أثار الظهور المفاجئ لما يعرف ب”التيارات الإسلامية” في بعض البلدان العربية التي شملتها ”رياح التغيير” في ظل ”ثورات الربيع العربي”، العديد من الأسئلة لدى المفكرين والباحثين الذين أعطوا تفسيرات مختلفة ل”الظاهرة الإسلامية الجديدة”· ورغم أن ”الإسلاميين” لم يكونوا وراء إسقاط أنظمة ظلت لعقود، رمزا ل”الديكتاتورية” و”قمع الشعوب” على غرار ما حصل في ليبيا ومصر، وقبلها تونس واليمن، إلا أنهم تمكنوا من الحصول على المقاعد الأولى في الانتخابات، رغم أن أولئك ركبوا موجة ”الثورة” بعد نجاحها· وأورد تقرير ل”الجزيرة”، أن الكثير من القادة الغربيين يرون أنه لا خوف من ”صعود الإسلاميين”، وأن العواصمالغربية مستعدة للتعامل معهم، إلا أن ”عقدة الإسلاميين” لا تزال متجذرة لدى بعض المراقبين· وضمن هذا الإطار، توالت الكتب والأبحاث حول ”الثورات العربية” لفهمها وفحص أسبابها واستشراف آفاقها، واستفادة ”الإسلاميين منها”· وفي فرنسا مثلا، صدر خلال شهر واحد كتابان حول الموضوع·، حيث جاء الأول بعنوان ”حرب الآلهة·· الجغرافيا السياسية للأديان” وصدر عن دار ”عالم جديد” للكاتب أمير أسلاني المحامي بمحكمة باريس والمستشار لعدد من المقاولات الفرنسية والأجنبية، وهو يمثل عددا من الدول في العالم في مجال الحق العام الدولي· أما الكتاب الثاني فهو ”التسونامي العربي” الصادر مؤخرا عن ”دار فايار” للمؤلف ”أنطوان بسبوس”، وهو مؤسس ومدير مرصد البلدان العربية· ويستعرض الكتاب الأول العودة المتصاعدة للعامل الديني في السياسات الوطنية والدولية أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، الأمر الذي حدا بكثير من الدول إلى إدخال هذا المعطى في سياساتها الخارجية بعدما ظل مهملا بحكم علمانيتها، كما هو الحال مع فرنسا· ويرى الكاتب، وفق تقرير ”الجزيرة”، أن الثورات العربية الحالية أنتجت مناخا سياسيا جديدا متحررا، فالانتخابات لا تقود إلى هيمنة ”الإسلاميين المتطرفين”، بل على العكس؛ تلزم الجميع بالتوافق على مسألة الديمقراطية والتناوب، وشعار ”الدولة الإسلامية” لم يعد مرفوعا· ويتساءل في الفصل الأول عن فكرة صدام الحضارات، وهل ما تزال قائمة، دون أن يقدم جوابا على السؤال، وهو يستعرض كيف ولدت مواقف الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة باراك أوباما· وفي السياق ذاته، ألح ”الحراك العربي” وثوراته بقوة على الكاتب، فلا يستطيع إخفاء تخوفاته من صعود ”الإسلاميين” عبر صناديق الاقتراع الديمقراطية إذا أجريت الانتخابات، ويقدم الوصفة المناسبة لإيقاف ”الخطر الإسلامي” تجمع بين الاقتصاد والديمقراطية، خاصة أن الحركات الثائرة في معظمها بلا قائد ولا إيديولوجية ولا مثال، وهي، كما يقول ”مجتمعات تبحث عن ذاتها، وهي في حاجة إلى الوقت كي تجد المطلوب، كما يقول جوزيف مايلا”، لكنه في الفصل الأخير يعود إلى فكرة الصدام·
ويخلص المؤلف إلى أن عودة العامل الديني بقوة ليست خاصة بالعالم الإسلامي وحركاته، بل إن العالم الغربي نفسه – رغم تواري الالتزام الديني لطغيان الفردانية والتعددية معا- يشهد اعتصاما بالدين في أوقات الأزمات الكبرى يتخذ طابع الشعبوية اليمينية·
من ناحية أخرى، يقسم كتاب ”التسونامي العربي” البلدان المتأثرة ب”الثورات العربية” إلى شعوب تبحث عن مستقبل، وهي ستة في نظره، تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والسعودية، ودول تتشكل من جديد وهي الجزائر والمغرب وإيران وتركيا وحتى إسرائيل· ويكشف الكاتب منذ الصفحات الأولى، عن تخوفه من استفادة ”الإسلاميين” من ”ربيع العرب” والانتقال إلى دولة دينية·
ويقول في المقدمة ”لا تزال حرية الشعوب مجرد وعد، غير أن تطلعاتهم العامة ليست تطبيق الشريعة ولا التعبئة ضد إسرائيل أو الصهيونية أو الإمبريالية الغربية، والفتيان الثائرون أبعد ما يكونون عن القيم والمطالب الإسلامية، غير أن الإسلاميين ما إن تأكدوا من نجاح الثورة حتى التحقوا بها بغية وضع اليد عليها”· ولا يكتفي الكاتب بهذه الافتراءات على الثورات العربية و”الإسلاميين”، بل يزيد في مغالطة الرأي العام الغربي والفرنسي، فيذكر أن المجتمعات العربية كانت تعاني من ثلاثة ”طابوهات” تكبلها·· اجتماعي هو العيب، ومؤسساتي هو الممنوع، وديني هو الحرام، وأنها اليوم سائرة نحو تحطيمها· ومع أن الكاتب يقر بأن التنظيمات الإسلامية هي الأكثر تنظيما والأعمق تجذرا في مجتمعاتها، فإنه يشكك فيها وفي قدرتها على قيادة شعوبها إلى ديمقراطيات حقيقية، ”فتونس لن تكون هي الدانمارك”، على حد تعبيره·