تستمر تونس في مواجهة التدفق الرهيب للنازحين من الأحداث الدامية الدائرة في ليبيا، بعد تفاقم حدة المواجهات بين الثوار وجيش القذافي، على اعتبار أن عددا كبيرا من المدنيين الليبيين والأجانب فضلوا ترك ساحة المعركة واللجوء إلى أقرب نقطة من الجهة الثانية من الحدود الليبية، فكانت الوجهة مصر من ناحية ا لشرق وتونس والجزائر بأقل تقدير· غير أن غالبية النازحين الهاربين من العاصمة طرابلس توجهوا نحو الحدود التونسية على اعتبار أنها الأقرب، إذ لا يفصل مدينة طرابلس عن أول مدينة تونسية على الحدود أقل من 300 كيلومتر· وعليه شهدت هذه المنطقة، راس جدير وبن قردان، نزوح مئات الآلاف من الفارين، قدره البعض بأكثر من 100 ألف شخص، على حسب التقديرات التقريبية· غير أن العديد من المنظمات الإنسانية الناشطة في عين المكان تؤكد أنه لا يمكن تحديد العدد بدقة، في إشارة إلى أن حركة النازحين مستمرة بوتيرة شديدة السرعة وعليه لا يمكن معرفة العدد بدقة. هذه الأعداد الهائلة من القادمين والمغادرين التراب التونسي خلقت حالة من التأهب على كل المستويات في مدينة راس جدير، لدرجة أصبحت فيها السلطات التونسية غير قادرة على مواجهة تلك الحشود، سيما وأنها في حاجة إلى كل أنواع الخدمات، في مقدمتها العلاج، الأكل، الإقامة وصولا إلى أهم مرحلة تلك المتعلقة بالترحيل نحو البلدان الأصلية· فالجدير بالذكر أن النازحين إلى تونس من أكثر من 30 جنسية، تشير التقارير إلى أن 30 ألف منهم تقريبا من الحاملين للجنسية التونسية، في حين أن البقية من مختلف الجنسيات في مقدمتهم المصريين، إذ تشير الإحصائيات إلى أن عدد المصريين يقارب 2 مليون مصري عامل وناشط في ليبيا· ولأن معظمهم قاطنون في العاصمة، فإن وجهتهم للعودة للديار كانت عبر التراب التونسي· بهذا الخصوص، تشير السيدة مايا العباسي، طبيبة بمنطقة راس جدير إلى أن المشكلة الأساسية التي تواجه فرق المساعدة تكمن في عدم توفر وسائل النقل بالأعداد اللازمة لنقل الأجانب نحو بلدانهم، ما يعني بقاؤهم في المكان وضرورة تزويدهم بكل ما يلزمهم من مأكل ومشرب وعلاج ومبيت: ''الصعوبة في كون استمرار نزوح المئات يوميا، نحن نشهد زيادة رهيبة مع كل دقيقة تمر، مع العلم أن وتيرة الدخول أسرع بكثير من وتيرة الخروج، فإذا دخل 100 نازح تمكن أقل من 50 من الرحيل بوجهة بلدانهم، وهو ما يعني زيادة استهلاك كل أنواع الأدوية والمواد الغذائية وغيرها''· أمام هذه الوضعية سارعت الأممالمتحدة للتأكيد على أن الوضع الإنساني على الحدود الليبية التونسية قد بلغ درجة الأزمة مع تدفق الآلاف من النازحين، وهو ذات ما ذهبت إليه السلطات التونسية التي دعت المنظمات الإنسانية الدولية لمدها يد العون في مواجهة هذا الظرف الطارئ، سيما فيما يتعلق بنقل اللاجئين إلى بلدانهم· الجدير بالذكر أن تونس وضعت مطار جربة الدولي الذي يبعد نحو 150 كيلومترا عن راس جدير في خدمة الطائرات من كل الدول من أجل نقل النازحين إلى بلدانهم· للإشارة، فإنه من بين الأعداد المهولة من النازحين الذين دخلوا التراب التونسي حوالي 30 ألف حاملين للجنسية التونسية والبقية من جنسيات مختلفة في حاجة إلى العودة لموطنهم، ما يتطلب مساعدة سريعة في عملية النقل· من جانب آخر، دعا الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر دول العالم والمنظمات الدولية إلى إرسال المساعدات الإنسانية العاجلة والضرورية لمواجهة الوضع المأساوي والمتفاقم للشعب الليبي والنازحين على الحدود التونسية - الليبية· هذا في الوقت الذي تشير بعض التقديرات إلى أن الحدود الليبية التونسية تشهد عبور ما لا يقل عن 100 فرد في الدقيقة الواحدة، ما يتطلب تكافل الجهود لتفادي تحول الوضع في تونس لكارثة إنسانية في ظل استمرار تفاقم عدد القادمين واستمرار الأزمة الليبية· أمام هذا الوضع سارعت العديد من الدول لتقديم يد العون من خلال عرض مساعدات على غرار إسبانيا التي خصصت حوالي 300 مليون دولار لتونس من أجل مساعدتها على مواجهة هذه الأزمة، بهذا الخصوص تؤكد المعلومات أن أعداد النازحين قد تصل مليون فرد مروا على التراب التونسي، في إشارة إلى أن الخطورة تكمن في أعداد الليبيين الذين لا يملكون وجهة أخرى غير البقاء في تونس، عكس بقية الجنسيات المطالبين بالعودة لديارهم والتوانسة المنتشرين عبر الولاياتالتونسية، إذ تؤكد السلطات التونسية أنها ستجد نفسها أمام أعداد كبيرة من الليبيين المتمركزين على المدى القريب والمتوسط لغاية عودة الهدوء إلى ليبيا· محمد بن أحمد من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتونس: لا يمكن تحديد عدد اللاجئين بدقة لاستمرار النزوح بداية هناك حديث عن حوالي 100 ألف نازح من ليبيا نحو الأراضي التونسية؟ لا يمكنني تأكيد أو نفي هذا الرقم، كما لا يمكن اللجنة الدولية فعل ذلك، نحن نتحرى الحقيقة من العمل الميداني الذي يخبرنا أنه من الصعب تحديد العدد بدقة، إذ لابد من معرفة الفترة التي نتحدث عنها، هناك أعداد تدخل وأعداد تعود لموطنها في ذات الفترة، ما يجعل مهمة معرفة العدد صعبة· من جهة أخرى مهمتنا لا تكمن في تعداد النازحين بقدر ما نحرص على تقديم الخدمات الإنسانية اللازمة لكل من يحتاج لها في الميدان· وكيف يمكنكم أن تصفوا الوضع في جنوبتونس من الناحية الإنسانية؟ أعتقد أن الكل يدرك طبيعة الأحداث وصعوبة التعامل مع هكذا وضع، وقد أصدرت اللجنة الدولية بيانا يمكن الاطلاع عليه، إذ توجد فرق تابعة للجنة على أرض الميدان تعمل على تخفيف المعاناة وتقديم يد العون· وماذا عن عمل اللجنة داخل ليبيا، هل هناك تنسيق معها؟ هناك فرع للهلال الأحمر الناشط في ليبيا، حيث تتوزع فرق طبية وجراحين يعملون على تقديم المساعدة الإنسانية وفي مقدمتها الخدمات الطبية في المناطق التي تشهد أحداثا دامية، وبالفعل هناك عدد من الزملاء من الهلال الأحمر في مصر الذين تمكنوا من دخول التراب الليبي من ناحية الحدود الشرقية من أجل تقديم ما يلزم من مساعدة، تماما كما أن هناك فرقا في العاصمة طرابلس، المشكلة الوحيدة التي قد تواجه هذه الفرق هي القدرة على الاتصال والتواصل، بسبب سوء وسائل الاتصال من جهة والانهماك في العمل الميداني من جهة أخرى بالنظر للأوضاع التي تعيشها ليبيا·