''على قلب رجل واحد'' ظل يصرخ ملايين المصريين في شوارع وميادين وسط البلد المحيطة بميدان التحرير، وكذلك في ميادين كافة المحافظات المصرية، معلنين رفضهم لخطاب الرئيس مبارك الذي وجهه، مساء أمس الخميس، ''يسقط.. يسقط حسني مبارك.. ارحل.. ارحل''، ''مش هنمشي''. على الرغم من تأخر خطاب مبارك 50 دقيقة، إلا أن الجميع ظل مترقبا، بحالة القلق وسقف الآمال المرتفعة، خطاب الرئيس، إلا أنه جاء مخيبا لكافة التوقعات. فمع اقتراب عقارب الساعة من الحادية عشرة، بدأ الرئيس مبارك خطابه الثالث منذ اندلاع ثورة 25 يناير، موجها لشباب التحرير، فساد صمت رهيب وسط جموع الميادين. وبدأ مبارك حديثه بأنه لن يتهاون في دماء الشهداء، وهو ما يعني أنه باق في سدة الحكم غير عابئ بمطالب الجماهير. وبعد عشر دقائق من الخطاب الذي دام 17 دقيقة، خرج الشباب عن صمته وبات يهتف ''يسقط حسني مبارك'' بحالة شبه هستيريا وبأصوات ترج الميدان ''ارحل.. ارحل.. مش هنمشي.. هو يمشي''. في حين رفع بعض المتظاهرين أحذيتهم في تعبير عن رغبتهم في رحيل مبارك. وقد جاءت نبرة الرئيس مبارك، خلال خطابه، حزينة في محاولة لكسب تعاطف وتأييد من الشارع المصري، كما أن خطابه حمل كلمات تثير المشاعر وتلهب الأحاسيس ومنها: ''يحز في نفسي ما ألاقيه من بني وطني''، وكذلك سرده لتاريخه العسكري وإنجازاته، وهي الكلمات التي لم يستمع إليها المتظاهرون الذين سقط بعضهم مغشى عليه من الصدمة من بقاء مبارك، على حد قوله، وهناك من انهار في حالة من البكاء الهستيري، ما يؤكد حالة الإحباط والصدمة التي أصابت الجميع. وظلت الهتافات تردد ''على القصر رايحين شهداء بالملايين''، في إشارة للقصر الجمهوري، وكذلك ''واحد. اثنين.. الجيش المصري فين''، في إشارة لبيان القوات المسلحة الذي صدر عصر أمس والذي حمل فكرة تحكم الجيش في سلطات البلاد. ومن الهتافات ''ثورة ثورة حتى النصر.. ثورة ثورة في كل شوارع مصر''. وربما لغة خطاب مبارك ستكون سببا في تكرار مشهد ما يعرف بغزة الجمل والتي وقعت يوم 2 فبراير الجاري. ورغم إعلان الرئيس مبارك تفويض نائبه (اللواء عمر سليمان) في كافة اختصاصات رئيس الجمهورية، وأنه باق إلى شهر سبتمبر القادم لحين إجراء انتخابات رئاسية (وهو أحد المطالب في وقت سابق)، وكذلك إعلانه تعديل 6 مواد من الدستور وإلغاء المادة 179 من الدستور والمعنية بقانون الطوارئ، إلا أن الشباب يؤكدون أن استجابة مبارك جاءت متأخرة للغالية وغير ملبية لطموحات الشعب، وذلك لأن تفويض نائب الرئيس يعني أن مبارك يمكنه الرجوع في قراره في أي وقت، وأن الدستور المصري ليس به ما يحمل معنى التفويض، حسب عدد من شيوخ القانون والدستور. وبهذا يكون مبارك قد استجاب للعديد من مطالب حركة 25 يناير وربما لغالبيتها، عدا المطلب الأول الخاص برحيل النظام، إلا أن ذلك لم يعد يرضي الشباب. ويخشى الجميع من حدوث حالة من الفوضى وسقوط العشرات من الشهداء، اليوم الجمعة، وسط تسربيات أمنية بأن اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية، وضع خطة لتفريق المتظاهرين من ميدان التحرير خلال الساعات القادمة، مستعينا بقوات من الجيش والشرطة. وفي سياق متصل، من المقرر أن تنطلق، اليوم، مسيرات مليونية في كافة أنحاء الجمهورية، ومظاهرات ومسيرات ستتوجه نحو قصر العروبة الذي يقيم فيه الرئيس مبارك، رغم تحويل منطقة مصر الجديدة إلى ثكنة عسكرية بعد تأمين كافة الطرق المؤدية إلى القصر من قبل قوات الجيش. ورغم هتافات الجميع، الذين يبكي غالبيتهم بشكل هسيتري، للجيش إلا أن هناك علامات استفهام كبيرة حول بيان الجيش الذي صدر ومغزاه، بعد تصريحات مبارك ونائبه، وكذلك غياب بيانات متتالية رغم إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة انعقاده بصفه مستمرة، وهو ما يعني صدور عدد من البيانات المتوالية. فرح حذر بالبيان الأول للجيش المحتجون يؤكدون استمرارهم في التظاهر والدعوة لإضراب عام حالة من القلق وربما إعادة التفكير في جدوى الاستمرار في التظاهرات ناوبت الملايين المتظاهرين في ميدان التحرير بوسط العاصمة المصرية القاهرة، وذلك مع دخول الثورة يومها ال17 عشر، وقبل يوم واحد من يوم الجمعة الذي حاروا في تسميته: هل يطلقون عليه جمعة الشهداء أم جمعة الخلاص أم الجمعة الأخيرة. وربما حالة القلق كانت الدافع لدخول ائتلاف شباب ثورة الغضب في تكوين جبهة الدفاع عن ثورة 25 يناير التي تشكلت، أمس، من الائتلاف، إلى جانب 30 شخصية عامة. ويكون دور هذه الجبهة هو لعب دور الوسيط بين شباب التحرير والنظام دون تخويلها التفاوض باسم الثورة، ولكنه يقتصر على توصيل مطالب الثورة. بينما كان ميدان التحرير يعج بعشرات الآلاف من المتظاهرين، في مشهد لا يختلف كثيرا عن الأيام الماضية، خرج المئات من المحامين في مظاهرة من أمام قصر عابدين في طريقهم إلي القصر الجمهوري لمطالبة الرئيس بالتنحي، بجانب العشرات من الإضرابات والاعتصامات في كافة أنحاء الجمهورية، من عمال وموظفين، حاملة مطالب اجتماعية بجانب مطالب الثورة. هكذا ظل الوضع حتى الساعة الخامسة مساء حينما خرج المجلس الأعلى للقوات المسلحة ببيانه الأول، مخاطبا الشعب. وهنا سادت ميدان التحرير حالة من الصمت الرهيب، ولم يرج أركانه سوى صوت المتحدث الرسمي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة يقول: ''بيان رقم واحد: انطلاقا من مسؤولية القوات المسلحة والتزاما بحماية الشعب ورعاية مصالحه وأمنه، وحرصا على سلامة الوطن والمواطنين ومكتسبات شعب مصر العظيم وممتلكاته، وتأكيدا وتأييدا لمطالب الشعب المشروعة.. انعقد اليوم الخميس الموافق العاشر من فبراير 2011 المجلس الأعلى للقوات المسلحة لبحث تطورات الموقف حتى تاريخه، وقرر المجلس الاستمرار في الانعقاد بشكل متواصل لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات وتدابير للحفاظ على الوطن ومكتسبات وطموحات شعب مصر العظيم''. بهذا البيان القصير ردت الروح في نفوس الشارع المصري وثوار ميدان التحرير، حيث هتف الجميع ''الله أكبر.. الشعب والجيش إيد واحدة'' وظلت الهتافات والرقص حول الدبابات العسكرية وجنود القوات المسلحة وتقديم الشكر والتحية لهم.. وباتت كافة الإذاعات المنتشرة في ميدان التحرير تذيع أغاني وطنية، بينما يرفع الجميع علم مصر ويقول: ''الجيش يرد الكرامة للشعب''، في رسالة ورد على كلمات اللواء عمر سليمان التي وردت في أحد حواراته الإعلامية حينما أكد أن الشعب المصري غير مؤهل لتقبل الديمقراطية في الوقت الراهن، وهو التصريح الثالث لسليمان الذي أسقط شعبيته وقبوله لدى الشارع المصري، حيث اتهم في أول خطاب له بأن هناك حركات خارجية وداخلية ومأجورة تحرك ميدان التحرير، وهو ما اعتبره المتظاهرون إهانة، ثم تلاها تهديد أمس الأول بأنه لن يسمح باستمرار التظاهرات وأن مبارك لن يتنحى، في لغة رآها البعض تهديدا للمتظاهرين. وما هي إلا ساعة واحدة حتى توافد عشرات الآلاف إلى ميدان التحرير للاحتفال ببيان الجيش الذي حمل، من وجهة نظر الكثيرين، مؤشرا على رحيل مبارك والاستجابة لمطالب الشعب. ومع اقتراب السابعة مساء، تجاوز عدد المتواجدين بميدان التحرير ال3 ملايين متظاهر، في سابقة من نوعها منذ اندلاع الثورة، نساء ورجالا وأطفالا، الكل يغني ويهتف ويرقص في حالة من الفرح العارمة، ربما لم يعشها المصريون منذ نصر أكتوبر .1973 في استطلاع مبدئي لرد فعل المتظاهرين على البيان، يقول محمد عادل: هذا البيان يعد نصرا للشعب المصري وكسرا لتعنت النظام الحاكم. بينما رآه حسين خضير إنذارا برحيل مبارك نهائيا، ورغبة الشعب في إسقاط النظام والرئيس. ووسط هذه الاحتفالية التي تؤكد أنها ستمدد للصباح، أصدر ائتلاف شباب ثورة الغضب وشباب 6 إبريل دعوات للمتظاهرين للصمود والبقاء في الميادين وعدم الفرحة بنشوة البيان قبل التأكد من رحيل مبارك. وأضافوا إن المرابطة والصمود مستمران لحين تنفيذ كافة المطالب، حيث طالب المتظاهرون بعدم تفويض مبارك لسليمان، مؤكدين أن ذلك تحايل على قرار التنحي. كما طالبوا بنزول رجال لجان الحماية الشعبية إلي الشوارع والمرابطة حتى الصباح، خوفا من حدوث حالة من الفوضى لإنهاء والقضاء على الثورة.، كما وجه الجميع رسالة شكر للجيش، مطالبين إياه بتشكيل مجلس رئاسي يضم مدنيين، باختيار الشباب، لإدارة شؤون هذا الوطن لفتره انتقالية لحين تعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. ووسط كل ذلك، وقف المئات يبحثون عن مغزى بيان الجيش الذي لم يصدر مثله منذ حرب أكتوبر. فعلى الرغم من حالة الفرح، إلا أن الحذر لم يخف عن وجوه الجميع، في محاولة لتفسير موقف الجيش، وهل يعني أن الجيش يسيطر على زمام الأمور وبات يحكم البلاد، ولكن يريد إخراج مبارك بشكل كريم، أم أن البيان جاء استباقا لنقل صلاحيات الرئيس لسليمان. ولكن هناك من يرى أن هناك صراعا كبيرا بين رجال النظام والجيش على نقل السلطة. ووسط هذا الحذر، أكد الجميع استمراره في التظاهر والخروج اليوم في تظاهرات مليونية تحت شعار ''جمعة الشهداء''، ومحاصرة العديد من المباني السيادية، من بينها مبنى التلفزيون، بينما يحاصر المتظاهرون مجالس الشعب والشورى والوزراء منذ 3 أيام.