كسياسي عرف عبد الحميد مهري عن قرب، ماذا تبقى لديك من ذلك الرجل؟ في الواقع أنا محظوظ في أبناء جيلي كوني تعرفت على السيد مهري واقتربت منه أكثر خلال تقلدي منصب السكرتير الأول لجبهة القوى الإشتراكية، وقد تبقت لدي الكثير من الأمور التي تستحق الذكر من مهري، فهناك التواضع السياسي الذي يتمتع به هذا الرجل، وقيم المسؤولية والإلتزام كلها صفات لازمت مسيرة مهري السياسية، فقد تعلمنا منه كيف يمكن أن تمارس السياسة بطرق أخرى غير التي عهدناها من قبل الكثير من السياسيين الذين أساءوا لمفهوم السياسة والنضال· من ناحية أخرى هذا الرجل يمثل امتدادا للتاريخ ولكنه أيضا فاعلا في الحاضر، فهو يملك قدرة خاصة في الانتقال بين التاريخ وبين قضايا الراهن· لكن يؤخذ عليه في هذا الجانب قدرته على تخطي كل الأخطار والتحرك بين الشخصيات والمواقف دون إثارة أي طرف منها·· ألا يعاب في ذلك؟ أعتقد أن السيد مهري كان يملك قدرة خاصة في البحث عن الإيجابيات في كل واحد وفي كل موقف، فهو قادر على رؤية الجانب المنير في كل شخصية، ومحاولة حثها على إخراج ذلك الجانب، على خلاف الكثير منا، ولذلك شاهدتم كيف أن جنازته جمعت كل ألوان الطيف السياسي، من مختلف التوجهات والمشارب· بل إنني وبصراحة أقول شاهدت فيها أناسا لم أكن أتمنى رؤيتهم· مهري قائد أفلاني عتيد، بل من أهم قيادات هذا الحزب، وأنت كسكرتير لجبهة القوى الاشتراكية (سابقا)، تمثلان خطين متوازيين·· كيف تم التقاطع بينكما؟ بعيداً عن تلك الحواجز التي توضع لفصل وإعادة فرز الساسة على أسس معينة، فنحن نلتقي مع مهري في الكثير من القضايا والقيم السياسية، ولا يمنعنا من اللقاء والتفاهم كون مهري من جبهة التحرير الوطني، وهنا علينا أن نفرّق بين جبهة التحرير الوطني التاريخية، وذلك الحزب الذي تم الاعتماد عليه بعد الإستقلال كجهاز للسلطة·· جبهة التحرير ضمت كل القيادات التاريخية والسياسية كمهري وآيت أحمد وغيرهم· أما الحزب الذي يمكن الحديث عنه فأعتقد أن مهري كان يمنحه من الهيبة والإحترام عندما كان متواجداً داخله، واعتقد أن النضال داخل الأفلان أصعب من النضال خارجه، وهذا ما كان يفعله مهري وهو على رأس الحزب، وهو الأمر الذي دفع الى إنهاء وجوده والقضاء على الجبهة بما يسمى بالإنقلاب العلمي·