تحدثت عقيلة رابحي، صاحبة المجموعة القصصية، عن تفاصيل الرحلة الأخيرة التي دفعتها إلى خوض تجربة الكتابة من جديد، كما كشفت ل ''الجزائر نيوز'' عن جانب من عالمها الأدبي الذي ترى أنها بشكل من الأشكال صارت جزءا منه. أنت من الجيل الجديد الذي خاض تجربة الكتابة القصصية، كيف وجدت واقع القصة في الجزائر؟ صراحة، المشهد القصصي بالجزائر تؤثثه بعض الأسماء التي تحاول المحافظة على هذا النوع الأدبي خاصة في ظل النجاح الكبير الذي عرفته الرواية بشكل لافت، حيث أصبحت هذه الأخيرة تستقطب الكتّاب على مختلف مشاربهم واتجاهاتهم، والغريب في الأمر أن حتى بعض الشعراء توجهوا للكتابة الروائية، كما سبق لي -مؤخرا- أن قلت في إحدى الأمسيات، إن القصة لون أدبي له كتابه وتواجده، ودليل ذلك ارتباط أسماء كثيرة من الجيل الجديد بهذا النوع الأدبي وساهموا بتجاربهم تسليط الأضواء ومن بين الأسماء عبد الحميد عمران، الخير شوار، بشير مفتي، زهرة بوسكين، نسيمة بن عبد الله، علاوة حاجي... وغيرهم من الأسماء عبر مختلف مناطق الوطن. سجلت القصة حضورها، غير أنه -مؤخرا- تم العزوف عنها مقابل تفضيل كتابة الرواية، ما تعليقك عن ذلك؟ هذا النوع الأدبي لم يتم الاحتفال به في الجزائر عبر الملتقيات والدراسات النقدية التي تتابع ما ينتج في هذا المجال، هناك أيضا القصة الومضة أو ما يسمى بالقصة القصيرة جدا، هي الأخرى حكم عليها بالإعدام، بالفعل القصة بشكل عام تراجعت وتختلف الأسباب في ذلك، فهناك من ترك هذا النوع لغياب جمهور، مثلا هناك كتاب يكتبون تحت الطلب، وهناك آخرين توجهوا للكتابة الروائية كونها تحتل مساحة ورقية تغري الكاتب وتجعله يعبّر أفضل وأحسن على غرار القصة المتميزة بضيق مساحتها وارتباطها ببعض الأحداث فقط. مع ذلك بقيت وفية للقصة القصيرة، ما السرّ في ذلك؟ في الحقيقة، لم أختر الكتابة القصصية، وجدت نفسي بداخلها بعد تجاربي المتكررة مع النصوص الأدبية، فانطلاقتي بدأت من المدرسة الابتدائية، حيث كان معلمي آنذاك يشجعني على مادة التعبير الكتابي، لكن عند إلحاقي بالجامعة بدأت أتابع الحركة الثقافية وأشارك من خلال المنابر المتاحة ''أمسيات أدبية منتديات'' إلى جانب حضوري في مختلف الملتقيات عبر مختلف مناطق الوطن، وطبعا الكاتب يستقر على جنس أدبي مع مرور الوقت، حيث يجد فيه نفسه ويمارس من خلاله عملية التجريب، وفي نهاية المطاف يحاول أن يخرج بتجربة تميزه عن غيره من الكتّاب الذين تأثرت بهم، ثم إن الكاتب لا يقرر ما يكتبه وإنما يكتشف ميوله مع الممارسة الإبداعية بدليل أننا نجد معظم الكتاب الذين يكتبون القصة يتوجهون إلى الرواية، وهو أمر طبيعي، فالقصة هي تمهيد لدخول عالم الرواية، فبإمكان الشاعر أن يكتب رواية جيدة، وبإمكان القاص أن يكتب رواية جيدة، والأمور تكون نسبية وليست مطلقة. وحين نتأمل المشهد الثقافي في الجزائر، نلاحظ بروز بعض الأعمال الروائية كتبها شعراء لقيت نجاحا لا بأس به، ولكن نادرا ما يتحوّل روائي إلى شاعر، وربما هذا ما يجعل للشعر خصوصيته الفنية والجمالية. ''تفاصيل الرحلة الأخيرة'' تعتبر أول مجموعة قصصية لك، حدثينا عن التجربة؟ أجل، تفاصيل الرحلة الأخيرة هي أول مجموعة قصصية بالنسبة لي تضم 11 نصا قصصيا تختلف مضامينها وظروف كتاباتها، غير أنها كلها تحكي عن هموم الإنسان وطموحه وآماله في هذه الحياة وارتباطه الكبير بوطنه، كما تحتل المجموعة حيزا معتبرا للمرأة التي تزاحم الرجل في كل المجالات، أيضا المجموعة فيها الكثير من حكايات ''مزرعة شرقي'' التي أسكن فيها على فكرة أنني مرتبطة إلى درجة الهوس بهذا المكان، فقد قضيت فيه طفولتي ومنه نسجت أحلامي، نشأت في مكان حيث الطبيعة الخلابة التي ساعدتني على الإبداع في أحسن الظروف. المجموعة فيها بعض النصوص القصيرة جدا التي تعتمد على وصف الحدث بأقل كلمات، فهي نصوص موغلة في الرمزية ومشحونة باللغة. نلتمس من مجموعتك أنك تمردت على القصة الكلاسيكية؟ اعتمدت في كتابتي على القصة القصيرة جدا ''الومضة'' لتكون نصوصي على شكل ''فلاش باك'' بمعنى أنني أشرك القارئ في رسم اللحظة ومعايشة الموقف، أعتبر النص الجيد هو النص الذي يرتكز على اللغة، لأن اللغة أهم شيء في العملية الإبداعية. في الحقيقة، أعتبر ما قمت به توجها وليس تمردا، فأنا أكتب القصة الكلاسيكية وفي الوقت نفسه أكتب القصة القصيرة جدا. كيف وجدت علاقتك مع الكتابة بحكم أنها التجربة الأولى لك؟ هناك علاقة حميمة بيني وبين نصوصي، فهي جزء مني، وكما سبق وأن قلت في إحدى اللقاءات الأدبية، إن الكاتب ليس بالضرورة يكتب لنفسه وإنما هو لسان حال مجتمعه، فهو يكتب ما يشعر به ويعيشه، وهذا لا يمنع أن تكون نصوصه مليئة بشيء من ذاته، فالإنسان يكتب ليواجه الواقع بكل ما يحمل من هموم ومآسي، فهو يعبّر عن الفرح والألم وينقل لنا جزءا مهما من الحقيقة. ماهي العراقيل التي تواجه القصة؟ المشكل الحقيقي الذي يواجه القصة، الاهتمام بنشر الرواية والاستخفاف بالأعمال القصصية، باعتبار أن الرواية أكثر طلبا، وأعرف شخصيا عدد كبير من المبدعين لم يتمكنوا من نشر أعمالهم لغياب الدعم. ومن العراقيل أيضا لا يوجد تواصل بين كتّاب القصة، فمثلا هناك فقط ملتقى ''عمار بلحسن'' الذي يعتبر الملتقى الوحيد في الجزائر، لكن هذا لا يمنع من وجود محاولات رائعة لبعث هذا الجنس الأدبي، فمؤخرا ظهرت فكرة إنشاء رابطة للقصة بولاية سطيف أطلقها نخبة من كتاب الشباب. ظهرت أقلام بارزة في الأدب النسوي على المستوى العربي والمحلي، وهناك من يصرّ على الفرق بين الأدب الذي تكتبه المرأة والأدب الذي يكتبه الرجل؟ الأدب النسوي يحقق نجاحا باهرا في المحافل الدولية، وهو النجاح الذي يرد على أولئك الذين يستخفون بما تكتبه المرأة ويعتبرونه مجرد بوح عاطفي، فالأديبة غادة سمان كتبت كل شيء، على غرار الكاتبة الفلسطينية سحر خليفة، وفي الجزائر أسماء لامعة كمليكة مقدم وأحلام مستغانمي وآسيا جبار ومايسة باي وزهور ونيسي... فهنّ كاتبات من مختلف الأجيال، ومازلت الحركة الإبداعية النسوية متواصلة وتحقق النجاح تلوى الآخر. وفي الحقيقة، لا يجب أن نقيّم النص من خلال كاتبه سواء كان رجلا أو امرأة، وإنما أهمية النص تبرز في قيمته ومدى إقبال القارئ عليه، فأنا لا أؤمن بشيء اسمه أدب نسوي أو رجالي هناك فقط أدبي جيد أو لا. وماذا عن مشاريعك الإبداعية؟ حاليا، أشتغل على نص روائي بعنوان ''هناك بعيدا عن الشمس''، لديّ أيضا كتاب سيصدر قريبا تحت عنوان ''أصوات عربية'' يضم جملة من الحوارات التي أجريتها مع كتّاب ومثقفين.