تتواصل محاولات المعارضة، من أحزاب وشخصيات، لتجنيد الشارع ودفعه إلى الاحتجاج من أجل افتعال حركية سياسية، وقد جاء الإعلان عن ميلاد تحالف وطني للتغيير أول أمس ليؤكد هذه المساعي التي يقابلها المواطنون بلامبالاة واضحة . قرر رئيس الحكومة الأسبق "أحمد بن بيتور" تأسيس ما أسماه التحالف الوطني من أجل التغيير، وقد تقاطع هذا التحالف من حيث التسمية والأهداف المعلنة مع التنسيقية الوطنية لقوى التغيير والديمقراطية التي يقودها المحامي مصطفى بوشاشي والتي تضم بعض الأحزاب السياسية وجمعيات، ويضم التحالف الجديد أيضا أحزابا وجمعيات، غير أن هذه الأحزاب تبدو ضعيفة التمثيل، مثل حزب التجديد الجزائري، وحركة الإصلاح الوطني وحركة الشبيبة الديمقراطية بالإضافة إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. هذا التحالف يدعو إلى عقد ندوة وطنية من أجل التغيير واعتماد ميثاق شرف للمعارضة ووضع قاعدة مطالب سياسية، ويبدو من خلال أحد مؤسسي التحالف أن الهدف هو المطالبة بفتح حوار بين السلطة والمعارضة، غير أن المطالب السياسية غير معروفة حتى وإن كان أحمد بن بيتور قد تحدث بصفة عامة عن تعزيز الحريات الفردية والجماعية. لعل القرارات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء تكون قد أخلطت أوراق هذا التحالف الذي يزيد في تشتيت المعارضة التي تعاني أصلا من حالة تشرذم وعجز منذ فترة طويلة. كل التحركات التي تشهدها الساحة تحت عنوان التغيير ترتبط بشكل مباشر بالاحتجاجات الأخيرة وتشجعها الآمال في انتقال عدوى الغضب الشعبي من تونس ومصر إلى الجزائر، غير أن الطريقة التي تتحرك بها المعارضة إلى حد الآن توحي بأن الأمور تسير بالمقلوب في الحالة الجزائرية، ففي النموذج التونسي كانت الاحتجاجات الاجتماعية قد انطلقت بشكل عفوي، وتحولت بفعل القمع البوليسي، وبفعل تراكمات الكبت السياسي المستمر عبر عقود، إلى ثورة شعبية ضد النظام القائم انتهت بسقوطه وبفرار رأسه زين العابدين بن علي من البلاد، وفي مصر كانت الاحتجاجات تتويجا لمحاولات كثيرة للتغيير، ومحصلة منطقية للتزوير الشامل الذي طبع انتخابات مجلس الشعب التي جرت في شهر نوفمبر الماضي، ولا ينكر أحد في المعارضة أن الأوضاع في الجزائر مختلفة تماما عن أوضاع مصر وتونس، وأنه لا يمكن إسقاط تجربة أي بلد على البلد الآخر. التناقض الأكبر في موقف المعارضة في الجزائر هو أنها تضع أهدافا سياسية محددة قبل أن يكون هناك تجند على الأرض، فلم يفلح أحد إلى حد الآن في إعطاء طابع سياسي للتذمر الشعبي الذي يقر بوجوده الجميع بمن فيهم بوتفليقة الذي وصفه بحالة قنوط، وقد بدأت المعارضة أولا بتنظيم صفوفها ووضع الأهداف والمطالب قبل أن تنجح في إقناع المواطنين بما يسمى مطلب التغيير، وهكذا وجدت هذه الأطراف نفسها تتفاوض فيما بينها أولا حول ما يمكن أن يكون أرضية مشتركة قبل أن تنزل إلى الأرض، ومن هنا جاءت المطالب المرفوعة بدون أي خلفية سياسية واضحة، وتم التركيز على رفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح الموقوفين في الاحتجاجات الأخيرة، وتحرير الإعلام وإطلاق الحريات الفردية والعامة، وكان الطابع التوفيقي لهذه المطالب يهدف إلى منع تشتت أحزاب المعارضة التي لا تكاد تتفق على شيء، ورغم ذلك فقد انسحبت جبهة القوى الاشتراكية في وقت مبكر، ورفض حزب العمال والنقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية المشاركة في مسيرة تنظمها تنسيقية قوى التغيير التي بدت وكأنها مطية للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي يريد أن يطرح نفسه كبديل لقيادة المعارضة. الخلافات الإيديولوجية لم تكن غائبة عن هذه المساعي، فقد كان إعلان بن بيتور عن ميلاد تحالف التغيير بمثابة إعلان البراءة من التنسيقية ومن الأرسيدي على وجه التحديد، وتشير تركيبة هذا التحالف إلى ميول إسلامية معتدلة ربما اعتبرها رئيس الحكومة الأسبق أفضل قاعدة لتجنيد الشارع الذي يرتاب من الأرسيدي ومما يسمى القوى الديمقراطية، وهو ما يضع هذه التحركات في مأزق حتى قبل أن تتبلور أفكارها وينضج تنظيمها. في الحالات التي يريد هؤلاء الساسة استلهامها لاحظنا كيف أن الشارع كان يتحرك بكل عفوية لتأتي المعارضة فيما بعد لصياغة تصورات تعبر عن مطالب الشارع، وهذا ما حدث في تونس، ويتكرر في مصر، غير أن في الجزائر يجري استعجال الأمور فتتجه المعارضة رأسا إلى طرح مطالب ودعوة الشارع إلى تبنيها، والذي يحدث الفارق هنا هو أن المعارضة الجزائرية لديها هامش واسع للحركة لا يمكن أن يقارن بوضع المعارضة في تونس أو مصر، ومن هنا فإن الشارع لا يشعر بحالة خنق الحريات، ولا يتعامل مع القضايا السياسية كأولوية رغم النقاش المستمر حول وضع الحريات الفردية والجماعية، وهنا تأتي الأحزاب لتقدم نفسها كضحية تطلب الخلاص من الشارع في حين أن الوضع الطبيعي هو أن تتحمل المعارضة مسؤولياتها في تبني مطالب الشارع والنضال من أجل تحقيقها. بقي تفصيل آخر قد يكون كاشفا، فقد بدأ الحديث من قبل أحد مؤسسي تحالف التغيير عن الحوار مع السلطة، وهو ما يعني أن المعارضة لم تصل بعد إلى مرحلة صياغة بدائل مستقلة تكون مقنعة للشارع أولا، والحوار بالصيغة المطروحة حاليا تعيد إلى الأذهان الحرص على اقتسام الغنائم السياسية وهو من بين الأسباب التي عزلت هذه الأحزاب عن المجتمع الذي أصبح يعتبرها جزء من المشكلة وليست جزء من الحل.