بدون أية محاولة للسير من ساحة أول ماي بالعاصمة، نحو ساحة الشهداء، وبدون مكبرات للأصوات وبشعارات مستوردة من مصر وتونس، وبدون أي خطاب سياسي، وبحضور أغلبه من الفضوليين، رُشق بالأمس، سعيد سعدي، بالأحذية والقارورات، مثله مثل علي بلحاج، الرقم الثاني في ''الفيس المحل''· كل ذلك جعل النظام يبدو أبعد من أن يتزعزع بهؤلاء· رغم أن برمجة المسيرة تصادفت مع سقوط مبارك بليلة واحدة فقط، ورغم الهالة الإعلامية الكبيرة التي حظيت بها التحضيرات لمسيرة 12 أكتوبر، وحضور هذا التاريخ بشكل يومي على الصفحات الأولى لجرائد الجزائر والعالم، وضمن العناوين الأساسية للفضائيات العالمية، إلا أن كل شيء سار بالأمس بالعاصمة، في غير صالح الداعين إلى مسيرة أمس· لقد ظهر العاصميون فضوليين أكثر منهم مهتمين ومنخرطين في المسيرة، بل أكثر من ذلك، لقد استهواهم التصوير بالهواتف النقالة، أكثر من مشاركتهم في ترديد الشعارات، وسط غياب تام لخطاب سياسي، عبر مكبرات الصوت يمس مشاعرهم وروح التغيير فيهم، أو تحريك إرادة ''إسقاط النظام''· لقد بدا الجزائريون، أمس، حذرين ومتحفظين من أي انسياق، وفضلّوا المراقبة من بعيد على الانخراط في المسيرة، دون فهم المطالب وفهم ''الخلفيات ولصالح من وضد من يحدث كل هذا''· لقد تكرست حالة الجمود التي عرفتها مبادرة المسيرة، بالقصور التنظيمي الشديد الذي بدا عفويا ومرتجلا، من دون أي تحضير، بدليل انعدام أية مبادرة لإلقاء خطاب سياسي واضح من الوجوه البارزة التي كانت حاضرة بالأمس، فعلاوة على بروز المنظمين في ثوب المستفز فقط للسلطة من أجل كسر حظر المسيرات، غابت الأحزاب السياسية المعارضة عن الميدان التي كانت منخرطة في التنسيقية من أجل التغيير وبعض الشخصيات الداعية إلى تغيير النظام مثل أحمد بن بيتور، وحركة الإصلاح الوطني وحركة النهضة، وحزب العمال وجبهة القوى الإشتراكية، والشخصيات الأخرى البطولية في البيانات والقومية والراديكالية· واقتصر الحضور على سعيد سعدي، ونواب حزبه في المجلس الشعبي الوطني، وأعضاء الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، والطاهر بن بعيبش، الأمين العام السابق للأرندي، والمنشق عنه وأمازيغ كاتب إبن كاتب ياسين، والفنانين بعزيز وصافي بوتلة وعلي بلحاج، الرقم الثاني في الفيس المحل· لكن الذي حدث بعد أن رُفعت شعارات مستوردة من مصر وتونس، من دون أي مراعاة للخصوصية الاجتماعية والسياسية الجزائرية، رُشق علي بلحاج وسعيد سعدي، بالأحذية وقارورات الماء، ما فتح المجال منذ البداية إلى مجموعة من المواطنين لمواجهة منظمي وأنصار المسيرة بشعارات تهتف بحياة الجزائر، والرئيس بوتفليقة، كما حوّل البعض من المناوئين للمسيرة ساحة أول ماي، إلى مساءلة جماهيرية لسعيد سعدي، عن دوره ودور الأرسيدي، في مكافحة الإرهاب وإنقاذ الجزائر، مرددين شعارات ''عشر سنين بركات'' دون أن يتمكن علي بلحاج، من البقاء طويلا في الشارع بعد أن شرع يخطب في الناس بعيدا عن التمركز الرئيسي لمنظمي المسيرة· لقد قدم المنظمون خدمة كبيرة للسلطة بالفوضى وعدم التحضير والتحكم في الشارع وجموع المحتجين، حيث لم يجدوا في الميدان من يوجههم أو يؤطرهم أو يتحدث معهم أو يخطب فيهم ويبرز لهم المطالب· لقد غابت كل محاولة من المنظمين لتقدم الجماهير ورفع الشعارات والتوجه نحو الطريق إلى ساحة الشهداء، بل اكتفت قيادات المسيرة بالصعود فوق الكراسي الحديدية المنصوبة في ساحة أول ماي، والإشارة للجماهير بشعار السبابة والوسطى من أجل ''النصر أو الموت''، تحت كاميرات وعدسات أكثر من 40 مؤسسة إعلامية أجنبية أعطتها وزارة الاتصال الاعتماد دون أي عناء·