''نحن بشر قبل كل شيء·· إعاقتنا لا تعني أننا لا ننتمي إلى هذا المجتمع·· سئمنا نظرة الشفقة والتمييز في عيون من لم يذوقوا عذابنا·· انظروا إلينا نحن أشخاص عاديون مثلكم، ولكن لدينا احتياجات خاصة فقط''، بهذه الصرخة استهل عدد من المعاقين حديثهم مع ''الجزائر نيوز''، مبدين رفضهم المطلق للتمييز بينهم وبين الأشخاص السليمين، مشيرين إلى ضرورة أخذ بعين الاعتبار اهتمامات هذه الفئة من المجتمع على مدار السنة، وليس فقط في المناسبات· أيام فقط بعد مرور اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، التقت ''الجزائر نيوز'' مع عدد ممن يطلق عليهم إجحافا ''معاقين'' للوقوف على يومياتهم بعيدا عن بروتوكولات الاحتفالات والأيام الرسمية· يجمع المتحدثون على أنهم لا يتمتعون بنفس الحقوق مع باقي المواطنين، مشيرين إلى أن عدم الاستجابة لمطالبهم تعزّز إحساسهم بالإقصاء وعدم الانتماء إلى هذا المجتمع والتمييز بينهم وبين باقي أفراده ''العاديّين''، داعين الدولة إلى الالتزام بتطبيق الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادقت عليها في 24 سبتمبر ,2009 التي جاءت لتكريس حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة· وتقول رئيسة الفدرالية الوطنية للأشخاص المعاقين، عتيقة معمري، إن أول مؤشر للتمييز بين الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والسليمين في الجزائر هو عدم توفير الظروف لضمان اختلاطهم مع بعض، وهو ما يناقض الاتفاقية الدولية التي تنص على ضرورة إدماج ومشاركة هذه الفئة في المجتمع لتنمية شعورهم بالكرامة وتنمية قدراتهم وتقدير الذات· وتضيف الرئيسة، إن الاختلاط يعني ضمان تمدرس الأطفال المعاقين في نفس المدارس الخاصة بالسليمين مع تكييفها وفق احتياجات هذه الفئة، ونفس الشيء بالنسبة للموجهين للتكوين المهني، حيث أن أغلبهم يوجهون إلى مراكز خاصة بهم بدل السماح لهم بمزاولة نشاطهم مع المتدربين السليمين· كما طرح المعوقون ممن تحدثت ''الجزائر نيوز'' إليهم مشكل اهتراء الطرقات، حيث يعتبر تهديدا حقيقيا للفئة التي تعاني من إعاقة حركية سواء المقعدون أو ممّن يعانون مشكلا في المشي والمكفوفون، ''الأشخاص السليمين والسيّارات لم تسلم من الحوادث المرتبطة بالحالة المزرية التي تعرفها الطرقات فما بالك بالمعاق''· لا نريد حفلا بل اهتماما (ب· م) من العاصمة، تقول ''المسؤولون الجزائريون لا يتذكرون المعاق إلاّ في المناسبات أو بالأحرى مناسبة واحدة ووحيدة، وهي اليوم الوطني للمعاق، يظهرون في هذه المناسبة ويقدمون وعودا بتدارك مشاكل هذه الفئة، وبانتهاء اليوم تنتهي مدة صلاحية هذه الوعود''، داعية أبناء فئتها إلى التحلي بثقة أكبر بالنفس للتغلب على واقعهم· وأوضحت (ف· ح) أن الشخص ذا الاحتياجات الخاصة لا يحتاج إلى حفلات وسهرات فنية في يومه الوطني، وإنما تكريمه الحقيقي يكون بالاهتمام بمشاغله وإيجاد الحلول لمشاكله ''إذا قصدنا وزارة التضامن الوطني لطرح انشغالاتنا أو طلب المساعدة تحولنا إلى مصالح النشاط الاجتماعي، وعندما نذهب إليها تعيدنا إلى الوزارة بحجة أنها الوحيدة المخوّلة بتقديم المساعدة''· عتيقة معمري، رئيسة الفدرالية الوطنية لذوي الاحتياجات الخاصة ل ''الجزائر نيوز'' : إلتفاتة وزارة التضامن فيها من الاستهزاء أكثر مما فيها من الاهتمام تشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد المعاقين في الجزائر يقف على عتبة المليوني معاق، هل تعتقدين أن هذه الأرقام تقترب من الواقع؟ لا يمكننا الحديث عن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في الجزائر لسبب بسيط وهو عدم وجود تحقيقات ميدانية في هذا الصدد، فكيف يمكن تقديم أرقام دون الاستناد إلى تقرير عمل ميداني، وأنا شخصيا لا أعتمد على هذه الأرقام، وإذا كان ولابد من الحديث عنها فأفضل الاستناد إلى تقرير المنظمة العالمية للصحة الذي جاء فيه أن عدد المعاقين في أي مجتمع يمثلون 10 بالمائة من مجموع السكان، وبالتالي يمكن أن يفوق عدد المعاقين في الجزائر ال 3 ملايين شخص· على العموم، الأرقام لا تهمنا بقدر ما يهمنا الواقع المعيشي للمعاق وحقوقه المهضومة، ولا أقصد حقوقه كشخص صاحب احتياجات خاصة، ولكن حقوقه كإنسان ينتمي إلى مجتمع معين، له الحق في العيش والكرامة والتعليم والعلاج وتوفير وسائل التنقل المريحة وغيرها من الحقوق الأساسية لأي شخص· هذا يعني أنه لا وجود لمعرفة حقيقية لواقع هذه الفئة في الجزائر، كيف تقيمون السياسة المتبعة من الجهات المعنية للتكفل بهذه الفئة؟ قبل الحديث عن سياسة التكفل يجب توضيح نقطة مهمة وهي غياب النظرة الإدماجية والحقوقية تجاه المعاق من طرف المسؤولين الجزائريين، لتحل محلها نظرة طبية بحتة، بمعنى أنهم يهتمون أكثر بنوع الإعاقة ودرجتها بالاعتماد على تقارير الأطباء، وإهمال شيء أساسي وهو تحديد الجانب السليم في المعاق ومحاولة الحفاظ عليه وتطويره· أما بالنسبة للتكفل، فالجزائر متأخرة ب 50 سنة بالمقارنة مع جيراننا العرب حتى لا نقارنها بالدول الغربية، ومشكلة الجزائر في هذا الصدد تتمثل في عدم احتكاكها مع الدول الرائدة في هذا المجال واستفادتها من التجارب الأجنبية· فرغم توفر مراكز خاصة للمعوقين تابعة لوزارتي الصحة والتضامن وصندوق الضمان الاجتماعي، إلا أنها لا تفيد المعاق في حياته اليومية· المعاق لا يحتاج إلى الدراسة والعمل فقط وإنما يحتاج إلى الاندماج في المجتمع الذي ينتمي إليه، ولا يمكن ترجمة هذا على أرض الواقع إلا بالاعتماد على مختصين في هذا المجال، وأكبر مشكل هنا يُطرح بالنسبة للتكفل بالأطفال، حيث يتم تشخيص الإعاقة لديهم من طرف المختص النفساني، في حين أنه من اختصاص طبيب النفس لفئة الأطفال، أما عمل المختص النفسي فيقتصر على تطبيق تعليمات الطبيب، وبنظري المشكل مطروح بسبب غياب قنوات حوار بين هاتين الفئتين من المختصين· نسجل بين الفترة والأخرى حضورا لبعض المسؤولين، وإن كان مناسباتي في ما يخص هذه الفئة، آخرها الهبة التي استفاد منها عدد من معاقي ولاية المنيعة المقدمة من طرف وزارة التضامن··· أنا أعتبر مثل هذه الالتفاتات استهزاء بالمعاق، هذه الفئة لا تحتاج إلى قفة مملوءة بالمواد الغذائية وبعض الأفرشة، المعاق ليس منكوب زلزال أو فيضانات حتى تتقدّم له وزارة التضامن بمساعدات غذائية· أنا أصف مثل هذه النشاطات بالعمل السهل ويكلف أقل من تكلفة وضع برامج وسياسات لترقية حقوق المعاق والتكفل بهم، وتكوين إطارات في إطار إدماجه اجتماعيا· من المفترض أن تقوم الجهات المعنية بتكوين أخصائيين في التمريض موجهين خصيصا لذوي الاحتياجات الخاصة لمساعدة عائلاتهم، وتتكفل وزارة التضامن بضمان التعويض المادي لهم مقابل أتعابهم، نتلقى العديد من الاتصالات من عائلات لا تستطيع التعامل مع الشخص المعاق لقلة خبرتها· الإعاقة في الجزائر ليست مسألة إمكانيات وإنما ذهنيات، لأن الجزائر تمتلك مختلف الوسائل المادية لضمان تكفل أفضل بذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن الإرادة مفقودة· هناك من يتهم الفدرالية الوطنية بالتقصير في المهام المنوطة بها، ما هو تعليقكم؟ أغلب الأشخاص الذين يقصدون الفيدرالية يبحثون عن الإعانات المادية، وهو ما لا يمكننا توفيره لهم دائما، لكن الهدف الأساسي للجمعية ليس ''تسول'' منحة أو كرسي متحرك أو غيره، وإنما الدفاع عن حقوق المواطنين ذوي الإعاقة واقتسام نفس النظرة للمعاق مع مختلف الجمعيات الناشطة في نفس المجال، وتقديم الفرص لهذه الفئة للمشاركة الفعالة في المجتمع· هدفنا الأساسي إخراج المعاق من قوقعة المستفيد وجعله عنصرا فاعلا في المجتمع، نحن جمعية نسعى لترقية المعاق ولسنا جمعية خيرية· لكن ألا ترين أن عمل الجمعيات الناشطة في هذا المجال هو تقديم الدعم المادي لهذه الفئة؟ من المفترض أن يكون عمل الجمعيات أرقى بكثير من تسول المال من الوزارات ورجال الأعمال وغيرهم من المصادر، وإنما توفير الظروف للمعاق للاطلاع على حقوقه والمطالبة بها بنفسه والحصول عليها، وأكيد بدعم مستمر من الجمعيات· ولاحظت أن العديد من الجمعيات ترسل منخرطين إلى البيوت والشركات لطلب المعونة المالية باسم الجمعية، أنا لا أقول إنه خطأ ولكن يجب أن يتم بصورة قانونية كطلب تصريح من الولاية التابعة لها للقيام بجمع التبرعات وإعداد تقرير بها ثم شرح كيفية إنفاقها· لكن هذا الفراغ القانوني يدفع للتساؤل هل تذهب هذه الإعانات حقيقة إلى أهلها· كشف مدير النقل الحضري للعاصمة عن تخصيص مركبات لنقل المعاقين، أين هو المشروع من الواقع؟ مازال المشروع بعيدا عن التطبيق، ولكننا لن نمل حتى يتحقق، المشروع ليس صعبا ولكنه يحتاج إلى محترفين في مجال إعادة تهيئة المركبات بحسب حاجة المعاقين· ولكن لديّ مأخذ على صاحب هذا المشروع، وهو عدم إشراك المعنيين المباشرين في إعداده، وهي الجمعيات التي تعنى بالأشخاص المعاقين، حيث كان بإمكاننا مناقشة المشروع وتقديم اقتراحات يمكن أن تساهم في نجاحه· من جهة أخرى، أستغرب تخصيص هذه المركبات إلى اتجاهين فقط، وهي المستشفيات وصندوق الضمان الاجتماعي، وكأن المعاق لا يتنقل إلا لهذين الاتجاهين فقط· إنتقدتم في العديد من المناسبات عمل الديوان الوطني للأجهزة الخاصة بذوي الإعاقة، هل لاقت انتقاداتكم صدى؟ مازلنا ننتقد عمل هذا الديوان إلى أن يتغير الوضع، وأول انتقاد يتعلق بغياب توعية حول كيفية استعمال الأجهزة، حيث يشتري المعاق جهازه دون أن تُقدم له التعليمات حول كيفية استخدامها، وهناك مشكل آخر وهو ندرة مواد صناعة هذه الأجهزة، وكذا نقص في النوعية· وأظن أن المشكل الأخير يعود إلى نقص الإطارات المتخصصة في هذا المجال، حيث أن الديوان لم يضع برنامجا تكوينيا منذ زمن بعيد· لضمان وصول الحقيقة الكاملة عن هذه الفئة إلى الأممالمتحدة ..الفدرالية تؤكد تقديم تقرير موازي لتقرير الجزائر الرسمي حول وضعية المعاقين كشفت رئيسة الفدرالية الوطنية للمعاقين، عتيقة معمري، عن تقديم الفدرالية تقريرا موازيا للتقرير الذي سترفعه الجزائر إلى لجنة ترقية حقوق المعاق التابعة للأمم المتحدة مطلع 2102، حول وضعية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، حسب ما تنص عليه الاتفاقية الدولية لترقية حقوق المعاقين التي صادقت عليها الجزائر في ماي 9002· وركزت السيدة معمري على أن هذا التقرير سيتم في إطار قانوني ''ولكن بعيدا عن الدوائر السياسية حتى يتمتع بمصداقية أكبر، خاصة وأننا نعلم أن التقرير الذي ستحرره الجهات الحكومية سيركز على إنجازاتها أكثر من المشاكل التي يتخبط فيها المعاق''، مضيفة: ''قبل صياغة الجهات الحكومية للتقرير من المفترض أن تناقش تطورات وضع المعاق مع جميع الأطراف والوزارات ذات الصلة بالموضوع وأولها وزارة المالية، لكن تم طلب إرسال تقارير فقط استثني منها العديد من الوزارات لها ثقلها دون مناقشة محتوى هذه التقارير للتوصل إلى صياغة تقرير شامل''· وقالت المتحدثة إنه تم تنصيب أربعة لجان على مستوى الجمعيات المتواجدة بالعاصمة تتمثل في لجنة المرأة والفتاة المعاقة ولجنة ذوي المشاكل في النخاع الشوكي ولجنة مرضى الضمور العضلي ولجنة أولياء الأطفال المعاقين، في انتظار تعميم تنصيب فروع هذه اللجان في الجمعيات التي تعمل بالتنسيق مع الفدرالية المتواجدة في باقي ربوع الوطن· وأضافت المتحدثة إن عمل هذه اللجان سيكون بالتحقيق في وضعية المعاقين في كل بلدية وولاية تتواجد بها والاحتكاك بالمعاقين والاستماع إلى انشغالاتهم ووضع اقتراحات، مشيرة إلى أنه تتم صياغة كل تقرير على حدة، وبعد دراسة التقارير يتم إعداد تقرير شامل يتوافق وبنود الاتفاقية الدولية لترقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة· من جهة أخرى، أعلنت المتحدثة عن الانطلاق في دراسة النصوص القانونية المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة في الجزائر ومقارنتها مع بنود الاتفاقية الدولية، وستكون هذه الدراسة بمثابة قاعدة بيانات توجه إلى كافة قطاعات الدولة ننطلق من خلالها للحديث على حقوق المعاق·