الشاب الذي أحرق نفسه في بلدية بوخضرة المنجمية تسبب في إقالة رئيس البلدية الذي قال له اذهب وافعل مثلما فعل محمد البوعزيزي.. والمواطن الذي أحرق نفسه في برج منايل، لأنه أقصي من السكن الاجتماعي الذي انتظره لسنوات، جعل رئيس الدائرة يجتمع بمدير الأوبيجيي لإيجاد حل عاجل له ولعائلته.. وهكذا من حسنات الفعل البوعزيزي أنه أصبح يأتي بنتائج باهرة.. أشعل النار في جسدك يا مواطن حتى يستجيب لك الأميار ورؤساء الدوائر والولاة والوزراء... إدارتنا المبجلة مازالت إدارة الكواغط.. لكي تستخرج كاغطا يطلب منك إحضار عشرين كاغطا.. وهكذا كاغط يجيب كاغط حتى تكبر القضية.. التبعات كلها يتحمّلها المواطن الذي أصبحت الإدارة هي عدوه الأول في هذا البلد.. لا داعي هنا أن نقول إن إدارتنا متخلفة جدا جدا في طريقة تسييرها.. والذي أحدثته الثورة التونسية أربك كل المسؤولين عندنا.. والمُغريبة الكبيرة أن تصدر تعليمة من وزارة الداخلية إلى الإدارات بضرورة استقبال المواطن في كل الأوقات وتلبية كل طلباته رغم أن هذه الإدارات مكتوب على بناياتها وبالخط الكبير (من الشعب وللشعب) فهل كان يجب أن يحرق كل هؤلاء أنفسهم لتتفطن الحكومة إلى أن لا شيء على ما يرام.. مصيبة الإدارة الجزائرية أنها ليست في عصرها.. الإدارة الحديثة استغنت عن الأوراق ورقمنت كل شيء إلا عندنا.. وحتى الرقمنة التي سمعنا بها منذ سنوات لازالت تسير سير السلحفاة.. المواطن فهم اللعبة.. هذه الحكومة لا ينفع معها إلا العنف.. كسّر وخرّب وحتى احرق نفسك لكي يُستجاب لك.. هذا نتاج تراكم سنوات من العشوائية في التسيير.. وقد سألت سائق أجرة عن أحداث تونس فقال لي لو أن التوانسة منذ البداية كسروا وخربوا لهرب الدكتاتور في الأسبوع الأول من انتفاضتهم.. هذا هو الجزائري نتاج كل الأزمات وكل المراحل الانتقالية وكل العبث الممكن.. والذي سيحدث لن يخرج عن هذا الإطار للأسف.. سيصبح الاحتجاج الاجتماعي السلمي حلما بعيد المنال مثلما أشياء كثيرة أصبحت بعيدة المنال.. حتى لو تقوم إداراتنا باستقبال المواطن بالزهور.. فالشرخ الموجود بينهما لا يمكن رأبه بالسهولة التي تتصورها الحكومة.. الشرخ يزداد اتساعا.. وقد يأتي اليوم الذي يستغني فيه المواطن نهائيا عن الإدارة ويدبر محاينه وحده.