بعد انشطار تنسيقية التغيير التي تفضّل الخروج إلى الشارع، يبقى التحالف يشق طريقه نحو تغيير من نوع آخر، وتعد حركة الإصلاح الوطني عقله المدبر ورائدته·· هنا حوار مع أمينها العام حول مدى تحقق المسعى وعقبات الطريق· لنبدأ من آخر أهم حدث في الجزائر، وهو المسيرة السلمية ل 19 فيفري، التي غابت عنها حركة الإصلاح كما غابت عن طبعتها الأولى أيضا يوم 12 من الشهر نفسه، ما هو تقييمكم لمحاولتي السير ولنتائجهما سياسيا؟ أولا، هذه المسيرات لم يحدث حولها إجماع بين القوى السياسية والاجتماعية والنقابية وشخصيات مهتمة بالشأن السياسي، ولا من طرف الشارع الجزائري، ونحن -كما أشرنا في بياننا- من الداعمين لحق هؤلاء في الدعوة إلى المسيرة أو السير، ودعونا السلطة للترخيص للمسيرتين ولحماية المتظاهرين· النظام الجزائري جنّد بين 30 إلى 50 ألف شرطي لقمع مسيرة دعت إليها أطراف جزائرية، وعسكر العاصمة وغلق كل المنافذ المؤدية إليها، رغم أن المشاركين كان عددهم محدودا· وهناك معطى آخر هو غياب الإصلاح، لأنه سبق وأن أعلنا أننا لا نرى في الخروج إلى المسيرات أسلوبا أولويا في الوقت الراهن، بل بلورنا رؤية من خلال التحالف الوطني من أجل التغيير وتجميع قوى المعارضة في الساحة السياسية حول رؤية، في حدها الأدنى تتشكل من فكرة التغيير· سوف نعود بإسهاب إلى مبادرتكم لاحقا، دعني أسألك فقط عن معطى مهمّ بالنسبة لكثير من الفاعلين، أليست الإصلاح من القوى التي رفضت المشاركة في المسيرة بسبب وجود سعيد سعدي بها؟ لدينا تسلسل منطقي في التفكير، فنحن لسنا متفقين كجزائريين سياسيين، هناك تيارات مختلفة كثيرة وهناك أحكام فيما بيننا نطلقها ضد بعضنا البعض، ونحن لدينا حكمنا بكل صراحة على سعيد سعدي· وما هو؟ هو حكم في كثير من جوانبه ليس إيجابيا، ولنا ما نسجله على سعدي وعلى غيره، ولكن أؤكد لك أن عدم وجودنا هناك ليس بسبب وجود زيد أو عمر ضمن الداعين إلى المسيرة وإنما لما نتكلم على أي تحرك للتغيير لابد أن يأتي في إطار استراتيجية التغيير، وتكون المسيرة وسيلة من وسائل التغيير وليست غاية، لهذا أقول إن اتخاذ استراتيجية متفق عليها في نظرنا أحسن من المبادرة بالمسيرة قبل أن تكون الأرضية الحقيقية، من خلال لائحة مطالب سياسية، وهذا موجود في التحالف الوطني للتغيير الذي يعمل على تجسيد مكونات الساعة وآليات التحرك، مثلما نعمل عليه الآن، ولا نستثني وسيلة المسيرة من الآليات، لأن من واجب الدولة أن ترخص لها في العاصمة وغير العاصمة، لأنها حق مكفول دستوريا· أنتم اليوم في تحالف من أجل التغيير وتؤمنون به من أجل تجسيد المشروع السياسي من خلال آلياته، لكن أمامكم أهم تجربة لتحالف سياسي في تاريخ الجزائر، وهو التحالف الرئاسي، هل تعتقدون أنه بوسعكم استعطاف الشارع بكل اختلافاتكم التنظيمية والإيديولوجية، وأن تحالفكم هو الوصفة النموذجية للتغيير في الجزائر؟ المسمى التحالف الرئاسي أخلاقي، لا تسمح لي وصفه بأوصاف أخرى، فهم لم يجتمعوا على أفكار أو أرضية أو مشروع، بل اجتمعوا للحصول على الريع والامتيازات مقابل مساندة رجل والتصفيق له، وهو رئيس الجمهورية، لقد ألغوا أنفسهم وبرامجهم وحتى خلافاتهم التي تتحدثون عنها ولم يتناقشوا فيها، وبالتالي لا أستطيع تسميته تحالفا، ولا أستطيع أخلاقيا أن أصفه بأوصاف أعتقد أنها تليق به أكثر· ولم يجمع أعضاء التحالف الرئاسي الحد الأدنى من المرجعيات التي قد تجمع أي قوى أخرى، هذا على التحالف· أما على مشروعنا أقول الحكم على الشيء بالفشل يعود إلى جملة من الشروط أساسها نضج أطراف المسعى التحالفي وقدرتهم على تجاوز الخلافات الموجودة فيما بينها وعلى تحرير الموضوع أو الهدف الذي يصبون إليه، دون أن يكون الجميع في حزب سياسي واحد· لكن هذه اللغة نفسها السائدة في التحالف الرئاسي؟ الآن، أنا طرحت جملة من الشروط، فنحن لدينا لائحة سياسية بها مطالب تناقش فيما بيننا وتصاغ بشكل مشترك حقيقي، ويوضع لها برنامج للتحرك الميداني، وهذا هو النضج المطلوب، فإذا توفر كل ذلك -كما أسلفت- أعتقد أننا سننجح، وقد سبق للمعارضة الجزائرية أن اتحدت، مثلما حصل سنة 95 في العقد الوطني في سانت إيجيديو بإيطاليا وضمت أحزاب إسلامية ووطنية وعلمانية، كما اجتمع المترشحون الست في اجتماع تاريخي للانسحاب من الانتخابات الرئاسية قبل سنوات، حيث فضحوا التزوير من طرف السلطة· والإصلاح الوطني ماضية في هذا الإطار ونعمل ضمن مسعيين، الأول تجميع قوى المعارضة والثاني الاعتماد على الشعب الجزائري لتعبئته حول هذه المطالب اعتقادا منا بوجود مساحات للتعبير والتحرك· لكن أيكما أصبح الأقرب إلى أذهان الجزائريين في اعتقادك، تحالفكم الذي يطرح مشروعا للتغيير بشكل فلسفي سياسي يتطلب زمنا طويلا للتجسيد، أم تنسيقية التغيير التي نزلت للشارع مباشرة وأبدت للجزائريين عزمها على اختصار الزمن بحكم أن عمر السياسة القائمة عمّر كثيرا؟ أنا لا أوافق على التمييز بين التحالف والتنسيقية، ونحن على اتصال فيما بيننا، ونعمل على التعاون والتنسيق أيضا، فهناك تقارب وقواسم مشتركة نسعى إلى تعزيزها وتجميعها· هدفنا واحد، وهو التغيير وربما الاختلاف الوحيد هو ترتيب استعمال الوسائل من أجل التغيير، فهم يرون في الخروج إلى الشارع هو الوسيلة الأولوية، ونرى نحن عكس ذلك، نرى أن تأطير الشارع والنقاش في ندوات سياسية ووضع أرضية للعمل، هو ما يجعلنا تقول إننا لا نضع المسيرة غاية بل وسيلة للتغيير، كما نؤكد بأن هذه الآلية غير مستبعدة من أجندتنا· ثم يجب توضيح حقيقة تاريخية، فانتفاضة الجزائريين وقعت في 88 فهي سبقت مصر وتونس 23 سنة، وحصل نظام تعددي ديمقراطي وحصل التفاف شعبي حول الحدث· لكن أذكرك أن تونس سبقت في ثورتها الجزائر بأربع سنوات قبل ,88 وعُرفت آنذاك بثورة الخبز، وهذا لم يمنعها من الثورة مجددا في 2011 ولم يقل التوانسة ثورتنا كانت في 84؟ ونحن لم نقل إننا نستبعد انتفاضة الشعب الجزائري مرة أخرى، وسواء استبقنا الشارع إلى الانتفاضة مثل ما حدث في جانفي الماضي أو كنا نحن في خضم كل ذلك نحضر لمشروع سياسي، هذا لا يمنع أي طرف من أن ينضم إلى الآخر في أي توقيت كان مع تطور الأحداث· فنحن مستعدون للتلاحم مع القوة الشعبية في كل حين، ولنا خيارات في هذا الجانب، وسنكون إلى جانب الشعب لأننا جزء منه ولا نتجزأ، ولا مانع أن تكون المخططات ضمن التدرج ومنطق المرحلية· ثم إن ما نقوم به هو من أجل الشعب الجزائري، الذي نبقى خدّاما له في حركة الإصلاح الوطني· الشارع الجزائري مثلما لمسناه خلال الأحدث الأخيرة رفض أن تركب الوجوه القديمة موجة غضبه وتستعملها، ألا يشكل لكم هذا حرجا وأنتم تظهرون في هذا الثوب الذي يرفض الشعب النظر إليه؟ نحن لسنا من الوجوه القديمة، فحركة الإصلاح الوطني جاءت إلى الوجود في ,99 وأنا أصغر أمين عام حزب سياسي في البلاد، وفي قاعدتنا إطارات شبانية كثيرة، ولم يسبق لنا وأن كنا مشاركين للسلطة في نظرتها التسييرية، ونحن نطمح لكسب كافة فئات الشعب الجزائري· وكل عمل تغييري سواء جاء من الشارع أو من الطبقة السياسية، ففي مرحلة بناء الثورة تحتاج هذه الأخيرة إلى قيادة، وقد تكون من الأحزاب الموجودة أو من الثائرين كبروز وجوه جديدة مثلما يحدث في تونس ومصر· ولا يمكن بأي حال من الحالات أن تستغني الثورة عن الطبقة السياسية، وهذا ضروري خاصة في مرحلة ما بعد الثورة· السيد الأمين العام، في اعتقادك، ما الذي جعل ثورة الشباب الأخيرة في الجزائر قصيرة العمر والنطاق، ولم تستمر بالشكل الذي وقع في تونس ومصر رغم أن مطالبها لم تتحقق ميدانيا بعد، خاصة وأنها لم تكن ثورة زيت وسكر؟ بسبب جملة من العوامل، وقبل أن أعدد أهمها، أوضح أنها حقيقة لم تستمر، ولكنها أيضا لم تنطفئ· الشارع لا يزال راغبا في التغيير والدليل وجود مبادرات كثيرة واحتجاجات كثيرة على مختلف المستويات في القطاعات، كالجامعات والصحة والتعليم وحتى الأسلاك شبه الأمنية كالمقاومين والحرس البلدي، فالساحة لا تزال تغلي· أما عن عدم استمرارية ثورة الشباب، قد يكون لعدم توقف الشارع الجزائري عن الاحتجاج طيلة السنوات الأخيرة، وكانت احتجاجات قطاعية تمثل متنفسا وجعلت الغضب والتعبير عن رفض بعض الوضعيات والواقع يخرج تدريجيا وبشكل مستمر دون حدوث انفجار دفعة واحدة، عكس الشارع التونسي وبدرجة أقل مصر، حيث يعتبر الشارع التونسي مفتاح الانتفاضات، فالجزائر أحصينا فيها خلال 2010 ما لا يقل عن 500 احتجاج، ثم إن سنوات الدم والدموع التي دفع فيها الجزائريون 200 ألف قتيل لا تزال تخيم أحزانها على الشارع، مما شكل حاجز التخوف من العودة إلى التسعينيات· ألا ترى أنك تعطي مبررات قالها كثير ممن هم في السلطة حاليا بعد الأحداث، وبالتالي تكون الأخيرة أكثر ارتياحا من حيث الإصلاح المزمع تجسيده، وقد يكون بضيق الهامش وفي غير المستوى المأمول من طرف الشارع، الأمر الذي ما كان ليحدث لو سار بالشكل الذي سار به في مصر وتونس؟ نعم، يمكن للسلطة أن تلعب على هذه الورقة من خلال أبواقها ومنها أحزاب التحالف الرئاسي، زائد واحدة (يقصد حزب لويزة حنون) الذي أصبح فزاعة الشعب الجزائري وتخويفه بأسلوبها من الويل والثبور مقابل استفادتها من الكوطات الانتخابية وأموال الشعب، وهي تتنفس اصطناعيا، كما أن هناك أقلام صحفية مأجورة تقوم بترعيب وتخويف الجزائريين بنبشها في الذاكرة الشعبية وتعمل على تخويف الجزائريين، فالتوظيف وارد· هذا تنافض، تقدمون سنوات الدم والدمار على أنها سبب عدم استمرار ثورة الشباب، ولكنها في الوقت نفسه كأنكم تجعلونها إيجابية؟ أنا قمت بتشخيص الوضع، ولم أقدمها على أنها السبب، وتكلمت عن توظيف السلطة وأبواقها لكبح جماح الشعب الجزائري لكي لا يعبّر عن رأيه وتطلعه للتغيير الحقيقي· السلطة الآن قررت من خلال ما نراه من تصريحات وقرارات متخذه، أن لا تذهب بالتغيير إلى أبعد حدوده، وهذا ما لمسناه من خلال رفع حالة الطوارئ واستثناء العاصمة والانفتاح الشكلي والسطحي لوسائل الإعلام وبعض الإجراءات التي مست بعض المواد الاستهلاكية، وهي كلها مسكنات، وبالتالي النظام يظهر أنه لم يفهم الرسالة أو لا يريد أن يفهم الرسالة· هل تعتقد حركتكم أن تغيير حكومي جذري كفيل بامتصاص غضب الشارع؟ إذا بقيت ثنائية بلخادم أويحيى على رأس الحكومة، فهذه اللعبة مفضوحة، وللأسف اللعب برأسين أمر منافي للممارسة السياسية· أما تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على التغيير يكون بذلك بداية مشروع التغيير الأولى· فتعديل الدستور الأخير قام بتجميع كل السلطات ووضعها في يد السلطة التنفيذية، وهذا وضع غير صحيح، لأن البلاد تقف بذلك على رِجل واحدة، وهذا التعديل الدستوري الأخير ليس سطحيا في الواقع، كما يروج، بل هو استراتيجي وعميق، فنحن في إطار حزب واحد بواجهة تعددية· ما قد يمتص الغضب حكومة وحدة وطنية تعمل على تعديل الدستور وإجراء انتخابات مجلية وتشريعية ورئاسية مسبقة، لأن السلطة الحالية أثبتت فشلها، وبالتالي لا يمكن أن تبقى مؤسساتها من ورائها قائمة· حتى ننتهي من الحديث عن الحكومة، كيف تقرأون تصريح أويحيى حول التعديل الذي قال فيه لماذا لا تستطيعون التفريق بين العدس والفاصولياء؟ والله مهما أعطينا من قراءة، أقول إنني لست مختصا في فك شفرات تصريحات الوزير الأول التي يريد أن يبعث بها، والمهم أن الإصلاح ترى في هذه السلطة وكل مؤسساتها والقائمين عليها مسؤولين بالشراكة في صناعة الفشل والعجز، ولا يمكنني أن أدخل في منطق صراع الأجنحة وتغليب طرف على آخر مثلما يتم التعاطي به في الساحة السياسية عن طريق تسريب المعلومات عن بعض مظاهره، فنكتفي بالقول إن كان هناك فعلا صراع أجنحة في الجزائر، فإنه صراع من أجل المصالح وليس صراع برامج ومشاريع ومن يخدم الجزائر والشعب· لو نعود إلى تحالفكم من أجل التغيير الذي دعوتم إليه شخصيات وطنية، هل ترون في شخص مثل آيت أحمد الذي قضى نصف حياته خارج البلد وبن بيتور الذي يعارض من بيته مع حمروش وبن فليس ومهري، هل تراهنون على التغيير بشخصيات خارت قواها السياسية ولم تعد تنتج الطاقة الفكرية السياسية، ولم تنزل إلى الشارع أبدا، لماذا لا نراهم في زيارات للولايات والمناطق النائية ليتواصلوا مع الشعب إن كان لهم مشاريع دولة، كيف تضعون أيديكم بأيدي هؤلاء الموتى سياسيا؟ نحن في الحركة لم نتخل يوما منذ نشأتنا عن التواصل مع الشارع لأن الشارع صاحب قضية ومطالب، ومن الظلم أن نجهض طموحاته، وبالتالي نحن نريد من هذه الشخصيات عصارة إسهاماتها وتجربتها وخبرتها، فلها القدرة على الرصد والملاحظة والتحليل التي يمكن أن يساهموا بها في التغيير· فصحيح نحن اتصلنا بهذه الشخصيات، لكننا بقينا أيضا مع الشارع نستجمع قواه· لكن هناك من يقول إن هذه الشخصيات تمارس المعارضة انتقاما من النظام الذي لم يمنحهم فرصة الخروج المشرف منه، وهو طرح معقول بالنظر إلى بعض الذهنيات الجزائرية، ما تعليقكم؟ أنا لا أدخل في الحسابات الشخصية والبينية بين رجال عاشوا مع بعض، ورغم كل ذلك ما يهمنا ليس انتقامهم بل مشروع أرضية المطالب وما يجمعنا بهم وليس حزازة الآخر من الآخر، فنحن لا نحاسب على هذه الأمور، ونحن في حاجة إلى ميثاق شرف رغم خلافاتنا· في الجزائر أحزاب غير معتمدة، لكن تناضل مع أحزاب أخرى، فالنظام دفع أنصار التيار الإسلامي إلى خارج اللعبة السياسية عن طريق التقنين والمنع والتيئيس، فالإسلاميون لديهم مليون صوت خارج الوعاء الانتخابي، بالإضافة إلى عائلاتهم التي تتبعهم، وهذا تقليص مفضوح للمشاركة الانتخابية·