وأخيرا سقط مبارك، لكن هذا السقوط التاريخي هو ليس مجرد حاكم وحسب، أو طبقة في الحكم وحسب، بل هو سقوط نظام ونهاية عهد، وبداية عهد جديد بكل ما تحمله من دلالات تاريخية عميقة أنتجتها على الصعيد الرمزي والميداني الحقيقي ثورة شعب جذرية قد تفتح الباب الآن على مصراعيه نحو زمن جديد، هو زمن الحريات غير الإصطناعية وزمن الإبتكار الخلاق، فالثورة المصرية حدثت في زمن عالمي متحول من بين سماته نشوء اللحظة الإمبراطورية بعد زوال المعسكر الإشتراكي، ودخولها في تناقضات بنيوية من حيث رغبتها في بسط هيمنتها وشموليتها على باقي مناطق العالم، وميلاد لحظة المقاومة العالمية والمتنوعة لإتجاهات العولمة ذات القطب الأحادي ومحاولتها ترتيب العالم وفق منظورها الإيديولوجي الجديد ومصالحها ''الحيوية'' وما رافقها من تشويهات إيديولوجية ذات طابع إرهابي عملت على تثبيت التوجه الأحادي للعولمة بشكل مباشر وغير مباشر وعلى إجهاض لحظة التعبير الحقيقي من أجل الحريات الحقيقية·· بالأمس القريب جدا، كانت الثورة التونسية هي المحطة الأولى لمثل هذا الإنبثاق التاريخي الجديد للزمن النوعي واليوم ها هي الثورة المصرية تضاف بعد مخاض مقلق وعسير إلى هذا الخط التدشيني للتحولات العميقة والهائلة التي اتخذت من المنطقة العربية محطة لإنطلاقها·· فالذي حدث اليوم في مصر هو ولادة جديدة للشعوب العربية ظلت مؤجلة لوقت طويل بسبب تعقيدات تاريخية وسياقات زمنية عملت على تحريف مجرى التغيير الذي ضحت من أجله الشعوب عن هدفه الحقيقي، واستغلته رموز فئات دفع بها التاريخ لتكون في الواجهة لكنها لم تكن في مستوى التطلعات الشعبية العميقة·· ومن المؤكد أن هذه النقلة التاريخية التي تحدث اليوم أمامنا وعلى المباشر أنها ستلاقي مقاومة شديدة من قبل الأنظمة القديمة التي وصلت إلى حدودها الموضوعية والذاتية وهذا هو منطق الصراع بين القديم والجديد لكن في النهاية سينحاز التاريخ للغد على حساب الماضي، لذا، فالدرس الذي يجب استخلاصه من الثورتين التونسية والمصرية هو قدرة الإنصات إلى هذا الهدير بالإستجابة الذكية والمبدعة لمنطق التاريخ الجديد··