الدراسات أن تدريب الطلاب من الناطقين باللغة الإنجليزية على مهارات البحث الإلكتروني كان فعالا في تعلمهم مهارات البحث الإلكتروني· وفي دراسة أجرتها هايندز )2000( Hindes واستخدمت فيها مقررا الكترونيا على شبكة WebCT يستخدم تقنية التعليم عن بعد، أطلق عليه ''طرق البحث المتقدمة في المراجع الإلكترونية Online Searching Techniques Advanced Reference''، وهدف إلى مساعدة الطلاب على اكتساب مهارات تقنية المعلومات، أظهرت نتائج التدريب أن مشاعر الطلاب كانت إيجابية، وأن التدريب المعتمد على الإنترنت وفر بيئة مكنت الطلاب من اكتساب مهارات البحث في المكتبة، وتبادل المعلومات ومشاريع الأبحاث· وفي دراسة أخرى، استخدم رين )2000Ren ( استبانة وزعها على 85 طالبا في مرحلة البكالوريوس تلقوا تدريبا على استخدام المكتبة أثناء دراستهم لمقرر في الإنشاء باللغة الإنجليزية في جامعة راتجرز Rutgers بولاية نيوجيرسي· وتكون التدريب من محاضرة داخل الفصل مدتها 80 دقيقة، وشاهدوا عرضا حيا للبحث الإلكتروني، تلاه تدريب عملي على البحث الإلكتروني· وأظهرت نتائج الدراسة زيادة في قدرة الطلاب على البحث عن المعلومات الإلكترونية· وتجلى أثر التدريب في التحسن الذي طرأ على أدائهم ومشاعرهم واتجاهاتهم الإيجابية· وفي البرازيل، أفاد المتخصصون في العلوم الصحية وطلاب الدراسات العليا الذين تدربوا على استخدام قاعدتي معلومات Medline and Lilacs كجزء من مقرر طرحته المكتبة أنهم حصلوا على نتائج مماثلة (كوينثا 1999 ,Cuenca ). ووجد كيركوفيتش وآوتريد )2002( Churkovich and Oughtred أن الطلاب الذين تلقوا تدريبا في المكتبة وجها لوجه، كجزء من برنامج في مهارات المكتبات والمعلومات، كانوا أكثر مهارة في قدراتهم البحثية من الذين استخدموا كتيبا تعليميا online tutorial على الشاشة فقط· وكشفت نتائج دراسة أجراها بروراك وجوتستشوك وبولاسترو 1994 ,Prorak, Gottschalk and Pollastro عن تحسن في درجات الاختبار ومستوى التمكن بعد أن تلقى الطلاب تدريبا عمليا على استخدام المكتبة في مجموعات صغيرة· نستخلص من الدراسات السابقة أهمية تدريس مهارات البحث الإلكتروني للطلاب، وتحسن قدرتهم نتيجة للتدريب، وتنمية اتجاهات إيجابية لديهم نحو عملية البحث الإلكتروني· عينة الدراسة الاستطلاعية تكونت عينة الدراسة الاستطلاعية من عينة عشوائية من 64 طالبة في مرحلة البكالوريوس بكلية التربية من المسجلات في مقرر ندوة وبحث، و75 طالبة في مرحلة الدراسات العليا في أقسام الدراسات الإسلامية واللغة العربية والتاريخ وعلم الاجتماع والمناهج وطرق التدريس والإدارة التربوية وتكنولوجيا التعليم وعلم النفس والتربية الخاصة وتعليم الكبار والمحاسبة والاقتصاد وإدارة الصحة والمستشفيات وإدارة الأعمال بكليات الآداب والتربية والعلوم الإدارية بجامعة الملك سعود· إجراءات التطبيق والتحليل قامت الباحثة بتصميم استبانة للتعرف على مدى قدرة طالبات الدراسات العليا والبكالوريوس بكليات الآداب والتربية والعلوم الإدارية بجامعة الملك سعود على استخراج الأبحاث من الإنترنت وقواعد المعلومات الإلكترونية والمعوقات التي تحول دون ذلك· ثم قامت بمقابلة كل طالبة على حدة، وسجلت اسمها على نموذج الاستبانة الخاص بها، وطرحت الأسئلة وسجلت الاستجابات على الاستبانة· وبعد الانتهاء من المقابلات الشخصية، تم تفريغ الاستجابات وتصنيفها، وحسبت التكرارات والنسبة المئوية للطالبات اللاتي قدمن الاستجابة نفسها· نتائج الدراسة الاستطلاعية ومناقشتها على الرغم من أن اللغة العربية هي لغة المقررات في كليات الآداب والتربية والعلوم الإدارية بجامعة الملك سعود، إلا أن نتائج الدراسة الاستطلاعية أظهرت أن جميع طالبات الدراسات العليا بأقسام المناهج وطرق التدريس والإدارة التربوية وتكنولوجيا التعليم وعلم النفس والتربية الخاصة وتعليم الكبار والمحاسبة والاقتصاد وإدارة الصحة والمستشفيات يحتجن إلى اللغة الإنجليزية (80% من طالبات الدراسات العليا) ليتمكن من قراءة المراجع باللغة الإنجليزية في تخصصهن، ويحتجن إلى استخراج المعلومات باللغة الإنجليزية من مصادر المعلومات المختلفة كالدوريات والتقارير ورسائل الدكتوراه وغيرها من المراجع للمقررات التي يدرسنها، ولحل الواجبات، وكتابة تقارير البحث والرسائل· أما الطالبات اللاتي يدرسن في أقسام اللغة العربية والدراسات الإسلامية والتاريخ فلا يحتجن إلى استخدام مراجع باللغة الإنجليزية· وأظهرت نتائج الدراسة الاستطلاعية أن 13% من الطالبات يستطعن استخراج الأبحاث والدراسات باستخدام محركات البحث مثل Google, Yahoo, AltaVista and Ayna، وأن 4% من الطالبات فقط يستطعن استخراج الأبحاث من قواعد المعلومات المتخصصة مثل ERIC . والقليل حاول استخدام قواعد المعلومات المتخصصة من المكتبة المركزية· وأفادت الطالبات اللاتي يستطعن استخدام محركات البحث، أنهن مبتدئات، وأنهن يبحثن فيها باللغة العربية، لأن لغتهن الإنجليزية ضعيفة· وأفادت الطالبات اللاتي يستطعن استخدام قواعد المعلومات المتخصصة أن استخدامهن لها قليل· وأشرن إلى أنهن لم يتلقين أي تدريب على البحث الإلكتروني في أي مكان، وأبدين رغبتهن الشديدة في التدرب على مهارات البحث الإلكتروني· أما العوامل المؤثرة في عدم القدرة على البحث في قواعد المعلومات الإلكترونية فمنها ضعف اللغة الإنجليزية، وعدم إمكانية الاتصال بقواعد المعلومات من الحرم الجامعي بعليشة· وتجدر الإشارة إلى أن نتائج الدراسة الحالية تتمشى مع نتائج بعض الدراسات السابقة· فقد أظهرت نتائج دراسة أجراها ''دي ماجو ودي ماجو'' )1981( Di Majo and Di Majo غياب التدريب على استخدام مقتنيات المكتبة في إيطاليا، مقارنة بالدول الناطقة باللغة الإنجليزية التي تقدم زيارات إلى المكتبة تحت إشراف مرشد يقدم المعلومات اللازمة· وأشارت آيد )1989Ide ( أن تدريس مهارات استخدام المكتبة في اليابان لا يزال محدودا· ولا يزال رواد المكتبات الجامعية هناك بحاجة إلى تعريف بمصادر المعلومات المتوفرة فيها وكيفية استخدامها· وفي دراسة ثالثة ركزت على تدريس مهارات استخدام المكتبة لطلاب قسم الأحياء في معاهد أوهايو، وجدت سين )1999Sinn ( أن أعضاء هيئة التدريس الذين يدرسون علم الأحياء لا يزودون الطلاب بمعلومات تساعدهم على البحث في المكتبة· الخاتمة لم يعد استخدام الحاسب في عملية البحث عن مصادر المعلومات ترفا بل ضرورة فرضتها التطورات التكنولوجية الهائلة التي طرأت في القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين· من هذه التطورات استخدام قواعد المعلومات الإلكترونية المتخصصة· ونظرا لافتقار الغالبية العظمى من طلاب الجامعات في المملكة إلى مهارات البحث الإلكتروني، توصي الدراسة الحالية بضرورة طرح مقرر في البحث الإلكتروني كأحد متطلبات الجامعة لطلاب البكالوريوس والدراسات العليا· مع ضرورة رصد ميزانية خاصة للتدريب ولتعيين أعضاء هيئة تدريس يقومون بعملية التدريب· كما يتطلب طرح مثل هذا المقرر توفير أجهزة حاسب وتوصيل خدمة الإنترنت إلى أقسام الطالبات بصفة خاصة· ويتطلب تحديث محتوى مقررات البحث العلمي بالكليات، بحيث يتناسب مع التطورات التكنولوجية الحديثة، ودمج مصادر المعلومات الإلكترونية في واجبات المقررات الدراسية بالجامعة، وتوفيرا للمبالغ التي تنفقها الجامعات فرادى على الاشتراك في المجموعة ذاتها من قواعد المعلومات، يمكن إيصال شبكات قواعد المعلومات في الجامعات ومراكز الأبحاث السعودية ببعضها البعض، أي عمل شبكة للمكتبات التي تحتوي على قواعد معلومات، وإنشاء مركز موحد (شبكة موحدة) لقواعد المعلومات تخدم جميع الباحثين في المملكة، أينما كانوا، على غرار Ohiolink، التي تقدم خدمات ل35 مكتبة في ولاية أوهايو· حيث تقوم تلك الجامعات بتزويد الباحثين بالوثائق والمشاركة في المصادر وتطوير ما لديها وتسهيل الاتصال· ونظرا للنقص الشديد في قواعد المعلومات العربية في التخصصات المختلفة، من الضروري توحيد الجهود ودمج قواعد المعلومات الصغيرة مثل قاعدة مكتب التربية العربي لدول الخليج وقاعدة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ومركز الملك فيصل للدراسات وإنشاء قواعد معلومات متخصصة موحدة للأبحاث العربية على غرار قاعدة معلومات ERIC, MEDLINE، والاهتمام بإضافة كل ما يستجد من أبحاث.