لعل أكبر تحدٍ يواجه حكّام ليبيا الجدد، قبل إعادة تأسيس الدولة المفككة، هو السلاح بمختلف أنواعه· فرغم ''اعتقاد'' البيت الأبيض الأمريكي بأنه تم لحد الآن تدمير آلاف أنظمة الدفاع الجوي المحمولة، إلا أن كمية الأسلحة التي في معظمها خارج السيطرة لا يكاد يشملها الحصر، إلى درجة أن أحد المسؤولين الكبار في المجلس الانتقالي قال إنها كافية لتسليح خمس دول كاملة· وقد نسب إلى مسؤول أمريكي رفيع قوله إن ''الولاياتالمتحدة وحلفاءها بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يرون ضرورة التحرك بشكل عاجل لمنع وقوع الصواريخ المضادة للطائرات التي تطلق من على الكتف في ليبيا في أيدي جماعات مسلحة، الأمر الذي يهدد الطيران المدني''· لقد أكدت السلطات الأمريكية، في يوم إعلان مقتل العقيد معمر القذافي، أن آلاف أنظمة الدفاع الجوي المحولة تم تدميرها بالفعل، وأنها تعمل مع حكّام ليبيا الجدد على تأمين المواد الخطيرة ضمن المخزون الاحتياطي الذي كان يمتلكه النظام المنهار، ومن شأن تلك النوعية من الأسلحة إن وقعت في ''أيدي خاطئة'' -كما قال- أن تحدث مشاكل كبيرة، وتشكل تهديدات كبيرة على أمن المنطقة ككل· وحسب البيت الأبيض الأمريكي، فإن الولاياتالمتحدة قدمت ثلاثة ملايين دولار في شكل مساعدة للمجموعة الاستشارية للألغام ومؤسسة سويسرية لنزع الألغام من أجل مسح الخنادق وإزالة الذخيرة التي تحتويها، وتدمير أسلحة الدفاع الجوي الخطيرة هناك· ولعل أخطر الأسلحة على الإطلاق هي أنواع من الأسلحة الكيمياوية التي كان يعمل على تصنيعها النظام السابق، ورغم إعلانه عن التخلص منها إلا أنه لم يفعل ذلك بشكل تام ويخشى من أن يتسرب البعض منها، مما يجعل الخطر يتضاعف على المنطقة كلها· إنه التحدي الأكبر الذي لو لم يتم، فإن أي مجهود لإنشاء دولة مركزية جديدة يبقى رهينة المجموعات التي تمتلك تلك الأنواع من الأسلحة وبإمكانها قلب الطاولة في أي وقت وإدخال البلاد في حرب أهلية والمنطقة ككل في حالة فوضى· نهاية معركة سيرت وبداية الصراع على السلطة غداة سقوط العاصمة الليبية طرابلس بين يدي ثوار 71 فيفري، أعلن عن قرب تشكيل حكومة انتقالية بقيادة محمود جبريل، لكن الحكومة لم تتشكل رغم مرور المهلة الأولى والثانية، وجاءت معركة آخر حصون القذافي في سبها وبني وليد وسيرت لتعطي مهلة جديدة لأطراف المعادلة الجديدة، حيث نشب صراع علني على السلطة بين علي الصلابي القائد الإخواني، وممثلي ''التيار العلماني'' على غرار محمود جبريل ومحمود شمام وعلي الترهوني، وبعض وجوه الجماعة الليبية المقاتلة (الجهادية) ممثلة في عبد الحكيم بلحاج قائد معركة طرابلس من جهة أخرى· ومع تزايد تحدي بني وليد وطرابلس الذي كان ينذر بعودة قوية لقوات القذافي، والتي بلغت مداها عندما انتقل الصراع بشكل مفاجئ إلى العاصمة طرابلس، كان البعض من الفرقاء يتمنى أن يطول الصراع مع بقايا النظام السابق حتى يغطي على العجز في الاتفاق على حكومة انتقالية ترضي الجميع من شأنها أن تؤدي إلى انتخاب مجلس تأسيسي يفضي إلى كتابة دستور جديد للجمهورية الليبية المستقلة· لقد وقعت الواقعة، وانتهت معركة سيرت بشكل مفاجئ ومع إنهائها سقطت الكثير من الرؤوس التي غادرت المشهد بشكل نهائي على غرار أبو بكر يونس وزير الدفاع الذي قتل والعقيد معمر القذافي الذي قتل كما قتل نجله معتصم ويبقى مصير نجله الآخر سيف الإسلام غامضا وهو الأمر الذي ينطبق على الرجل القوي في نظام القذافي السابق وهو عبد الله السنوسي الذي قيل بأنه فر إلى النيجر· إنها نهاية تراجيدية لنظام القذافي الذي انتهى بشكل عملي، لكن انتهاءه يفترض أن يتبع بتأسيس حكومة انتقالية ترضي مختلف الأطراف، غير أن الصراع الذي نشب عند نهاية معركة طرابلس من شأنه أن يتجدد مرة أخرى، ولا يوجد هذه المرة ''عدو'' مشترك يمكن أن يوحد مختلف الأطراف ضده· إلى أن دقت ساعة الحقيقة، وليبيا في أخطر منعرج لها، فإما الذهاب إلى دولة مدنية جديدة، أو النزول إلى حالة التفكك والفوضى على الطريقة الصومالية والأفغانية، والكرة بيد مختلف الأطراف الداخلية والجهات الخارجية التي تقف وراء هذا الطرف أو ذاك·