يشكو سكان القرية الفلاحية التابعة لبلدية تيزي غنيف، والواقعة بحوالي 50 كلم جنوب غرب مدينة تيزي وزو، من نقائص بالجملة في كل مناحي الحياة جراء عدم مراعاة السلطات المحلية لمختلف انشغالاتهم المتعلقة بالحياة اليومية وغياب تام لكل شروط الحياة الكريمة· وتأتي في مقدمتها أزمة العطش، عدم تعبيد الطريق، تفاقم حدة البطالة وانتشار الآفات الاجتماعية· تشهد القرية الفلاحية التي تبعد بحوالي 5 كلم غرب بلدية تيزي غنيف، انعدام أدنى ضروريات الحياة الكريمة كالماء الشروب، انقطاع التيار الكهربائي بصفة متكررة وخصوصا الغياب التام لكل أنواع الخدمات، وهو الوضع الذي جعلهم يعيشون في ظروف جد صعبة أثقلت كاهلهم اليومي· فهذه القرية الفلاحية أنشئت بعد الاستقلال بأمر من الرئيس الراحل هواري بومدين ومنذ تلك الفترة ظلت ولسنوات طويلة بعيدة عن اهتمام مختلف السلطات الوصية منها المحلية أو الولائية، فالإهمال والتهميش والإقصاء عوامل اشتركت في صنع الحياة اليومية لسكان المنطقة· أما الفقر والجهل والعزلة أصبحت ثالوثا عويصا يؤرقهم يوميا· وتشهد هذه القرية كذلك غيابا تاما لفرص العمل، حيث تعتبر البطالة الشبح الأسود الذي يلازم أبناءها، الأمر الذي جعل شباب هذه القرية يصرف النظر عن مختلف آماله في الحصول على منصب شغل يجني منه قوت يومه أمام غياب الجهات المسؤولة كتلك المكلفة بمناصب الشبكة الاجتماعية أو مديرية العمل والوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب· لكن بالرغم من الغياب الفادح لفرص الشغل بهذه القرية المنسية إلا أن بعض الشباب يعتمدون على تشغيل أنفسهم بأنفسهم بالعمل في المهن الحرة، فالبعض منهم اختاروا العمل في الأراضي الزراعية كغرس بعض المستثمرات الفلاحية والبعض الآخر يقومون بتربية المواشي، حيث ظلت هاتين الأخيرتين مصدر رزق العديد من عائلات هذه القرية، لكن هناك عوامل حالت دون تحقيق الأهداف المرجوة كون المنطقة يغيب فيها التشجيع من طرف السلطات المحلية خصوصا مع نقص المياه الذي يعتبر العصب الحيوي للقطاع الفلاحي، كما أن عدم استفادة فلاحي القرية من مصادر التمويل والدعم كتلك المتعلقة بالدعم الفلاحي على غرار باقي فلاحي المناطق الأخرى حال دون تحقيق آمالهم في المجال الفلاحي· وفي سياق متصل، يعاني سكان القرية الفلاحية من أزمة السكن التي فرضت نفسها بقوة، حيث اكتشفنا خلال لقائنا مع السكان أن حلمهم الوحيد هو الحصول على مسكن، وحسبهم فإن لسلطات المحلية لم تخصص ولا مشروع تنموي في السكن ولم تقدم لهم مساعدات للحصول على سكنات اجتماعية ما وصفوه بسياسة التهميش والحرمان· هذه الأزمة جعلت السكان يتجهون إلى تشييد الأكواخ القصديرية التي أصبحت تنمو كالفطريات من يوم لآخر· إلى جانب ذلك طرح سكان القرية مشكل الاهتراء الكلي لطريق قريتهم· وحسب شهادات السكان، فإن هذا الطريق لم يتم تعبيده منذ الاستقلال بعدما تم شقه· ويعتبر أصحاب السيارات الأكثر تضررا من الوضعية التي آل إليها طريق القرية كون مركباتهم تتعرض لأعطاب بصفة متكررة· وتعرف هذه القرية الفلاحية غياب فضاءات للترفيه لاسيما بعد حرق دار الشباب منذ حوالي ثلاثة أشهر من طرف أشخاص مجهولين وكذا تحويل المساحات الخضراء إلى أراضٍ خاوية ولا تصلح حتى للعب بسبب الإهمال المفروض عليها، حيث وجدنا خلال زيارتنا الميدانية لهذه القرية أطفالا يلعبون كرة القدم في وسط الطريق، مما يدل أن هؤلاء ليس لهم فضاء آخر غير ذلك لممارسة الرياضة والترفيه· ولم يخف شباب القرية أن انعدام كل أنواع المرافق الترفيهية في قريتهم وغياب مرافق لقضاء أوقات فراغهم تسببت في استفحال مختلف الآفات الاجتماعية كتعاطي المخدرات، المشروبات الكحولية وغيرها من الممنوعات التي يتهرب الشباب إليها لنسيان متاعب حياتهم، ناهيك عن الأخطار الناجمة عنها· هذا، ولم يخف العديد من المواطنين الذين التقيناهم في القرية الفلاحية أن النقائص الفادحة في شتى مجالات الحياة دفعت بالعديد من العائلات التي تملك إمكانيات الهجرة إلى المدن المجاورة كتيزي غنيف وذراع الميزان، وأكثر من ذلك أشاروا إلى أن بعض العائلات الميسورة الحال فضلت الهجرة إلى مختلف الأحياء القصديرية بما فيها حي الاستقلال القصديري بذراع الميزان، أفضل لهم من البقاء والعيش في هذه القرية المعزولة· كما طرح السكان كذلك غياب مرافق الخدمات على غرار غلق ملحق الحالة المدنية وتحويلها إلى مسكن مما جعلهم ينتقلون إلى بلدية تيزي غنيف لاستخراج أبسط وثائق الحالة المدنية، وأضافوا أن السلطات المحلية تجرأت على غلق ملحق مركز البريد وبدون أي سبب يذكر ما جعل معاناتهم مستمرة· وجراء تفاقم معاناة سكان القرية الفلاحية فهم يطالبون من السلطات المعنية وخصوصا المحلية منها بضرورة التدخل وتخصيص مشاريع تنموية التي من شأنها إخراجهم من العزلة المفروضة عليهم والتقليل من معاناتهم اليومية، خصوصا وأن هذه القرية أصبحت يضرب بها المثل في التخلف والجهل في بلدية ودائرة تيزي غنيف نتيجة غياب أدنى ضروريات الحياة الكريمة فيها·