وهكذا انقلب السحر على الساحر، فالقرضاوي الذي لم يتوقف عن تقديم ولائه وخدماته لأمراء الخليج، يجد نفسه مهددا بالسجن من طرف قائد شرطة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة الفريق ضاحي خلفان·· السبب؟! هو إقدام القرضاوي على توجيه نقد لاذع لدولة الإمارات التي أبعدت سوريين عقب مشاركتهم في مظاهرة منددة بالنظام السوري أمام قنصلية بلادهم بدبي·· إن القرضاوي الذي تحول من داعية إلى عالم سلطان إلى محرض على الثورات قد أصبح فعلا ظاهرة ميديائية لتوظيف الدين في لعبة السياسة ونزاع القوى وصراعها على القيادة·· بعد خروجه من مصر الناصرية نشط القرضاوي الإسلام السياسي على الأراضي السعودية التي احتضنت الإخوان المسلمين المضطهدين من طرف جمال عبد الناصر وذلك لإضفاء المزيد من الشرعية السياسية والدينية على السلطة السعودية التي كانت وقتها تعمل على تأسيس حقبتها الجديدة وتوطيد سلطتها ونفوذها في المنطقة العربية، وبالفعل ساهم الشيخ وهو الإخواني بشكل كبير في نشر المذهب الوهابي ليس في المشرق وحسب، بل في منطقة الخليج والمغرب العربي، كما أن انتقال القرضاوي إلى الجزائر في فترة الشاذلي بن جديد دفع بالإسلام السياسي إلى درجات أكثر قوة ونفوذا، وكانت هذه الدرجات المتقدمة بمثابة البيئة الجديدة التي أينعت فيها كل تيارات الإسلام السياسي، من السلفية الحركية إلى السلفية الجهادية التي انقلبت على القرضاوي نفسه والتي وصفتها فيما بعد بعالم الشيطان·· لكن القرضاوي بدل الإعتراف بخطئه تمادى في التسعينيات في غيّه وشجع بأشكال صريحة أحيانا وغير صريحة أحيانا على الفتنة التي اشتعل أوارها في الجزائر، ولم يتراجع عن ذلك إلا بعد أن حصدت الحرب الأهلية حوالي 200 ألف قتيل، فراح يهلل لبوتفليقة باعتباره رجل الوئام والسلم والمصالحة·· وليتحول في محطته الأخيرة لسان حال حكام قطر عبر قناة الجزيرة·· وهذا ما جعله يصبح أداة من أدوات الصراع والتنافس بين قطر والإمارات، لكن هذه الأخيرة التي حاولت أن تقدم نفسها كمثال لعالم عربي جديد وبديل لعالم عربي قديم تجد نفسها في مأزق حقيقي وضحية الحداثة التي تريد أن تنتهجها وتتبناها لكن دون الأخذ بروحها ومجازفتها وبكل ما يمكن أن يترتب عنها من انفتاح ليس اقتصادي وحسب، بل انفتاح سياسي·· إن ما أقبلت عليه السلطات الأمنية من إبعاد للمتظاهرين السوريين يعكس هشاشة التقدم والإنفتاح غير الحقيقيين في دول الخليج، والتناقض الصارخ بين ظاهر الأشياء وباطنها·· إن الزواج الهجين الذي تم في بلدان الخليج بين البداوة البراغماتية والحداثة العمرانية والخدماتية سوف يصل في يوم ما، إلى لحظة الحقيقة المفجعة والقاتلة التي ستزيل القناع عن أكذوبة خادعة اسمها المعجزة الخليجية··