أصبح منظر الأطفال الذين يقفون عند مفترقات الطرق بمدينة الجلفة وكذا المدن الكبرى للولاية كعين وسارة ومسعد وحاسي بحبح عارضين مختلف السلع والبضائع أيام العطل الحارة للبيع، مؤشرا على استفحال تحول الأطفال من تلاميذ إلى عمال خلال عطلة الصيف. أول حالة وقفنا عليها، كانت عند دخولنا أحد المقاهي بمدينة الجلفة، فالعامل الذي يوزع المشروبات على الزبائن طفل في الخامسة عشرة من العمر، جاءنا إلى الطاولة ليسألنا عمّا نشرب، ففاجأناه نحن بالسؤال عن اسمه وسبب مجيئه إلى العمل في المقهى. فابتسم وأجابنا : ”اسمي عمر وجئت للعمل”. وأسرّ لنا خلال الدردشة أنه واحد من عشرة أفراد في أسرته وأبوه شيخ، ولم ينجح إخوته في الدراسة فاتجهوا جميعا إلى مثل هذه الأعمال في المقاهي والمطاعم، ولأنهم لا يتقاضون مبالغ تكفي حاجياتهم اليومية فذلك يقتضي منهم العمل جميعا بمن فيهم هو الذي يدرس حاليا في السنة الأولى متوسط، ولم يشأ أن يخبرنا عن نتيجته الدراسية في الفصل الأول، ولكنه يتمنى أن يواصل دراسته، مثلما يتمنى أن يواصل العمل لأن الحياة - كما قال - ”مال وعلم”. ”مسعودة” استوقفتنا عند خروجنا من المقهى طالبة الصدقة، فعلمنا خلال حديثنا معها أنها تعيش مع أمها الأرملة وإخوتها الثلاثة، اثنان يكبرانها أحدهما في السابعة عشرة من العمر والثاني في الخامسة عشرة، وكلاهما ودّع مقاعد الدراسة إلى العمل، أما هي فتدرس في السنة الخامسة ابتدائي وفي مثل هذه العطل، بما فيها يومي الخميس والجمعة، تتجه لجمع بعض النقود وتدفعها إلى والدتها لمساعدتها، لأن أخويها في بعض الأحيان لا يتقاضيان أجورهما بشكل منتظم. ودّعنا مسعودة وامتطينا سيارة أجرة قاصدين وسط المدينة، وحين وصلنا إذا بطاولة مليئة بالفول السوداني (الكاكاو) وأمامها طفلان صغيران، علمنا من خلال الحديث إليهما أنهما يقيمان بإحدى البلديات التي تبعد عن عاصمة الولاية ب 130 كلم ويأتيان يوميا لعاصمة الولاية، وعن سبب عملهما خلال العطلة، كشفا أنهما يعملان من أجل مساعدة عائلتيهما، وأن الحاجة هي التي دفعتهما إلى ذلك. كما أن جميع من التقيناهم من أطفال عبروا لنا عن معاناتهم تارة مع ملاحقة رجال الشرطة لهم، من مكان لآخر كون أن تجارتهم غير قانونية، وتارة أخرى من طرف من يشتغلون عندهم خاصة أصحاب المقاهي والمطاعم وأشغال البناء وحمل البضائع فلا يتقاضون أجورهم بانتظام وإن تقاضوها فبأثمان زهيدة. ونفس الحالة والملاحظة وقفنا عليها في بقية المدن الكبرى للولاية كعين وسارة ومسعد وحاسي بحبح. واتفق هؤلاء الأطفال في الدافع الذي أخرجهم إلى العمل، وهو الحاجة الماسة والفقر الشديد الذي يعيشه أهاليهم، كما أن جميعهم ينوون مواصلة الدراسة ويتمنون أن تتحسن أوضاعهم المادية ليتفرغوا لها.