''إرحل يا ريّس''، ''مبارك صح النوم''، ''اليوم آخر يوم''، ''نطالب بتغيير النظام''، ''الشعب يريد إسقاط الرئيس''، ''ثورة الشباب لإسقاط الرئيس''، ''ربع قرن كفاية يا مبارك''، ''كفانا من الدكتاتورية''، ''ليسقط النظام الاستبدادي''، ''إرحل عنا يا مبارك''، أنتم السابقون ونحن اللاحقون'' (في إشارة إلى تونس)··· تلك كانت بعض الشعارات التي رفعها الشارع المصري في كل المحافظات منذ أسبوع للتعبير عن رغبته الجامحة في إسقاط النظام الذي ترأسه مبارك منذ ثلاثين سنة· خلافا ربما للثورات الشعبية التي وقعت في هكذا بلد للتنديد بالأوضاع الاجتماعية والمعيشية وطغيان النظام الحاكم، فإن شعارات المصريين الذين قالوا ''لا لاستمرار حكم مبارك'' بدأت في أولى أيام الانتفاضة بشعارات تطالب بحقوق اجتماعية ومعيشية على منوال ما رفعه الشباب في الشوارع مثل ''عايز اشتغل يا كبير، الرغيف بكم يا ريس''، لتتحول شيئا فشيئا إلى شعارات أكثر دقة خلال مظاهرات جمعة الغضب، حيث أخذت مطالب الشباب المصري منحى آخر تضمنت إشارات ودلالات اختزلت جميعها في كلمة رحيل الرئيس وبالتالي النظام· ورغم اتساع رقعة التظاهرات المناهضة للحكم في هكذا محافظة مصرية، إلا أن كل الشعارات التي رفعها الآلاف بل والملايين من المصريين، التقت في كلمة واحدة وهدف واحد هو إسقاط النظام وذهاب الرئيس حسني مبارك دون رجعة، وهو ما يكشف بأن الانتفاصة لم تكن وليدة فترة معينة من حكم الرئيس بقدر ما كانت نتاج تراكمات يمتد عمرها إلى ثلاثين سنة من حكم هذا الرجل الذي نعته شعبه بكل الصفات، ورفعوا ضده مختلف اللافتات التي تذكره بما فعله من مظاهر الاستبداد والتسلط وتكميم الأفواه وقتل الرأي الآخر· إن رمزية صيحة المصريين، وهم يجوبون شوارع مدن النيل ليلا ونهارا، لم تخرج عن مسارها وهدفها الرئيسي المتمثل في التخلص من الحكم القائم، وهو ما جعل كل الكتابات التي رفعت تركز على كلمة واحدة هي رحيل مبارك وحاشيته ممن ساهموا في استمرار هذا النظام لأكثر من نصف قرن· وتبقى صورة ذلك الطفل الذي لا يتجاوز عمره الخمس سنوات، وهو يرفع شعار مكتوب عليه ''إرحل يا دكتاتور'' أكثر وقعا ودلالة على انتفاضة الشارع المصري الذي لم يشارك فيها فقط الشباب، كما يحلو لوسائل الإعلام المصرية أو حتى الرسميين المصريين، وصفها، بل إن مشاركة الأطفال ورفعهم لشعارات وتواجد العنصر النسوي بشكل لافت في مسيرات أسبوع كامل من الاحتجاجات دليل على عمق التغييرات التي يطالب بها المصريون اليوم، وهي تؤكد شمولية المطالب ودقتها والتوافق الجماهيري حولها· كما يمكننا إجراء قراءة أخرى في شعارات الانتفاضة، حيث كتبت بثلاث لغات هي العربية، الفرنسية والإنجليزية· وكان الهدف منها هو إيصال صوت الاحتجاجات التي اجتاحت مصر إلى أقصى بقعة في العالم وعدم حصرها في النطاق العربي فقط· إن التغيير الجذري في النظام والانتهاء من حكم 30 سنة والتطلع إلى غد مشرق تنتهي معه حقبة ''المباركية'' لخصها الشارع المصري في كلمة وحيدة وواحدة، وهي الانتهاء من هذا الحكم ومخلفاته وجذوره، وإحداث النقطة النوعية والقطيعة مع النظام سوف لن تذكره الأجيال والتاريخ المصري سوى بعبارات الدكتاتورية، الاستبعداد، الظلم، تدني مستوى المعيشة ونهب خيرات الشعب·