يعرف الكثيرون من قراء كتب التراث العربي، أن عدداً معتبراً من المؤلفين كانوا يؤلفون كتباً ملحقة بكتبهم الرئيسية ويدونونها على هامش تلك الكتب الرئيسية· وكثيراً ما نكتشف نحن قراء التراث أن بعض كتب الهامش تتفوق في أهميتها - من وجهة نظرنا- على كتب المتن· ويبدو لي أن حركة الهامش نحو المتن في بطون الكتب صارت جزءاً من النص الاجتماعي وصنعت حراكه ومشهده العربي منذ حركة الشباب المهمشين في تونس الذي يصنع اليوم في كل عاصمة عربية ساحة للتحرير· والمثير في حركة المهمشين العرب من تونس ومصر واليمن وغيرها أنها تقدم لنا عدة ملاحظات متوازية· 1- سرعة الاستجابة من المحيط إلى الخليج لحركة المهمشين التونسيين· 2- سرعة اهتزاز النظام العربي المخيف، وانكشاف حقيقته كنمر من ورق، لم يعد له أي مستقبل، حتى وإن شرب حليب السباع، فقد قال هذا الشباب له: أيها السبع إن فمك منتن· 3- افتضاح تاريخي مذل لرأس المتروبول الدولي ونفاقه المزمن، حيث سارعت وزيرة خارجية أمريكا إلى ميدان التحرير في القاهرة وإلى تونس تطلب رضا الشباب المهمش وترتب أوراقها معها وسارعت إلى انتقاء التدخل السعودي والخليجي في البحرين· كما سارعت فرنسا إلى ترتيب عودتها إلى إفريقيا، وبذلك ظهر للعلن جزء من اختلافات دول المتروبول وتنافسها حول أسلوب التهام الوطن العربي· 4- كما لاحظنا أن حركة الشباب المهمشين العرب أعطت دول الجوار مثل إيران وتركيا لترتيب أوراق مستقبلها في المنطقة· 5- كما نلاحظ سقوط الرهان الإسرائيلي على النظام العربي لحماية الكيان الصهيوني، وكذلك الرهان على الدول الكبرى· فالصحف الصهيونية بدأت تتحدث عن رهانها الوحيد الذي تملكه وهو الجيش الإسرائيلي، مما يعني أن حروباً قادمة تشنها إسرائيل على المدنيين العرب وتحويل العواصم العربية إلى غزة أخرى لم تعد سوى مسألة وقت· أي أن إسرائيل في طريقها إلى الانتحار· هذا بعض ما فعله الهامش في المتن، مع أن حركة له غلبت عليها العفوية، ولم ينفع النظام العربي والدولي محاولاته في الاستفادة من أخطاء هذه العفوية وتحويلها إلى أوراق بيده ضد هؤلاء المهمشين· وأعتقد أن على جميع أصحاب الفكر السياسي في الوطن العربي وفي العالم، إعادة قراءتهم للمهمشين العرب واكتشاف عناصر قوة الهامش الاجتماعي في هذا العصر·· وستكون قراءتهم موحية إذا ما تذكروا أن الشعب الجزائري هو الذي أعطى عام 1988 لمفردة ''مهمش'' محتواها السياسي·