كان الوقت ظهرا عندما انسللت برفقة السائق رابح من مقر الجريدة إلى موقف السيارات، وجهتنا كانت حسين داي، الموعد بعد ساعة إلا ربع، ورغم قصر المسافة نسبيا- إلا أننا أبكرنا تحسبا لأي طارئ، حركة المرور تعبث عادة بالمواعيد، وكما توقعت وصلنا قبل الموعد بعشر دقائق فقط، اتصلت برئيس حركة الوطنيين الأحرار عبد العزيز غرمول، اعتذر عن تأخر مفترض، وبالتالي كنت مجبرا على الانتظار في مقهى بائس من مقاهي حسين داي· وفعلا تأخر عن موعده بحوالي الساعة، استقبلني في مكتبه الخاص، نظرا لأن مقر الحزب يقع في بوسماعيل، مكتب مرتب رغم كثرة البحوث الموضوعة على امتداده· كان غرمول يتحدث بينما كنت أغتنم أية فرصة لاقتناص ما يمكن اقتناصه من مشاهد، أهم ملاحظة )بخلاف الهاتف المحمول الذي يشتغل باللمس وقبعة الجاز وساعة اليد الأنيقة( هي الكتب المصفوفة خلف المكتب· لم أتبين عناوينها إلا أني لاحظت كتاب ''مواطن لا ابن كلب'' لعلي رحايلية يتسيد مجموعة الكتب المصفوفة عموديا، كان يتكئ عليها أفقيا في زهو عجيب! بدأ غرمول الحديث عن ركائز الحزب ب''الانضباط''، بالنسبة إليه'' :السياسي يجب أن يتمتع بالقدرة على الاستماع والنقاش لا أن يكون صاحب صلاحيات مطلقة، جاب الله مثلا شخص متسلط يحب امتلاك الصلاحيات المطلقة، بينما أويحيى مثلا يستمع للآخر وإن كان في الأخير يفعل ما يشاء''، وحينما سألته عن أحقية جاب الله في امتلاك الصلاحيات المطلقة، خاصة وأنه تعرض للإقصاء من أحزابه السابقة، الأمر غير المطروح في الأحزاب الأخرى التي يرحل منها التقويميون والمعارضون لا أمناؤها العامون، رد'' :جبهة التحرير مثلا مهيكلة، بحيث تجبر الأمين العام على الاستماع، وحتى التقويميين الذين خرجوا من عباءة الأفلان أعادوا استنساخه، هم انشقوا هيكليا، لكن تجاربهم اللاحقة لم تخرج عما تلقوه في مدرسة الأفلان السياسية، بالنسبة إلى حركة الوطنيين الأحرار مبدأنا هو الاختلاف عن الآخرين، وتقديم البدائل الصحية· بدأنا التحضير منذ 2010 بالتفكير في تنظيم مدني يجمع النخبة التي همشت لتقديم البدائل، وتصادف الأمر مع الثورات العربية التي حاول النظام الجزائري الالتفاف عليها بالإصلاحات، ومادامت الفرصة أتيحت برفع قانون الطوارئ، وفتح المجال أمام اعتماد أحزاب جديدة، اتجهنا للهدف الرئيس الذي هو الحركة السياسية·'' وفي سؤالنا عن مدى استعداد الشعب الجزائري لاحتضان الحركة أجاب غرمول بالقول'' :أنا استثمر في قرائي، لدي حوالي 500 ألف قارئ في الجزائر وهذه بداية جيدة جدا، منذ جانفي 2011 وأنا أشتغل على الأفكار الجديدة التي يجب أن تطرح، لم أخرج من دائرة اليومي الذي يمس جميع أفراد المجتمع الجزائري· عبر مقالاتي كونت قاعدة من المؤيدين للخطاب الذي طرحته عند المواطنين البسطاء، وكذلك النخبة المهمشة التي تشعر بالكثير من الحيف والإقصاء، استثمرت في غضب الجزائريين على نظامهم، واكتشفت أن الأحزاب التي تدعي أنها كبيرة غير موجودة تماما على أرض الواقع، هذه الأحزاب المبنية على المكاسب والمناصب ليس لمناضليها من مؤهلات سوى أرصدتهم المالية التي كونوها بالفساد، هم يبحثون عن طريقة لتبييض أموال الفساد بمزاوجة المال بالسلطة، لكن هذا الزواج باطل·'' وحينما سألناه عن زهد الجزائريين في المشاركة السياسية أجاب'' :النظام عمل على إشاعة خطاب تتفيهي للكفاءات، وعبر تكريسه لنماذج سيئة، أصبح الصالحون من الجزائريين يرون في السياسي خليطا من أويحيى، بوجرة وبلخادم، بلفظ أكثر دقة ''مجرد منافقين''، ومن هذا المنطلق يزهدون في الممارسة السياسية حتى لا يكونوا محل مقارنة بهذه النماذج السيئة وحفاظا على سمعتهم، شخصيا التقيت بمئات الإطارات في مختلف الميادين من أساتذة، أطباء، مهندسين، محامين وغيرهم ممن يملكون حلولا فعلية لمشاكل البلد، لكنهم يفضلون ألا ينخرطوا في المشهد السياسي حفاظا على طهرهم·'' وعندما أشرنا إلى ضرورة تقديم ضمانات لهذه الإطارات من أجل الانخراط في الحركة، قدم غرمول تصوره للمنضمين إلى الحزب الذين يعتزمون دخول معترك التشريعيات بالقول'' :إن مناضلينا سيقسمون بالوفاء للبلد، سيكونون مجبرين على التصريح بأملاكهم، وسنقوم بمراقبة نشاطاتهم وعند نهاية ولايتهم سنحاسبهم على أي تضخم غير معقول لهذه الأملاك، وإن ثبت أنهم يستغلون مناصبهم من أجل تحقيق منافع شخصية فسنكون أول من سيقف ضدهم ويشهر بهم، باختصار المسؤولية هي تكليف وليست تشريفا·'' وبالحديث عن التشريف والتكليف، فتحنا ملف الأجر القاعدي للمواطن )الناخب( والمقدر ب 15 ألف دينار، في حين أن أجر نائب البرلمان هو عشرين ضعفا هذا المبلغ، فأجاب غرمول'' :لا توجد عدالة في توزيع الثروات، الأجر القاعدي لا يكفي حتى لضروريات الحياة، شخصيا أرى أن الأجر القاعدي الذي يكفل كرامة المواطن الجزائري محصور بين 50 و80 ألف دينار، إذا ما امتلكنا القرار في البرلمان، فستكون إعادة النظر في شبكة الأجور من مطالبنا الحيوية·'' ومادام الهاجس الأكبر للمشهد السياسي هو الوعاء الانتخابي، فلا بد من طريقة لإقناع الناخبين بالتوجه لصنادبق الاقتراع، الأمر الذي وضحه غرمول بالقول'' :عندما لا يشارك الناخبون في الإدلاء بأصواتهم، فهذا يعني أنها ستصب في خانة الأحزاب المقربة من النظام بالتزوير، نتوقع أن تكون نسبة التزوير هذه المرة 25 بالمائة، وهي نسبة ضعيفة بالمقارنة مع السابق، السلطة تتحدث عن المراقبين الدوليين، أنا أراهم مجرد مرتزقة يكتفون بالتوجيهات ولاتهمهم النتائج· الأمر الذي سيجعل الشعب الجزائري يصوت بكثافة هو إعطاء الضمانات الكافية لنزاهة العملية الانتخابية، وهذه الضمانات لا تكون بالمراقبين الدوليين، بل بنشر قوائم المنتخبين كما هو معمول به في كل الدول، وتفويض الصلاحيات الكاملة للأّحزاب لمراقبة عمليتي الاقتراع والفرز· شخصيا لم أذهب للكثير من الانتخابات لعلمي المسبق أنها ستكون مزورة·'' في مقر الحزب كانت هناك محامية من جيل الاستقلال، وقد تواتر الحديث عن هذا الجيل الأمر الذي دفعنا لبحث موقع جيل العشرية السوداء في خارطة الحركة، يقول غرمول'' :الشباب أبناء مرحلة العشرية الحمراء-السوداء من المنخرطين في الحركة، يقومون بعمل جبار في إقناع أبناء جيلهم بالتصويت، فلسفتنا هي إقناع الشارع بأن الانتخاب واجب مثله مثل دفع الضرائب، واجب أكثر منه حقا·'' الوقت المخصص للقاء على وشك النفاذ، العمل تحت ضغط الوقت ليس سهلا، والأحزاب الجديدة تعمل تحت ضغط الوقت الضيق الممنوح لها لتقديم مشاريعها للشعب الجزائري، وتأخر الاعتمادات· بخصوص الاعتماد يذهب غرمول إلى أن'' : أهم اعتماد هو اعتماد الشعب لنا في 48 ولاية، بالنسبة إلى الاعتماد الإداري نحن ننشط في إطار قانوني، الداخلية تتابع نشاطاتنا والأجهزة الأمنية كذلك، وسائل الإعلام تغطي تحركاتنا، المشكل الرئيس الذي نواجهه هو ضيق الوقت، قدمنا ملف الاعتماد يوم 20 نوفمبر، وسنعقد مؤتمرنا التأسيسي يومي 1 و 2 مارس، نحن استوفينا كل الشروط القانونية ولا ننتظر سوى الاعتماد·'' وعن موقع الجزائر من ثورات الربيع العربي يقول غرمول'' :في كل المرات التي كان يحدث فيها غضب شعبي في الجزائر يحدث التفاف على إرادة الشارع في التغيير، هذه المرة إذا ما حدث التفاف سيؤول الوضع إلى كارثة على السلطة، يجب على السلطة أن تتجاوب مع رغبة الناس في التغيير السلمي الذي هو حتمية لا بد منها، إذا لم يتم بطريقة سلمية فسيكون بطريقة ليست في صالح لا النظام والشعب·''