شهد اليوم السادس وما قبل الأخير من المهرجان الدولي الثاني في طبعته الثانية والتي تجري فعالياته بعاصمة الأهار تنشيط فرق موسيقية محلية لسهرات بهيجة ميزها المزج بين الثقافة الموسيقى الترقية الأصيلة والمعاصرة، من تنشيط كل من فرقة ''جاغوار الهول للبدار'' من تندوف، وفرقة ''إيثران انهار'' من تمنراست التي نجحت في مزج أغانيها مع الفنان ''جوبا توري''، تبعها حفل غنائي ساهر مع المغني النيجيري ''بامبينو''. عرف مخيم ''أنار'' مساء أول أمس بتمنراست عدة نشاطات فنية وثقافية على غرار رقصات ترية أصيلة تحت وقع موسيقى وأغاني آلة التندي، وتم عرض مسرحيات من طرف فرقة ''جانت'' نقلت الواقع المعيشي للمجتمع التري، إضافة إلى عرض أفلام سينمائية ناطقة بالأمازيغية، حيث تم تسجيل توافد أكبر للجماهير، وفي الفترة الليلة نشط الفرقة الغنائية ''جاغوار الهول للبدار'' القادمة من ولاية تندوف حفلا موسيقيا بهيجا ميزته الموسيقى العريقة والبدوية جسدتها الفرقة فوق الركح بآلات موسيقية تقليدية، حيث أمتعت الفرقة الجمهور بتلك الأغاني التي امتزجت برقصات فنية تجاوب معها الجمهور. ووقع الدور الثاني من السهرة فرقة ''إيثران انهار'' من ولاية تمنراست والتي ذاع صيتها في منطقة الجنوب الجزائري، حيث أبهرت الحاضرين بأدائها العصري والمميز للأغنية الترية، واستنطقوا آلاتهم الموسيقية المتكونة من ''اليتارة الإلكترونية، الجامبي، الباتري، وآلات التندي التقليدي المصنوع من خشب شجرة إيغيراف''، وقد جعلت هذه الفرقة الجمهور يرقص طيلة السهرة دون توقف، بأسلوبها الغنائي والموسيقي العصري، ولذة أغانيها الترية التي تميل خصوصا إلى ريتم ''الريغي'' الذي امتزج بالتندي، وكانت هذه الفرقة العصرية التي تقودها الفنانة ''فاطمة بلحاجة'' في المستوى المطلوب، حيث نجحت الفنانة في تحريك الجمهور وجعله يغني معها كل الأغاني بدون توقف، وأدت أغنية ''ثانيرا'' بمعنى ''الصحراء'' حيث تصف فيها خيرات منطقة الجنوب الجزائري ومميزاتها السياحية الهامة، تلتها أغنية ''ثيخينث'' التي تعني ''الصحبة والرفقة'' مظهرة الوفاء الذي يمتاز به الرجل التري في الصداقة والأخوة، وبعدها أغنية ''إلياثن'' بمعنى ''بنات الصحراء''، وبعدها انتقلت فرقة ''إيثران انهار'' إلى الأغاني العاطفية كأغنية ''إمطوما''، التي تصف جمال المرأة الترية وخصالها ووفائها وشخصيتها القوية، والتي جسدت بصوت الرجل التري، ثم أغنية ''تجرانامي تينيرينم'' تصف قوة عاطفة الحب الصادق والوفي، تلتها أغنية ''ثيرغا'' بمعنى ''الحب'' والتي رددها معه الجمهور الصحراوي، لكن هذه الفرقة فجرت مخيم ''أنار'' بعد أدائها لأغاني مع الفنان الناوي ''جوبا توري'' حيث نجحوا في مزج الأغنية الترية بطابع التندي العصري وأغنية الناوي بطابع ''الريغي''، وأدوا أغنية ''أهار'' التي طبعها القرع على آلة القارقابو والعزف على آلة المبري، تلتها أغنية ''جوبا توري'' بعنوان ''الله يا نبينا'' وبعدها أغنية ''دوا دوا''، وبعد أداء فرقة ''إيثران انهار'' وفرقة ''جوبا توري'' لأغنيته المشهور ''معاك يا الخضرا'' فجروا حماس الجمهور وأطلقوا العنان لحناجرهم التي تعالت في سماء مخيم ''أنار'' حيث رددها معه الجمهور بصوت واحد ورقصها على إيقاعها بحرارة، وبعدها اعتلى الفنان النيجيري ''بامبينو'' ونشط حفلا موسيقيا ساهرا مقدما أغاني ترية أصيلة بطابع الموسيقى المعاصرة التي تم تجسيدها بالآلات الموسيقية الحديثة، حيث نجح في تحريكه للجمهور الصحراوي، هذا الأخير الذي ردد معه كل الأغاني من بدايتها إلى نهايتها ما يدل على الشهرة الكبيرة التي حققها فهو يعتبر من الفنانين الأكثر طلبا من طرف سكان، وقد استطاع الفنان ''بامبينو'' واسمه الحقيقي ''عمر مكتار'' إمتاع محبيه بتقديمه لوصلات موسيقية ومقاطع غنائية بطريقة مميزة نسجها بتلك الحركات الفنية الراقصة التي يقوم بها على الركح والتي تفاعل معها الجمهور بحرارة مقدما موسيقى ترية نيجيرية وجزائرية مميزة. 5 أسئلة إلى موسى كويتا (فنان وموسيقي من بوركينافاسو): الآلات الموسيقية الإفريقية التقليدية تعبر عن هوية إفريقيا لاحطنا أن الفنان الإفريقي متعلق كثيرا بالآلات الموسيقية الإفريقية التقليدية، فماذا تعني هذه الآلات للفنان؟ الآلات الموسيقية الإفريقية تحمل دلالات كبيرة وعديدة للفنان الإفريقي، أولا تعبر عن أصالته وهويته، فعندما يعزف أو يغني على الآلات الموسيقية التقليدية يشعر بأنه مرتبط كثيرا بماضيه وبتقاليده وبأجداده الذين تركوا لنا هذا الموروث الفني كهدية أبدية موروثة مع اختلاف الأجيال، وثانيا فهذه الآلات تجعلك تحدث موسيقى ونغمة تعبر عن عادات إفريقيا وهويتها فأينما يكون حفل في العالم إلا وتكتشف الهوية الإفريقية من خلال الآلات الموسيقية التقليدية وبالتالي يتحقق إثبات الوجود. هل بإمكاننا أن نعرف الآلات الموسيقية المقدسة في إفريقيا والتي لا يمكن الاستغناء عليها أبدا؟ كل فنان إفريقي ومهما اختلف طابعه الغنائي، سواء متمسك بالموسيقى التقليدية أو العصرية يستخدم في كل حفلاته آلة ''لاكورا'' التي تعتبر من الآلات التقليدية المقدسة بإفريقيا، وهي تمثل الهوية الحقيقية للقارة السمراء، وخصوصا هي هوية الطابع الموسيقي المسمى ''الماندينغ''، وهذا الطابع الموسيقي يمارس بصفة أكثر في إفريقيا الغربية، والسبب في تقديس آلة ''لاكورا'' هي أنها وجدت منذ قرون وتحمل بعد ثقافيا وتاريخيا ثمينا لا يوصف، وجدت منذ قرون، وهي آلة موسيقية مرتبطة بنفس وثقافة الفنان الإفريقي وفي نفس أي مواطن إفريقي، فهي جزء لا يتجزأ منه. كما توجد آلة ''البالافون'' وهي أيضا مقدسة كثيرا، ولا يمكن الاستغناء عنها، كما هاتين الآلتين لا يمكن أن تندثر أو تنقرض، فهما محفوظتان. لكن هناك العديد من الآلات الموسيقية الإفريقية التقليدية التي اختفت ولم يعد لها وجود، ألا يمكن أن يحدث للآلات المتبقية نفس الشيء؟ صحيح هناك العديد من الآلات الموسيقية الإفريقية التقليدية التي اختفت من الوجود منذ سنوات، بل هناك بعض الآلات لم نعزف عليها نحن كجيل جديد، ونذكر مثلا آلة ''الوني'' التي لم أعرفها ولم أرى صورتها إلى يومنا هذا، ولم يبقى منها إلا السام فقط، فهذه الآلة لديها ثلاثة أنواع كلها تقليدية، بقى اثنتان واختفت واحدة منها، والسبب في ذلك هو عدم استخدامها، وعدم الاهتمام بها، إذ لم يتم الحفاظ عليها، ومع مرور السنين اختفت كليا عن الوجود. لاحظنا خلال السنوات الأخيرة أن هناك العديد من الفنانين الغربيين أصبحوا يستخدمون كثيرا الآلات الموسيقية الإفريقية في حفلاتهم، بماذا تفسر ذلك؟ هذا راجع إلى العالمية التي بلغتها الموسيقى الإفريقية والتي استطاعت أن تفرض نفسها بقوة في الساحة الفنية العالمية، ونتج عنها التعريف بهويتنا وبالآلات الموسيقية الإفريقية، ونظرا لنوعية النغمة التي تحدثها هذه الآلات فقد جذبت الفنانين الغربيين لاستعمالها في عملهم الغنائي والموسيقي، فالآلات الموسيقية الإفريقية على غرار كل من ''الجامبي، الوني، الطاما، بالاركا، لاكورا، البالافون'' وغيرها أصبحت حاليا في أوروبا وأمريكا مقدسة، ونتج عنها مزج نوعي بين الموسيقى الغربية والإفريقية، والشيء الأهم الذي جذب اهتمام الغرب بآلاتنا الموسيقية هو أنها طبيعية وتقليدية خالية من الإضافات التقنية الحديثة. هل بإمكاننا أن نعرف هدفك من المشاركة في المهرجان الدولي الثاني لفنون الأهار؟ هو التعريف بالموسيقى والآلات الموسيقية الإفريقية للجزائريين، وكذا تكوين الأطفال وتعليمهم تقنيات العزف على الآلات الموسيقية الإفريقية، وكذا التبادل الثقافي والتعاون على تحقيق هدف الحفاظ على الموروث الثقافي والتاريخي غير المادي بإفريقيا، ولمست خلال تواجدي بتمنراست أن الشعب الجزائري ممتاز ومضياف وكريم ويحترم كثيرا الآخرين لاسيما الأفارقة، وأتمنى أن أعود إلى الجزائر مرات أخرى لأنها دخلت قلبي. 4 أسئلة إلى فاطمة بلحاجة (فنانة ومغنية فرقة ''إيثران انهار''): مكانة الفنانة الترية في المجتمع الصحراوي كبيرة جدا ما هو واقع الأغنية الترقية النسوية؟ الأغنية الترية النسوية تعرف تطورا محسوسا وحققت نتائج جد إيجابية، والمرأة الترية المغنية استطاعت في السنوات الأخيرة أن تنافس الرجل التري المغني، وحاليا مكانة الأغنية الترية باللسان النسوي كبيرة في المجتمع التري والصحراوي، وهذا باختلاف الطبوع التندي، المزاب، إيمزاد.. وغيرها، والمرأة الترية أحسنت تمثيل أغنيتها واستطاعت أن تكسب جمهورا كبيرا، لكن المشكل الوحيد الذي نعانيه نحن النساء المعنيات هو عدم استخدامنا للآلات الموسيقية الحديثة مثل اليتارة، إذ لا نزال متقوقعات في آلة التندي، وهدفنا أن يتحقق حلمنا ونغني ونعزف على الآلات الموسيقية الحديثة. وذلك سيكون شرفا كبيرا لنا. ماذا استفادت المرأة الترية من دخولها عالم الغناء والموسيقى؟ أولا سمحت لها بالخروج من الواقع المعيشي المغلق، دفعت روح التفتح، وأكسبتها مكانة كبيرة في المجتمع وأصبحت قيمتها عالية، وأصبح وجودها ملفت للانتباه، وكل فنانة ومغنية وعازفة ترية تقوم بتنشيط حفل أمام الجماهير هو أكبر فائدة لها وشرف كبير، لأن المجتمع التري متفتح، بعكس النظرة وعتقادات البعض، ولا أخفي عليكم أن الغناء منح المرأة الترية مكانة عالية بالمجتمع. ما هي المواضيع التي تفضلها الفنانة الترية أكثر في أغانيها؟ الموضوع الأكثر تناولا من طرف الفنانة الترية في أغانيها هو المرأة الترية وإظهار واقعها المعيشي وحياتها ومشاكلها وأحاسيسها ومكانتها في المجتمع، ونعمل أيضا على نقل دورها في المحافظة على الموروث الثقافي والتاريخي، ونغني أيضا عن الرجل التري، وغيرها من المواضيع الاجتماعية والعاطفية، كما نهتم أيضا بمواضيع التراث والتقاليد، ونتناول كذلك مواضيع حول الجزائر والوطن والأمة. ما هي نظرة المجتمع التري للفنانة الترية؟ صراحة، مكانة الفنانة الترية كبيرة في المجتمع، فالرجل التري يحترم كثيرا المرأة الترية التي دخلت عالم الغناء والموسيقى ونظرة المجتمع جميلة جدا، ويشجعوننا أكثر، وليس هناك أي نظرة نقدية أو سلبية، بل العكس وكل مرة ننشط حفلا إلا ويهتفون بأسمائنا، أما خارج الحفلات فالوضع أفضل بكثير لأن الفنانة الترية تحس بذلك الاحترام والتقدير الذي يكنه اها المجتمع.