لا أفهم لماذا يصر الجميع على تذكر محمود درويش؟ لماذا يصر الجميع على نسيانه؟ أليس التذكر في حد ذاته الدليل القاطع و الأكيد على النسيان؟ هي مناسبة إذا و ذكرى و تذكر ،فرصة للتوقف ، للالتفات ، لالتقاط أنفاس غريبة · لحظة للاعتذار ،للكتابة ،لتعليق صورة بالأبيض و الأسود على ورق جديد · تستيقظ في التاسع من آب،تقرأ في مذكرة الجوال بالإنكليزية:Death Darwich موت درويش· كتبتها العام الماضي خوفا من النسيان و من التذكر لكنك لم تنس لتتذكر و لم تتذكر لتؤكد أنك نسيت وعلى كل حال، أمور كثيرة تشغلك الآن عن النسيان و عن التذكر أشياء تشبه الموت في حقيقته، و الحب في أهميته، و الحياة في استعجالها، و الشعر في اضطرابه و سلامه المتزامنين و المتلاصقين· مجرد أشياء تشبه أشياء،''الحياة كلها كاستعارة''· للبعيدين عن الشعر و الشاعر هي فرصة للتجمع حول ضريح أو مهد، لا فرق، مادامت الأَسِرّة بيضاء و الشراشف بيضاء و الشموع بيضاء و الدموع بيضاء أيضا· فرصة للقول بأننا و لو كنا لا نقرأ، و لا نعي، و لا نعيش، و لا نتألم كما ينبغي، فإننا نسمع عن القراءة و الوعي و الحياة و الألم، و نحتفل بهم و نقيم لهم مناسبة أو مناسبات ،تلويحة يد بعيدة أو رسالة قصيرة نرميها في عباب شبكة الكترونية··· و مادمنا بعيدين كل هذه المسافة، فالصدى أهم من الصوت و أقوى· لكنني أعود أتساءل، أهو الصدى أم الجبل الذي يعيد إلينا الصدى؟ لا فرق مرة أخرى ،مادام الصوت أبيض و الكلمات بيضاء و الشاشة بيضاء و الصمت أبيض و الصدى أبيض أيضا· لا وقت للتذكر أو النسيان،هناك ماهو دائما أهم كأن تقرا كتابا فقط لتقرأه أو تكتب شعرا فقط لتكتبه ،تماما كأن تتنفس دون تذكر التنفس أو نسيانه،هكذا مادمت بصحة جيدة و لا تعاني من أمراض خطيرة···· أعود أتساءل ،هل كان يتنفس بشكل طبيعي ؟دون تذكر أو نسيان ،هو الذي كان يعاني من مرض خطير في القلب· مرة أخرى لا فرق، مادام شِعره أبيض،وقراءته بيضاء ،و ابتسامته بيضاء و موته أبيض··· هل الموت يعني الرحيل،الغياب؟ ربما،لكنني لا أتذكر و لا أنسى و لا أحن و لا أشعر بالفقدان ····· إذا ربما علينا أن نفهم كيف كان موجودا و معنى وجوده لنفهم كيف رحل -إن كان قد رحل-لنفهم معنى الغياب· ''لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي''، لا يزال في حقيبتي الصغيرة منذ أشهر ،حتى حين اشتريت حقيبة جديدة و نقلت إليها أشيائي الصغيرة المهمة،قررت أن أنقل معها هذا الديوان،لأجلس فيه و معه أينما كنت لأقرأ شعرا، دون نسيان أو تذكر، تماما كما حملت دواوينه السابقة و جلست فيها و معها· تماما كأول مرة اكتشفت فيها معنى وجوده ،و معنى حضوره،ذلك الحضور الذي لايغيب فيه و لا معه أبدا· لا فرق أخيرا ،لا فرق،مادام حضوره أبيض و غيابه أبيض·