عندما اندلعت الثورة في تونس ومصر، ارتفعت أصوات في المنطقة العربية وفي الغرب، أن ذلك مؤشر على نهاية حقبة الإرهاب الإسلاموي ممثلا في تنظيم القاعدة، وأكد المراقبون والمحللون أن الثورات العربية الجديدة جاءت بمضمون نوعي وجديد هو أقرب إلى خطاب الإنفتاح على الليبرالية والحرية والقيم الغربية الحديثة، كما أشار هؤلاء أن القوى الإجتماعية التي كانت على رأس هذه المبادرة التاريخية التي أخلطت كل الأوراق تنتمي إلى شرائح من الطبقة الوسطى الصاعدة، ومعظم أفرادها من ناشطي المدونات وعالم الإتصالات الجديدة العابرة للوطنيات والقوميات والسيادات التقليدية، لكن سرعان مابدا ذلك التفاؤل المبالغ فيه يشوبه بعض الشك والإرتياب، عندما ظهر المستفيدون الرئيسيون من العمليات الأولى للدمقرطة عبر صندوق الإنتخابات، هم الإسلاميون، فالنهضويون تصدروا الواجهة السياسية في تونس، والإخوان المسلمون رفقة السلفيين حصدوا أغلبية المقاعد البرلمانية في مصر·· لتتحول بعد ذلك وجهة الثورة الليبية ضد طغيان القذافي إلى وجهة إسلامية محافظة تتوسل البديل الإسلامي المبني على تطبيق الشريعة كهدف أساسي، وغاية قصوى·· ومن هنا، ظهرت بعض الحيرة عند الأمريكان والأوروبيين والمتحمسين للثورات من العلمانيين العرب حينما لاحظوا محاولات الإحتواء لهذا الحراك الشعبي الذي تحول فجأة من لحظة السلمية الديموقراطية إلى لحظته المسلحة المتخذة النبرة الدينية من قبل التنظيمات الناشطة تحت لواء القاعدة، ظهر ذلك جليا من تصريحات المصري أيمن الظواهري تجاه ما يحدث في سوريا، لكن أيضا من خلال انضمام الجهاديين الإسلاميين العراقيين وغيرهم من العرب إلى المعارضات المسلحة ضد نظام بشار الدموي في سوريا·· وضمن هذا المشهد المعقد والهش لوجهة الثورات العربية هو تزايد نشاط القاعدة في اليمن الذي تمكن فيه الثوار وحلفاؤهم ممن كانوا في النظام القديم من إبعاد عبد الله صالح من الحكم واستخلافه بنائبه في الإنتخابات الرئاسية المبكرة·· ومن هنا، ما بدا في أول الأمر أن الثورات ستكون النهاية للإرهاب، فإن جماعات الإسلام المسلح قد وجدت في انحراف الثورات نحو العمل المسلح بمثابة البيئة الجديدة التي ستمكنها من الحفاظ على تجديد نفسها، لكن إلى أي مدى؟! هذا قد يتوقف على وجهة الثورات العربية إن هي تمكنت من إحداث القطيعة مع إرث الإستبداد وإرث الثقافة الأحادية وبالتالي القدرة على الإنفتاح على الحرية والتعددية الفعلية والديموقراطية الحقة، أما إن ظلت هذه الثورات تتخبط في الثأر والتشبث بالإيديولوجيا الأحادية حتى وإن ارتدت ثوبا دينيا، فيعني ذلك، منح حياة جديدة لحقبة عدمية كان عليها أن تختفي من راهن الحياة العربية والإسلامية·