تشهد الساحة الأدبية الجزائرية ركوداً محسوساً فيما يتعلق بحركية كتب السيرة الذاتية، عدا تلك التي تتعلق بسيرة المجاهدين والذين عايشوا الثورة التحريرية المجيدة، وهذا ما لمسناه ونحن نتجول بين مختلف المكتبات المتواجدة ببعض أحياء ديدوش مراد والبريد المركزي، مما دفعنا إلى البحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ندرة كتب السيرة الذاتية من رفوف مكتبات العاصمة أكد بعض الناشرين الجزائريين الذين اتصلت بهم ''الفجر''، بغرض الحصول على إجابات شافية، حول غياب كتاب السيرة الذاتية من رفوف المكتبات، أن السبب الأول والأخير هو أن أغلب الطلبات التي تقدم للناشر بخصوص طبع كتاب ما، تكون إما كتب تربوية أو كتب أدبية، ولكن هذا لا يعيني بالضرورة غياب كتب السيرة الذاتية بالجزائر، لأننا لو عدنا إلى السنوات القليلة الماضية لوجدنا بأن هناك عددا معتبرا من الكتب التي تندرج ضمن جنس السيرة الذاتية، خاصة التي تتعلق برجال السياسة والثوريين· ولعل أهم كتاب يندرج في إطار السيرة الذاتية هو الكتاب الموسوم ب''أنا وهو و هم''، للوزير السابق محي الدين عميمور، الصادر سنة ,2007 عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، والذي قدم فيه شهادة للتاريخ من خلال تسليطه للضوء على مسار وشخص الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد، وأكد لنا عدد من المكتبيين الذين التقينا بهم أن هذا الكتاب بالتحديد لازال الطلب عليه لحدّ الساعة بكثرة، لكونه يشكل مرحلة مهمة من مراحل التاريخ الجزائري الذي رصدته ذاكرة الوزير السابق والشاهد على مرحلة معينة من تاريخ الجزائر محي الدين عميمور، رغم أن هذا الكتاب تعرض لانتقاد كبير من طرف المتتبعين، بحجة أن عميمور ''كتب عن نفسه ولم يكتب عن الرئيس''، ومع ذلك فإن الباحث عن الكتاب بعد حوالي 4 سنوات من صدور الطبعة الأولى له لن يجد له أي أثر في المكتبات· أهل النشر أدرى بشعابها قالت سلمى هلال، من منشورات البرزخ'' بالجزائر، إنّ الدار منذ نشأتها حاولت جاهدة الحصول على هذا النوع من الكتب التي تلقى رواجاً كبيراً في مختلف معارض الكتاب سواءً الوطنية أو الدولية، لما لها من أهمية كبيرة بالنسبة للطلبة الجامعيين والباحثين والقراء على حدّ سواء، لكنها أكدت على تقصير''البرزخ'' في نشر هذا النوع من الكتب؛ حيث لم تصدر لحدّ الساعة إلا كتاباً واحداً للثوري والسياسي آيت حمد الحسين، الموسوم ب''روح الاستقلال''، وهو كتاب يحكي فيه عن مذكراته ومذكرات جيل الثورة التحريرية المباركة، التي خاضها وهو طالب في إحدى ثانويات العاصمة وبالتحديد في منطقة بن عكنون، لتمتد إلى مناطق أخرى في الوطن، بعدما أصبح عضوا في اللجنة المركزية، ثم مسؤول جناحه العسكري السري للمنظمة الخاصة، وصولاً إلى مشروع المصالحة الوطنية التي شارك في اجتماعاته التي احتضنتها روما سنة .1995 وإن كانت منشورات ''البرزخ''، قد تركت بصمتها في عالم السيرة الذاتية بكتاب واحد، فقد حاولت دار''القصبة'' أن تترك بصمتها الواضحة في المشهد الأدبي الجزائري، من خلال كتب السيرة الذاتية وخاصة تلك المتعلقة بالتاريخ، حيث نجد أنها وعلى مدار العشر سنوات الماضية، طبعت ما يزيد عن 115 عنوان، يندرج ضمن السيرة الذاتية والخاصة تلك التي تتعلق بالتاريخ الجزائري والثورة الجزائرية، وهذا ما أكده ل''الفجر''، مصطفى ماضي الذي صرح بأن منشورات القصبة تركت بصمتها الكبيرة في مجال الكتاب التاريخي والسيرة الذاتية، خاصة في السنوات الأخيرة التي تشهد حركية محسوسة في ميدان كتابة السيرة الذاتية، وعلل هذا البروز الواضح لكتب السيرة الذاتية في الجزائر إلى كون هامش الحرية الكبيرة الذي أصبح يتمتع به المواطن الجزائري، مكنه من أن يكتب مذكراته ويروج لها، مادامت لا تمس بأهداف ومصالح الدولة· وأضاف ذات المتحدث أن منشورات القصبة ارتأت، في ظل غياب كتاب للسيرة الذاتية في فترة من الفترات، إلى اللجوء لترجمة أهم كتب السيرة الذاتية التي كتبها الشاهدون على تاريخ الثورة الجزائرية المجيدة، خاصة من الفرنسيين؛ حيث تشهد الساحة الفرنسية الأدبية أسبوعياً ميلاد ما لا يقل عن كتابين يتناولان مسار الثورة التحريرية الجزائرية، لهذا فقد أولت القصبة اهتماماً كبيراً بهذا الجانب من أجل توفير هذه الإصدارات في الساحة الثقافية الجزائرية، وللمثقف والباحث الجزائري''، ولعل أهم كتاب راهنت وترتهن عليه ''القصبة'' في مكتبات الجزائر هو مذكرات المفكر والداعم الأول للثورة الجزائرية ''فرانسيس جونسون'' الذي حقق مبيعات كبيرة في الجزائر، حسبما أكده ل''الفجر'' بعض المكتبيين الذين وقفنا عندهم لمعرفة أهم الكتب التي تلقى رواجاً في المشهد الثقافي الجزائري باعتبارهم أهل الاختصاص· من جهتها ستدعم الساحة الأدبية الجزائرية بداية من الأسبوع القادم، بمذكرات الوزير السابق خالد نزار، الذي سيشرف على إطلاق الكتاب بداية من الأسبوع القادم رفقة عدد من الإعلاميين· الكتاب هذا هو عبارة عن مذكرات ارتأى اللواء خالد نزار، أن يخرجه إلى الساحة بعد الأحداث الأخيرة التي ظهرت بين الجزائر ومصر، خاصة من الجانب المصري الذي تفنن بعض المحسوبين على قطاع الإعلام في إهانة رموزنا الثورية، حسبما صرح به خالد نزار منذ أيام في بعض وسائل الإعلام الوطنية· وبين جدلية الناشر الذي يبحث عن الكتب التي تستهوي القارئ، والمكتبي الذي يبحث على الربح السريع، يجد الباحث في العديد من المرات نفسه يدور في حلقة فارغة، نتيجة لغياب أغلب تلك الكتب التي تقول بعض مؤسسات النشر عندنا إنها قد طبعتها· لكن السؤال الذي يفرض نفسه علينا·· أين هي تلك الكتب ما دامت غائبة من رفوف مكتباتنا؟ وإن كان الناشر يطبع ويترك الكتب داخل مستودعاته فما جدوى طبعها ما دامت لا تصل إلى الشريحة التي تبحث عنها، والتي أغلبها تكون من فئة الطلبة والباحثين الجامعيين؟· في الختام يمكننا أن نقول إن هذه الإطلالة السريعة على بعض مكتباتنا الوطنية كمكتبة ''الراشدية''، ومكتبة''ابن خلدون''، و''مكتبة الأبيار العامة''، وغيرها من المكتبات العريقة في الجزائر، جعلتنا نكتشف أن بعض سياسة النشر في الجزائر لازالت تعاني من الركود، الذي يأمل القارئ الذي صادفناه في مختلف المكتبات التي وقفنا عليها، أن تتغير ونحن في مطلع السنة الجديدة· وبين جدلية الناشر الذي يبحث عن الكتب التي تستهوي القارئ، والمكتبي الذي يبحث على الربح السريع، يجد الباحث في العديد من المرات نفسه يدور في حلقة فارغة، نتيجة لغياب أغلب تلك الكتب التي تقول بعض مؤسسات النشر عندنا إنها قد طبعتها·