عن الكتابة وشؤونها، عن اللحظة في الكتابة والحاجة إليها، وعن الفصل الذي يلهم المبدع في مواصلة فعل الكتابة، عن الرقابة الذاتية واستحضار المتلقي أثناء الكتابة ذاتها، وعن تعريف الكتابة·· كان لنا نص هذا الحوار مع الشاعرة والإعلامية السورية غالية خوجة· ماذا تكتب، غالية خوجة، الآن··؟ ليست الكتابة فقط أن نخط، بل الكتابة تمتد لتشمل التأمل والاستقراء والتبصر، وهناك، في اللامسافة، مقام آخر للأبجدية، ولذا، فأنا والحمد لله، في حالة كتابة دائمة، تدفع الأسئلة إلى التساؤل، والاحتمالات إلى ما فوق الاحتمالات، مما يجعلني واللغة، كوناً حائراً محيراً، أو نصاً لا يقبل التشكلات، ويظل يتسع لتضيق عليه الكتابة واللغات والأبدية. إلى أي حد يسعفك هذا الفصل في الكتابة··؟ زمن الكتابة لديّ، زمن مكثف، لا يرتبط بأي حال من الأحوال، بفصل أو موسم أو طقس، ولذا، فإن زمان ما قبل الزمان، بمفهوم ما، هو زمان ما بعد الزمان، ويلتقي في نقطة التكوين الممتدة في تأويلات اللابداية واللانهاية. أي فصل من فصول السنة يلهمك أكثر؟ ما يلهمني هو قلقي الإبداعي المغير من الإغارة دائماً على الفصول والسنين، حارقاً ما تسمونه الفصول، أو السنوات، أو اللحظات الفيزيقية، أو.. مشتعلاً بطريقة مختلفة من الماء والعشب والغيم والعناصر الخفية للعالم اللامرئي. أي شعور يعتريك عندما تنهين نصك؟ ذات الشعور الخارج عن أي توصيف ما قبل بداية النص، أثناءه، ولحظة انتهائه، التي لا تنتهي.. شعور بالكشف والمسؤولية والقبض على التجليات الغائبة من الروح والكون والطبيعة والمعنى والإنسان والأعماق المتخامرة بالنزوح نحو مجهول لا يلبث أن يعتريه الخوف من مجهولي. وأنت تكتبين هل تستحضرين المتلقي؟ وأنا أكتب.. لا أستحضر حتى نفسي أو ذاتي، تلك حالة من التماهي، تخرج عن كل الجاذبيات المألوفة الذاتية والموضوعية والأرضية، لتدخل في طور طِباقي، يتخذ من النابذة عالمه المضاد، فيحولها إلى جاذبة، ثم يختلف معها، يتمرد على كل مألوف كي لا يستمر في اختلافه المعتاد.. وكما النار لا تستحضر ذاكرة جمراتها، أو نسيانات رمادها، تتخذ رمائمي هيئة لغة تظل قيد التكوين والقراءة، واثقة من أن كل متلق سوف يجد (أناه) في نصوصي، لأن أنايَ ليست أنايَ بل هي (أنا النحن).. هل تمارسين نوعا من الرقابة على ذاتك وأنت تكتبين؟ فطرتي تأبى أن أكتب ما هو غير جميل، ومفيد، وأبدي، لذلك، فإن ألجيناتي الكتابية، وبفطرتها، تنزح نحو القيم الأخلاقية الرفيعة، التي برمجها الله في كل منا، لكن، ربما لم يطورها كل منا نحو الارتقاء المنشود.. والجماليات الإبداعية، إن جاز هي رقيبي الأخلاقي المضاف، لأن لغتي تأبى النقصان بكل مستوياته، وتنزح إلى رقابة السعي إلى الكمال، وهذه، تظل هواجسي، وهواجس هواجسي، فليساعدني الله على ذلك. إلى أي حد تعتبرين الكتابة مهمة في حياتك؟ الكتابة حياتي ومماتي ورمائمي جمع رميم وهي قبري ونشوري وقيامتي التي آمل أن تكون من ضوء ونور وطيب وكوثر.. لستُ إلا الكتابة، والكتابة ليست إلا أنا. الكتابة·· ما تعريفك لها؟ الكتابة تعريف بلا تعريف، لأنها (إقرأ)، تلك (الكلمة/ الروح) التي وهبنا إياها الخالق، وهي (كنْ) التكوين، الهائمة في برازخ النور الخالد. إلى أي حد أنت راضية عما كتبت؟ الرضى عن أية كتابة أو فعل هو موت، تحنيط، تصخر وتصحّر. وبتكويني، أشعر بأنني مضادة للرضا، حيث لا فرق بيني وبين الكتابة إلا في أن نرتقي ونتراءى، ونشكك بأننا لم نبدأ بعد، مهما وصلنا، فهذا يعني أنني لا أرضى، ولن أرضى، لكنني موقنة بجزم حاد، وثقة لا تنافسها الأزمنة القادمة، إلا أنني أتابع مشروعاً ثقافياً يتابعني، أشبهَ برسالة، تحتاج إلى عزم وصبر وشهادة، خاصة، في زمن مصاب بالمادة والتسليع وانقلاب الأمور، زمن مصاب بخداع ضمائري، يرى الأسود أبيض، والأبيض أسود.. تلك حالة الحدوس، وتلك رغبة الشموس، فمن أي نص ستبدأ، شطحاتِها، طقوسي، لتختلف مجدداً مع جميع الطقوس؟ عادة هل تعيد قراءة ما كتبت قبل اتخاذك لقرار النشر؟ لا أعرف.. لأنني غالباً، ما أكون خارج الزمكانية، داخل الرؤى، حيث طريق عمودية إلى السماء، طريق بلا رجعة. وأتوقع، بأنه يحق لي، أخيراً، أن أتساءل: لماذا أسئلتك تقليدية؟ وأين السؤال الزلزالي الذي يبركن الأعماق؟