لم يرض مجلس الشعب أحداً على مدى أسبوعين منذ بداية انعقاده· ؟؟ مليوناً انتخبوا هذا المجلس، لم يجدوا في أدائه حتى الآن ما يطمئنهم ويبشّرهم بأنه شرع فعلاً- وليس قولاً- في حمل الأمانة التي وضعوها فى رقبته وتحمل المسؤولية بصورة تليق بأول برلمان يأتي عبر انتخابات حرة نزيهة، كونه المؤسسة الوحيدة المنتخبة من الشعب· وبالرغم من أن المجلس كان على حق عندما وضع قضية حقوق الشهداء ومصابي الثورة في مقدمة جدول أعماله، فإنه لم يختلف حال هؤلاء الآن عما كان عليه قبل؟؟ يناير الماضى· أدى المجلس واجبه كاملاً في الإشادة بهم وتقدير عظيم دورهم، وأعاد كثير من أعضائه إلى الشهداء والمصابين الفضل في وجودهم تحت القبة، ولم ينكر هذا الفضل إلا نفر قليل، ظنوا أن في الاعتراف به إنكاراً لدور غيرهم سبقوهم إلى النضال والتضحية· ولكن هذا التكريم اللفظي لم يقترن بعد بعمل ينقله إلى الواقع، باستثناء بدء لجنة الخطة والموازنة في بحث زيادة التعويضات المخصصة للشهداء من ثلاثين إلى مائة ألف جنيه· أما التكريم المعنوي، الذي يتضاءل بجواره أي تعويض مالي، فهو لا يزال تائهاً في دروب المجلس، ينتظر تحويل بعض ما قيل بشأنه، وهو كثير، إلى أفعال· وأكثر من ذلك، تلقى شهداء ومصابو موقعة مجلس الوزراء ضربة مؤلمة خلال انعقاد المجلس، عندما رفضت الحكومة الاعتراف بهم ومساواتهم بأقرانهم منذ ؟؟ يناير· كما أن شيئاً لم يتغير في أداء أجهزة الدولة المعنية التي تعامل المصابين وأسر الشهداء كما لو أنهم متسولون· ولذلك لم يرض المجلس الفئات التي كانت على حق عندما وضعها في صدارة جدول أعماله، ولم يغير موقف القوى التي ترفض اعتباره برلمان الثورة، لأن المنهج السائد فيه ليس قريباً من تصورها بشأن قضية تسليم السلطة، في الوقت الذي بدا فيه أداؤه بالنسبة إلى بسطاء المصريين بعيداً عن همومهم· فما إن شرع في مناقشة بعض هذه الهموم، مثل أزمة أنابيب البوتاجاز الاثنين الماضي، حتى دخل في معارك كلامية غير مبررة حول أحداث محيط وزارة الداخلية استنزفته، إلى أن رفع جلساته مساء اليوم التالي، كما أربكت المسار الذي بدأه بنجاح في جلسته الطارئة التي عقدها الخميس الماضي لبحث مذبحة بورسعيد· فقد عملت لجانه المعنية، وخصوصا لجنتا الأمن القومي والشباب، بجدية سعياً إلى معالجة أسباب الأزمة وجذورها، بعد أن أمسكت بجوهرها وهو إصلاح وزارة الداخلية وتطهيرها وإعادة هيكلتها· غير أن هذا المسار ارتبك عندما تحول المجلس فجأة إلى الانغماس فى آخر نتائج الأزمة، وكان هذا تحولاً من إرهاصات فعل جاد إلى مجرد رد فعل، واختزالاً لأزمة هيكلية كبرى في مسألة تفضيلية تتعلق بالإجابة عن سؤال لا يحتاج إلى بحث وهو: هل أطلقت قوات الأمن خرطوشا على المتظاهرين في محيط وزارة الداخلية؟ وهكذا بدا المجلس في منتصف شهره الأول غير قادر على إرضاء القوى المتحركة فى الشارع والجموع الغفيرة الساكنة في آن معا· صحيح أن سبعة أيام عمل، من بين ؟؟ يوماً مرت على انعقاد المجلس، لا يمكن أن تكفي لتقييم أدائه، ومع ذلك فهي تفيد في استخلاص دروس أولية يمكن أن يؤدي استيعابها إلى تحسين هذا الأداء، وفي مقدمة هذه الدروس أن الانجراف إلى موقف رد الفعل يُفقد البرلمان القدرة على تحقيق التقدم الذي يستحيل إنجازه دون وضع أساس يمكن البناء عليه لمعالجة الأزمات، ولا يُنتج أكثر من مسكنات وقتية· غير أنه لا يزال في إمكان المجلس أن يستعيد مبادرته المتعلقة بإصلاح وزارة الداخلية وإعادة هيكلتها انطلاقاً من هذا الدرس· ومن الدروس المهمة أيضا أن الاهتمام بالفعل يتيح تحقيق توافق في المجلس، بعكس ما يؤدي إليه رد الفعل، فلم يكن هناك خلاف يُذكر عندما ركز المجلس على إصلاح وزارة الداخلية وتطهيرها، ولكن الخلاف اشتد وظهرت مشاهد لا تليق ب برلمان الثورة عندما انغمس في رد فعل مرتبك ومتأخر على الأحداث حول محيط هذه الوزارة عشية انحسارها· وأعاد هذا الخلاف إنتاج الاستقطاب الذي يسود الساحة السياسية، واختلط فيه الانقسام الذي يضرب هذه الساحة باستعراض إعلامي لم يقتصر عليه، بل امتد بطول قاعة المجلس وعرضها تقريباً على نحو يفرض التفكير جدياً في إيجابيات بث الجلسات العامة على الهواء وسلبياته، فالتكالب على الحديث وتكرار ما يقال يشتد في حال البث المباشر، الأمر الذي يهدد بتحويل المجلس إلى مكلمة لا تنتهي وتبديد الكثير من وقته وجهده ويبعث رسالة سلبية إلى الرأي العام· ومن شأن استيعاب هذه الدروس وغيرها منذ البداية تعزيز فرص نجاح المجلس وتجنب فشل قد تكون نتائجه فادحة·