التأمت بجامعة وهران، مؤخرا، ندوة دولية حول التعليم والتكوين المسرحي في العالم العربي، نظمها قسم الفنون الدرامية بالجامعة، وشاركت فيها مؤسسات وجامعات متخصصة في التكوين المسرحي من مشرق العالم العربي ومغربه· هذه الندوة هي الثانية من نوعها في مشروع انطلق قبل سنتين في مهرجان الفوانيس المسرحية بعمان بالأردن حول تنسيق وتحيين برامج التكوين المسرحي بالعالم العربي، حاولت أن تجمع أكبر عدد من المؤسسات المتخصصة في المجال، وتبدأ فعليا التنسيق على صعيد برامج التكوين وأنظمته المندرجة في أنظمة تحديث التعليم العالي في إطار نظام حج · ولعله بفضل انعقاد الندوة في الجزائر ومشاركة العديد من الباحثين الجزائريين، كانت الندوة مناسبة للتعرف عن قرب على التجربة الجزائرية في التعليم والتكوين المسرحي، والتي تنقسم إلى تعليم جامعي ربما يتمثل نموذجه في قسم الفنون الدرامية بجامعة وهران والذي يستقطب عددا كبيرا من الطلبة، فيما تنحصر النماذج الأخرى في أقسام الفنون في جامعات أخرى، وهي أقسام لا تتخصص في المسرح فقط حيث تنفتح على مجمل الفنون، فيما تشرف وزارة الثقافة الجزائرية على المعهد الوطني للمسرح وفنون العرض والمقبل على تحولات كبيرة· لكن الندوة كذلك عرفت استعراض تجارب أخرى من المغرب، وسوريا، والسودان، وهي في الغالب الأعم تعتمد تجارب متماثلة، حيث توفر الجامعات تكوينات مسرحية بدأت تتجاوز طابعها النظري لتنفتح على التطبيقات والمهن المسرحية، وإن كانت تعاني من نقص ملحوظ في الأطر المتخصصة في المهن المسرحية، فيما تعتمد تجربة المعاهد على تكوينات مهنية غالبا ما ينقصها العمق النظري والفلسفي· ولهذا، ومع مقارنة النماذج خلال الندوة، وقع التعبير على ضرورة الجمع بين التكوينات النظرية والمهنية من أجل امتلاك المتخرجين وفناني المسرح في المستقبل تلاؤما مع متطلبات القطاع المسرحي وحاجياته· وإذا تساءلت بعض المداخلات حول متطلبات تجديد التكوين لتخريج فناني مسرح جدد بمواصفات جديدة تتناغم مع تحولات المسرح العالمي، فقد لاحظ المشاركون أن أغلب الدول العربية تتوفر على معهد عالي واحد للفنون المسرحية، يقبل عليه جميع الراغبين في تعلم المسرح، مما يعبر عن هزالة الصناعة المسرحية وغياب الرغبة السياسية في تأهيل بنيات الإنتاج المسرحي في العالم العربي لكي يخلق مؤسسات كثيرة للتكوين والتعليم المسرحي· تبدو معاهد الفن المسرحي في العالم العربي وكأنها مؤسسات للتجميل السياسي والثقافي، البلد الذي يصل عدد سكانه إلى 5 ملايين نسمة يتوفر على معهد عالي للمسرح شأنه في ذلك شأن البلد الذي يصل تعداد سكانه إلى 80 مليون نسمة·· الأمر عبثي للغاية· أما أقسام الفنون المسرحية في الجامعات فغالبا ما لا تتوفر على لوجستيك حقيقي للتكوين المسرحي من قاعات متخصصة للتدريبات والمسارح·· لهذا، وفي غياب تنافسية حقيقية في مجالات التكوين المسرحي، ينتعش الكسل وغياب تجديد المعارف، والتركيز على التكوين في مجال التمثيل فقط، وفي أحسن الحالات في بعض المهن المسرحية الأخرى· الشبكة العربية لمؤسسات التعليم والتكوين المسرحي لهذه الغايات، اجتمعت في الندوة ورشتان الأولى حول برنامج إجازة وماستر موحد في الفنون الدرامية، يشارك فيه المتخصصون في المجال، ويستطيع أن يوحد التكوين المسرحي في العالم العربي، ويخلق الملاءمة بين المؤسسات· وقد عرفت هذه الورشة نقاشات عميقة ومستفيضة، وأحيانا سفسطائية، يحركها التخوف المعلن من نظام ال حج، وخلصت في النهاية إلى الاتفاق على اقتراح مشروع إجازة في الفنون المسرحية عهدت صياغته إلى لجنة منتخبة تقترحه على الأعضاء من أجل مناقشته، ويكون ممهدا للتكوينات اللاحقة، وسيتم إقراره في الندوة اللاحقة للتعليم المسرحي ووضعه رهن إشارة المؤسسات والجامعات· أما الورشة الثانية فقد انتهت أشغالها إلى تأسيس الشبكة العربية لمؤسسات التعليم والتكوين المسرحي واتخذت لنفسها أهدافا عديدة من أهمها تنسيق التواصل بين تلك المؤسسات من أجل تبادل الخبرات والمعارف وتحيين التكوينات بما يناسب تطور الفن المسرحي في العالم، وتشجيع المختبرات ومراكز الدكتوراه الجامعية في مجالات المسرح· وقد اقترح المشاركون أن يتخذ قسم الفنون الدرامية بجامعة وهران مقرا للشبكة وعهدوا تنسيق أشغالها إلى الأستاذ لخضر منصوري من نفس القسم· وهران·· مسرح يحرس مدينة تبدو وهران غانية تتعطف متمايلة نشوة وهي تغازل المتوسط·· بإيقاع اسمها المؤنث، توقفنا ليلا في ساحتها الوسطى، قبالة قصر البلدية، لكي ينقل إلي الوهرانيون أصل الاسم، الأمازيغي، الوِهْرُ، والمثنى وِهران، والوهر الأسد، وعلى جانبي الباب الشامخ للبلدية، ومن برونز خالص انتصب الوهران، أسدان جميلان· بكل بساطة أحسست أن المدينة تلخص معاني الشجاعة وتدلقها في إيحاء مؤنث رائع· على نفس الساحة، يطل مسرح وهران الجهوي، ببناية تحفة، أنيق وجميل، وحين تدلف إليه تتذكر أوبرا غارنييه بحجم صغير، جبص منمق مزهو بألوانه، أرائك حمراء أنيقة ومخملية، وطوابق ثلاثة جملت حواشيها منحوتات وأشكال زخرفية رائعة· داخل المسرح تتملكك رهبة المسرح وجلاله، ارتعاشته الرائعة، وطيف عبد القادر علولة الذي لم يدرك قتلته أنهم بفعلتهم تلك أدخلوه إلى ذاكرة شعب وبلد ومسرح، وإلى تاريخ مسرح ومتخيل جماعي· ضعنا فيه حقا، ولكن طيفه يرقص حين يلتقي المسرحيون·· لهذا انتزعنا وعدا من محافظة المهرجان الدولي للمسرح في الجزائر بتنظيم ندوة حول الراحل عبد القادر علولة· مسرح وهران يشرف عليه بأناقة الفنان ورفيق علولة في الدرب عزري غوتي، ويمنحه خاصيات لا نجدها في مسارح كثيرة· مثلا مسرح وهران لا يهتم بتنظيم مهرجان، لأنه يحافظ على علاقة يومية بالجمهور وبالفنانين الذين لا يغادرون خشبته عروضا أو تداريب· في بهو المسرح تجد ورقة تقدم لك إحصائيات شهرية لإقبال الجمهور على المسرح، وللبطائق والدعوات و غيرها·· وحضور المسرح في الندوة ومتابعتها كان له أثر عميق وإشارة دالة على مد الجسور بين المحترفين والجامعيين، وهي إشارة تم تأكيدها بكل دلالة وعمق بحضور مدير المسرح الوطني بشطارزي امحمد بن قطاف مرفقا بمحافظ المهرجان الدولي للمسرح ابراهيم نوال حفل اختتام الندوة· مسرح عبد القادر علولة يحرس الذاكرة المسرحية لوهران، ويوفر على الأقل في تقديري صورة عن ذكرى جميلة وأنيقة بأناقة المسرح·· يوفر بناية مسرحية جميلة تجعلك تحس لما تقبل عليها أنك تقبل على فن مسرحي راقي يتوج حبا عميقا للحياة، وعلى خشبة مسرح وهران الصقيلة، أدركت مدى تعبي من ربط المسرح بالهموم والمعاناة والأزمة والقرف·· على خشبة مسرح وهران أحسست بأن المسرح فن فرحٌ، لذيذ، أنيق، نبيل·· الذاكرة الجزائرية ما تزال مكلومة من حقبة الإرهاب، ولكني كأني أنصت إليها تقول: ''صايي·· بالاك هذيك المرحلة راحت، نحوسو كاش نديرو مسرح شباب''·