شُيِّع، أمس، جثمان الفنان القبائلي الأسطورة شريف خدام في مقبرة مسقط رأسه بقرية بومسعود ببلدية إمسوحال بولاية تيزي وزو في جو جنائزي مهيب، بحضور الآلاف من المواطنين وأصدقاء المرحوم والفنانين ووالي الولاية ومنتخبين محليين رافقوا دا شريف إلى مثواه الأخير· وقد كان في استقبال جثمان الفقيد مسؤولون سامون في الدولة وعلى رأسهم وزيرة الثقافة خليدة تومي وفنانون وأصدقاء المرحوم ومحبوه الذين توافدوا إلى مطار هواري بومدين· الساعة كانت تشير إلى الثالثة وأربعين دقيقة بعد الزوال عندما انطلقنا من تيزي وزو نحو مطار هواري بومدين لاستقبال جثمان دا شريف، وصلنا في الساعة الخامسة مساء، لم نجد أية صعوبة للدخول إلى رصيف نزول الطائرات بمطار هواري بومدين الدولي بالرغم من الإجراءات الأمنية المشددة، فبمجرد إخبار أعوان الشرطة بمهمتنا، سمحوا لنا بالمرور وفتحوا الطريق، وكل شيء كان يوحي أن المغني والملحن شريف خدام يلقى احترام الجميع· فنانون وسياسيون ونقابيون ومواطنون في استقبال جثمان شريف خدام بمطار هواري بومدين انتابنا شعور غريب خلال وصولنا إلى واجهة القاعة الشرفية لمطار هواري بومدين الدولي، امتزج بين الشك والحيرة، لأننا وجدنا عددا لا يتجاوز العشرين شخصا من الشخصيات والمواطنين الذين ينتظرون وصول جثمان الفقيد· وفي حدود الساعة الخامسة ونصف بدأ الفنانون والمحبون والمسؤولون يتوافدون بأعداد هائلة إلى عين المكان، حيث التحق الفنان القبائلي القدير كمال حمادي الصديق العزيز والوفي لشريف خدام، علما أنهما قضيا 55 سنة معا وكان برفقة الباحث في مجال أغنية الشعبي عبد القادر بن دعماش والفنان القبائلي بلعيد ثاقراولا وآخرين، و5 دقائق بعد ذلك ظهرت وزيرة الثقافة خليدة تومي رفقة بعض طاقمها الوزاري، وبعدها ب10 دقائق أصبح المكان يعج بالشخصيات الفنية والموسيقية والسياسية والمحبين وأصدقاء الراحل، حيث وصل مدير القناة التلفزيونية الرابعة الناطقة بالأمازيغية سعيد العمراني، والأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي سعيد، والبرلمانيين جلول جودي ويوسف تاعزيبت من حزب العمال، حيث اكتظ المكان عن آخره· وفي الساعة السادسة التحق بعين المكان والي ولاية تيزي وزو عبد القادر بوازغي، وكذا العشرات من المواطنين والمحبين، وبعد ذلك بربع ساعة وصل وزير العمل الطيب لوح والفنان حميد وماسي وآخرون· ولمسنا في ملامح الحاضرين اختلاط مشاعر الحزن من فقدان أغلى ما تملكه الأغنية القبائلية والجزائرية شريف خدام ومشاعر الفخر والاعتزاز بهذا الفنان الذي صنع تاريخ الأغنية الأمازيغية وأخرجها من نطاقها المحلي إلى الوطني وبعدها إلى العالمي وكان مدرسة موسيقية أنجبت فنانين أمثال آيت منقلات ومليكة دومران··· وصول جثمان دا شريف·· صمت وبكاء الساعة كانت تشير إلى السادسة مساء عندما وصلت الطائرة التي أقلت جثمان شريف خدام إلى مطار هواري بومدين الدولي، حيث دخل الوزراء والمسؤولون والفنانون والمواطنون إلى رصيف نزول الطائرة مشكلين صفا طويلا، وبعد 20 دقيقة أطل على الحاضرين جثمان الفقيد بعد إنهاء إجراءات استلام الجثة، حيث ظهر مدير الثقافة ولد علي الهادي وممثل وزيرة الثقافة سليمان حاشيد اللذان تكفلا بنقل الجثمان من فرنسا، وكان برفقتهما حرم المرحوم وأبنائها، وبعدها ظهرت، فرقة من الحماية المدنية تحمل تابوت شريف خدام، وفي هذه اللحظة بكى الحاضرون، ليتم نقل الجثمان مجددا إلى سيارة إسعاف لنقله إلى قصر الثقافة وبعده إلى منزل الفنان بأعالي بوزريعة، واغتنم الحاضرون الفرصة لتقديم تعازيهم الخالصة لحرم الفنان وأبنائه· كمال حمادي يبكي شريف خدام بعد 55 سنة من الصداقة اغتنمنا فرصة تواجدنا بمطار هواري بومدين لرصد إحساس الفنان القدير كمال حمادي الذي أبى إلا أن يحضر لاستقبال جثمان أحد أعز أصدقائه، وقال بحزن شديد ''الساحة الفنية الجزائرية عموما والقبائلية خصوصا فقدت أبرز شخصية فنية وموسيقية''، قبل أن يضيف ''شريف خدام فنان مكتمل درس الموسيقى من قلبه وأحاسيسه وتعامل مع أكبر وأشهر الفنانين والموسيقيين في العالم، ونجح في تطوير الأغنية الأمازيغية وعصرنتها، لذا أعتبره مدرسة موسيقية''· وفيما يخص صداقته مع شريف خدام، أكد كمال حمادي أن علاقة أخوة وصداقة وعمل ربطتهما معا لأكثر من خمسة عقود ''إنه من الصعب جدا أن أتقبل اليوم رحيل صديق عزيز عليّ، كنا معا طيلة 55 سنة''، مضيفا ''شريف يتميز بخصال فريدة من نوعها، صفاته هي البساطة والتواضع، فهو إنسان صريح وصادق ويحب الخير والحياة''· أما نجاح شريف خدام في مشواره الفني، فقد أرجعه كمال حمادي إلى حنكته وجديته في العمل وتفانيه في تحدي الواقع والمرض ''نجاحه لم يأتِ هكذا فقط، بل كرس حياته للفن والموسيقى واستطاع أن يكون مجموعة من الفنانين القبائليين وأتمنى من الجيل الجديد أن يأخذ المشعل ويسلك طريق شريف خدام'' وأنهى كلامه ب ''أدعو له بالرحمة والجنة''· خليدة تومي: شريف خدام كرّس حياته للفن ورفض مستحقاته المادية كمجاهد قالت وزيرة الثقافة خليدة تومي على هامش تواجدها بالمطار الدولي هواري بومدين لاستقبال جثمان الفنان شريف خدام، أن هذا الأخير فنان عظيم وهرم من أهرام الموسيقى الجزائرية والعالمية ''أنا أعتبر شريف خدام أكثر من فنان بل مدرسة عريقة''، مضيفة أنه كرس حياته لأجل أن يخرج الأغنية والموسيقى الجزائرية إلى العالمية، فحقيقة من الصعب على أي فنان أن يصل المستوى الذي وصله شريف خدام· وذهبت إلى أبعد نقاط الفن، حيث كشفت أن شريف خدام مجاهد ناضل إبان الثورة التحريرية من أجل أن تحيا الجزائر ''كان مجاهدا يتكفل بجمع الأموال بفرنسا في صفوف فيدرالية جبهة التحرير لمساندة الثورة ماليا، وبعد الاستقلال دخل إلى الوطن رفقة كمال حمادي ليخدم الوطن في الفن والموسيقى''، لتضيف ''العديد من أصدقاء شريف خدام طالبوه بإنجاز ملف للحصول على مستحقاته المادية وبعض الامتيازات كمجاهد، لكنه رفض ذلك بصفة مطلقة، وفي كل مرة كان يصرح أنه خدم البلد وناضل من أجل الحرية والاستقلال ولم يجاهد من أجل أن يكسب المال ولا الماديات''· وختمت الوزيرة كلامها بعبارة ''أتمنى أن نكون فقط أوفياء لرسالة شريف خدام من باب الحفاظ على موروثه الفني وشخصيته الفنية والتثمين وسنعمل لأجل أن يكون قدوة لشبابنا''· آلاف المواطنين يشيعون جنازة دا شريف في جو جنائزي مهيب وشيعت جنازة دا شريف في مقبرة قريته قرب والده بعد أن طالب بأن يدفن فيها في جو جنائزي مهيب وحزين، وحضر الجنازة الآلاف من المواطنين من كل الأعمار ومن الجنسين الذين توافدوا من كل أرجاء منطقة القبائل وكذا من عدة ولايات على غرار العاصمة، وهران، سيدي بلعباس، عنابة، قسنطينة، إلى جانب شخصيات فنية وموسيقية وسياسية عديدة، ووالي ولاية تيزي وزو وبرلمانيين ومنتخبين محليين ومسؤولين أمنيين رافقوا دا شريف إلى مثواه الأخير· فمنذ، صبيحة أمس، تحولت قرية بومسعود التي تزينت بصور شريف خدام إلى قبلة للآلاف من المواطنين، حيث استحال الوصول إلى مقبرة القرية، فالآلاف من الوافدين مشوا على الأقدام لأكثر من 4 كلم· ولم يفترق المواطنون إلا بعد ساعات من إنهاء مراسيم الجنازة بسبب الازدحام الكبير للمركبات التي اصطفت على طول يزيد عن 6 كلم، ولعل هذه الحشود التي شاركت في مراسيم الجنازة إنما تؤكد على حزنها لفقدان ألمع أساتذة الموسيقى، وتعتبر دليلا على القيمة التي يتمتع بها صاحب ملحمة ''يا الجزائر إن شاء الله ستشفين ''، وبالرغم من رحيله عنا إلا أن أغانيه والموسيقى التي قدمها ستظل إلى الأبد·