تعرف العطلة الصيفية لهذه السنة في ولاية تيزي وزو لجوء العديد من التلاميذ إلى العمل المؤقت في كل المجالات، كورشات البناء، المقاهي، المطاعم، بيع السجائر··· وغيرها، دفعتهم مختلف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية إلى العمل المبكر واستغلال فترة العطلة الصيفية بهدف كسب المال لإعانة عائلاتهم المحتاجة أو قصد شغل أوقات فراغهم، وكذا توفير بعض المال استعدادا للدخول المدرسي المقبل· هؤلاء التلاميذ صنف آخر ومغاير تماما عن التلاميذ الذين يقضون عطلتهم الصيفية في الرحلات والسياحة وفي المخيمات الصيفية أو اللجوء إلى مختلف فضاءات اللعب والترفيه أو الذهاب إلى البحر للاستجمام، إنهم الذين دفعتهم ظروف الحياة ومختلف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية إلى العمل المبكر طوال فترة العطلة الصيفية قصد كسب المال· ورشات البناء وجهة تلاميذ الثانويات خلال إجرائنا لهذا الاستطلاع، صادفنا العديد من تلاميذ الطور الثانوي يشتغلون في ورشات البناء في عدة مناطق من ولاية تيزي وزو سعيا منهم لكسب المال، وبعدما اقتربنا من سعيد 17 سنة، يشتغل كمساعد بناء في إحدى ورشات البناء بذراع بن خدة، سألناه عن الدوافع الرئيسية التي جعلته يشتغل في هذه المهنة، قال ''كنت أنتظر العطلة الصيفية بشغف كبير، وهذا كي أعمل وأحصل على المال لأساعد به عائلتي الفقيرة''، يضيف وعلامات الأسى بادية على وجهه ''عائلتي تتكون من 8 أفراد وأبي يعاني من مرض منعه من العمل، فأنا مضطر للعمل في الصيف قصد مساعدته وتغطية نفقات العائلة، خصوصا وأن المنحة التي يتقاضاها لا تسمن ولا تغني من جوع''· وبعدما سألناه عن مستواه الدراسي أجاب ''أهتم كثيرا بالدروس رغم وضعيتي الاجتماعية، فقد تحصلت هذه السنة على معدل عام ''12.98، لكنه لم يخف من جهته أن الحالة التي تعيشها عائلته من فقر وبؤس وحرمان جعلته يفكر من الآن في التوقف نهائيا عن الدراسة· وفي هذا الصدد، يقول ''بالرغم من حصولي على نتائج جيدة في الدراسة لا أظن أنني سأواصل مشواري الدراسي لأن عائلتي بحاجة ماسة إلى كسب المال ومساعدتها''· أما ماسينيسا 16 سنة، وهو يعمل في ورشة بناء ببوخالفة التي تبعد بحوالي 6 كلم غرب مدينة تيزي وزو، قال: ''أنا أعمل في ورشة بناء والسبب الرئيسي الذي دفعني لذلك هو أن دخل والدي ضعيف جدا ولا يكفي حتى للتكفل بضروريات العائلة التي تتكون من 9 أفراد''، وأضاف قائلا: ''في كل عطلة صيفية أشتغل لكسب المال حتى لو كان ذلك في ورشات البناء والأعمال الشاقة، وهذا لإعانة العائلة والحصول على المال استعدادا للدخول المدرسي المقبل، وهكذا لا أضطر إلى طلب المال من والدي لشراء الأدوات المدرسية''· أما رشيد 16 سنة، يعمل في مشروع بناء لأحد المقاولين في حي الجنوب الغربي لمدينة تيزي وزو، قال خلال لقائنا به الأسباب التي دفعته إلى العمل بهذه المهنة المتعبة: ''ليس لديّ خيار آخر، بحثت عن عمل في كل المجالات لكن الحظ لم يسعفني، ولهذا لجأت إلى هذه المهنة الشاقة لهدف واحد وهو كسب المال''· وفي السياق نفسه، يقول كريم 17 سنة، يقطن بمعاتقة ويعمل في ورشة بناء بالمدينة الجديدة: ''في معاتقة لا يوجد ولا فضاء واحد للترفيه أو لقضاء الوقت، فلهذا أنا أشتغل لربح المال وشغل أوقات الفراغ أفضل من أن أبقى في المنزل حيث ينال مني الخمول والقلق''، ويضيف قائلا: ''إلى جانب قضاء أوقات الفراغ، فأنا أجمع المال استعدادا للدخول المدرسي المقبل لشراء الملابس والأدوات المدرسية''· وقد أجمع العديد من التلاميذ الذين يشتغلون في مختلف ورشات البناء والذين تحدثت إليهم ''الجزائرنيوز'' أنهم يعانون كثيرا من التعب والإرهاق، وحسبهم فإن العمل في مثل هذه المهن شاق وصعب جدا، خصوصا مع ارتفاع درجة الحرارة، كما أكدوا أن الأجرة قليلة جدا فهي لا تتعدى 400دج في اليوم، ناهيك عن تعرّضهم لأخطار كثيرة كالإصابات المتكررة التي كثيرا ما تكلف صحتهم غاليا، لكن بالرغم من ذلك صرحوا أنهم سيواصلون العمل طوال العطلة الصيفية وخلال شهر رمضان الكريم بهدف الحصول على المال لتغطية نفقات العائلة والاستعداد للدخول المدرسي المقبل· الأولياء يفرضون على أبنائهم العمل اكتشفنا خلال استطلاعنا الميداني أن العديد من هؤلاء التلاميذ يتوجهون إلى العمل المبكر رغما عنهم، حيث أكدوا أن أولياءهم هم من يفرضون عليهم العمل مهما كان نوعه· وفي هذا الإطار، يقول سليم 14 سنة ''عائلتي ليست فقيرة ودخل أبي لا بأس به، كما أن إخواني الثلاثة يعملون كلهم ولهم مداخيل جيدة، لكن أبي أجبرني على الخروج إلى العمل''، ويضيف ''أعطاني أبي مهلة 15 يوما للحصول على عمل، وقال لي إن لم تجد العمل خلال هذه الفترة سوف لن تأكل ولن تنام في البيت''· وكشف سليم أنه، ونتيجة لخوفه الشديد بأن يجد يوما من الأيام نفسه مرميا في الشارع، لجأ إلى العمل في إحدى ورشات البناء بحي مدوحة لإرضاء والده، وهو الوضع نفسه الذي يعيشه عبد النور 14 سنة، يشتغل في مشروع لحفر قنوات صرف المياه بقرية رجاونة الواقعة بحوالي 5 كلم شمال مدينة تيزي وزو، ويقول إن والده هو الذي أرغمه على العمل بالرغم من أن بنيته المورفولوجية نحيفة ولا يقوى على العمل في مثل هذه المهن، وعندما استفسرنا عن السبب قال: ''والدي هو من فرض عليّ العمل في هذا المشروع، وليس بإمكاني رفضه لأني أعلم ماذا ينتظرني، وصراحة فمنذ بدأت العمل هنا شعرت وكأن جسدي يتدهور من يوم لآخر، ولا أخف عليكم أني أحيانا لا أقدر حتى على النوم بسبب الأوجاع والآلام''· الطلاق أو وفاة الوالدين يدفعان بالتلاميذ إلى الشغل المبكر ومن جهة مقابلة، التقينا خلال جولتنا الميدانية بفئة أخرى من التلاميذ دفعتهم الظروف الاجتماعية المتمثلة في طلاق الوالدين أو وفاة أحدهم أو كلاهما للخروج إلى عالم الشغل خلال العطل الدراسية لاسيما منها العطلة الصيفية، وفي هذا السياق صادفنا الطفلة جميلة 14 سنة، تدرس في الطور المتوسط، تقوم ببيع خبز الطاجين والمطلوع لمختلف مطاعم مدينة تيزي وزو، سألناها عن سبب عملها قالت: ''والدي توفي سنة 2001 وتركني مع أمي إخواتي الأربعة''، وتضيف: ''ليس لدينا مدخول، لكن أمي تقوم بتحضير خبز الطاجين والمطلوع وأنا أقوم بتوزيعه على مختلف المطاعم، وهذا لكي نحصل على مال لسد نفقات العائلة''· أما الطفل مروان 12 سنة التقيناه في محطة نقل المسافرين بمدينة تيزي وزو وهو يبيع السجائر وقارورات الماء الشروب باردة للمسافرين، وخلال دردشتنا معه كشف أن أمه مطلقة منذ خمس سنوات ووالده تزوج من امرأة ثانية يعيش معها حاليا في ولاية عنابة، وهو لا يرسل إليهم المال ولا يسأل حتى عن وضعيتهم، يقول ''أنا أحس بنوع من المسؤولية، فوالدي تجاهلنا ولم يعرنا أي اهتمام، فهو بعيد عنا ولا يبعث لنا الأموال ولا حتى حقوق النفقة، ولهذا أشتغل خلال العطلة المدرسية''· وحالة الطفل فرحات 12 سنة، لا تختلف كثيرا عن حالة مروان، اختار أن يعمل كبائع لأدوات الفخار بالانتقال بين مختلف قرى ومداشر ولاية تيزي وزو في عز فصل الصيف، ناهيك عن العواقب الوخيمة التي من شأنها أن تنتج عن حرارة الشمس القوية وعن التعب والإرهاق، قال: ''تركنا أبي منذ ثلاث سنوات وإلى يومنا هذا لم نعلم أين هو''، ويضيف وعيناه ممتلئتان بالدموع ''الكثير من الأطفال يذهبون مع عائلاتهم إلى البحر للاستجمام والسياحة للترويح عن النفس، أما أنا أحمل على ظهري مختلف أدوات الفخار وأتنقل بين القرى والمداشر''· أصحاب ورشات البناء يرفضون التعليق على استغلال الأطفال اقترابنا من بعض أصحاب ورشات البناء الذين يستغلون فئة التلاميذ في هذه المهنة، رفضوا التعليق عن الوضع، وأكثر من ذلك هدد أحد المقاولين يعمل في مشروع بناء مسكن من خمسة طوابق بحي باسطوس بالمدينة الجديدة أحد الأطفال بطرده من العمل فورا إن تحدث معنا، وهذا خوفا من كشف التجاوزات التي يمارسها في حق هؤلاء الأطفال بما فيها ضعف الأجر· محمد 43 سنة، بناء عمل في عدة ورشات للبناء وله تجربة كبيرة في هذا المجال، قال إن العديد من الأطفال يتعرضون يوميا إلى مختلف أنواع الإهانات، ويقدم لهم أعمال إضافية جد صعبة، وحسبه هناك الكثير من المقاولين ومسؤولي ورشات البناء يستغلون الوضعية الاجتماعية التي يعيشها الأطفال لتحقيق أهدافهم، وذهب إلى أبعد من ذلك مؤكدا أن البعض من هؤلاء الأطفال يتعرّضون إلى تحرشات جنسية·