هذه وقفات وقفتها مع الإسلام السياسي ممارسة ومخالطة ومطالعة، حاولت تلخيصها في هذه المقالات وإن كان فيها بعض التكرار فلتأكيد الأفكار والنظر لها في كل مرة من زاوية مختلفة، حسب ما يقتضيه المقال. الوقفة الأولى: حلم اليقظة الفرد المسلم كائن عاطفي، يسهل انقياده إذا عزف على وتر العاطفة في شخصه، فتجد الفرد المسلم وإن كان غير متقيد تماما بتعاليم الإسلام إن حدث مس بشخص نبي الإسلام مثلا تجده يتحول إلى أشد المدافعين عنه والثائرين في وجه المسيئين إليه، بعد أن كان هو في واد وتعاليم الإسلام في واد آخر. ولأن الفرد العاطفي من أبرز سماته أحلام اليقظة، حرص أن يكون الفرد المسلم مدة صحوته يحلم أحلام اليقظة من وقت استيقاظه إلى موعد نومه، ومن بين أحلام اليقظة الجميلة، اللذيذة والممتعة التي تجعل الوقت يمر مر السحاب، دون أن تشعر بانقضائه يبرز الإسلام السياسي. إن الإسلام ذات لا تتجزأ كالإنسان، ذات واحدة بأعضاء مختلفة، كل عضو يؤدي وظيفة لا يستطيع عضو آخر أن يحل محله في تأديتها، وإن استقل عضو من أعضائه عن الذات الإنسانية، يفقد صفة الإنسانية، فاليد المبتورة مثلا لا تشكل إنسانا، وإن جلبت مجموعة من الأيادي فكذلك الأمر لا يعطيك إنسانا، أو غيرت وظيفة كل عضو أو مكان عضو بدل عضو آخر، ربما يعطيك كائنا غريبا لكن لن يعطيك أبدا إنسانا. الإسلام السياسي لا يغدو أن يكون مجرد عضو ذي وظيفة محددة في ذات المجتمع المسلم، لا يستطيع أن ينوب عن الإسلام الاقتصادي ولا أن يعوض الإسلام الثقافي أو يحل محل الإسلام الاجتماعي ولا حتى أن تتكتل تياراته فتعطينا جبهة إسلامية. وبالتالي يوهم نفسه أو غيره من يظن أن الإسلام السياسي هو البذرة التي سوف تثمر يوما دولة إسلامية راشدة وقد قبلت الأحزاب الإسلامية عن علم أو جهل أن تكون جزءا من لعبة الأنظمة، هدفها إشغال الرأي العام وجعل جزء كبير منه يطارد سراب الدولة الإسلامية. سيأتي يوم تقوم فيه دولة راشدة، بغض النظر عن تسميتها (مملكة، إمبراطورية، اتحاد ولايات، جمهورية..) لكن الدولة الراشدة لا تقوم نتيجة نضال الإسلام السياسي، كما أنها لا تقوم بجرة قلم، ولا بوضع دستور جديد ولا إنشاء مؤسسات جديدة ولا بسن قوانين جديدة، فالإسلام السياسي لا يغير الجوهر، ربما يغير المظهر، قد يحدث مواقف استعراضية، خطابات رنانة، لكنه لن يكون الطريق الصحيح الموصل إلى الدولة الراشدة. قد يحتج على هذا الكلام بأن ليس وظيفة الإسلام السياسي بناء مجتمع إسلامي ولا تربية النشء تربية إسلامية، بل وظيفته الوصول إلى السلطة لأجل أسلمتها والتربية الإسلامية مهمة الأئمة والدعاة والجمعيات الخيرية والثقافية والرياضية.. وغيرها، بعبارة مبسطة وواضحة أن الأحزاب الإسلامية ترى المواطن صوتا انتخابيا فقط يوصلها لسدنة الحكم. قد يقول قائل هذه هي السياسة، أقول نعم صحيح هذه هي السياسة سواء كان الحزب إسلاميا أو علمانيا، فما الفرق إذن بين الإسلام السياسي وغيره من التيارات الأخرى؟ يجيبني أحدهم: الفرق يظهر حين يتسلم زمام السلطة مثلما حصل في تركيا والنجاح الباهر لحزب ذي ميول أو خلفية إسلامية؟ أقول من الخطأ الحكم على التجربة التركية لأنها لم تنتهِ بعد، ولا زالت تجربة ممكن أن يكون مصيرها النجاح كما يمكن أن يكون مصيرها الفشل. ونحن نتكلم عن دولة لا عن أشخاص، فالتجربة الناجحة هي التي تعطيك آليات تعمل بها أنت أو غيرك، لا تجربة تموت بموت الأشخاص. الإسلام السياسي لا يعطيك مؤسسات، بل يعطيك زعيما والدولة لا تحتاج لزعماء. إن الإسلام السياسي يحمل في طياته الجهوزية للانقسام والتفرق، فحزب حركة النهضة مثلا خرج من رحمها حركة الإصلاح الوطني التي سيخرج من رحمها هي الأخرى حزب جبهة العدالة والتنمية وحزب جبهة الجزائرالجديدة، وحركة مجتمع السلم تفرخ منها حركة الدعوة والتغيير، وحركة الوفاء والعدل انشطر عنها حزب الحرية والعدالة. ولا يخدعنك قول القائل أن هذا الاختلاف اختلاف رحمة وهذا التنوع تنوع تكاملي يثري ساحة العمل الإسلامي، لأنه وصل الأمر باستعداء كل أنصار حزب إسلامي لأنصار الحزب الإسلامي الآخر، واتهام كوادر كل حزب لكوادر الأحزاب الإسلامية الأخرى بالخيانة والعمالة للنظام، في مجالسهم الخاصة، بل وصل حد الاقتتال بالعصي والأسلحة البيضاء بين إطارات الحركة الواحدة الذين يحملون هم المشروع الإسلامي وإقامة الدولة الإسلامية فأي رحمة وأي إثراء؟ وبالتالي فالإسلام السياسي استنزاف لطاقة المجتمع وتوجيهها التوجيه الخاطىء، يجب علينا أن نكون نحن التغيير الذي نود رؤيته في العالم على حد قول غاندي، لأنه لا يستطيع أحد تغيير نفسه دون ألم باعتباره هو نفسه الرخام وهو نفسه النحات... يتبع