إن المتمعن اليوم في شريحة الجمهور التي تقصد ملاعب كرة القدم لمتابعة المنافسات الكروية من المدرجات، سيجد أن السواد الأعظم منها هم شباب وأطفال، في حين يكاد كبار السن والكهول لا نجد لهم أثرا، وهذا خلافا للتقاليد والأعراف الكروية التي سادت في فترة ما من تاريخ اللعبة في بلادنا. وإذا كانت عوامل مثل تواضع مستوى الفرجة وانخفاض ريتم اللقاءات واندثار النكهة الكروية التي ميزت خرجات الأندية واللاعبين في الماضي، فإن ثمة أسباب أخرى لعبت دورها في هجرة شريحة جمهور الكهول والشيوخ لفضاءات الملاعب، وأبرزها على وجه الإطلاق مظاهر الشغب والفوضى وانعدام الخدمات وخروج اللقاءات عن النص، وهو ما أثر على تدفق الجماهير، فلا يعقل أن تتحوّل اليوم ملاعبنا إلى معسكرات لترديد مختلف أنواع الكلام القبيح والرشق بالحجارة والصدامات بين الجماهير، الأمر الذي أفرز نوعا من الخوف وأفقد بالتالي الفرجة الكروية مقوماتها التي تقوم على التشجيع على منوال ما يحدث في بعض الملاعب العالمية التي تملك جماهيرها ميزات وصفات، بل وأدبيات في التشجيع ومناصرة أنديتها، ليس فقط من خلال ترديد الأغاني وتدعيم اللاعبين من الناحية النفسية لتقديم مردود طيب، بل وكذلك حين ترى بأن الفرجة الميدانية لم تبلغ المستوى المطلوب، فتراها ترفع مناديل بيضاء للتعبير عن سخطها أو غضبها، وكذلك الشأن بالنسبة للأخطاء التحكيمية التي يرتكبها من حين إلى آخر الحكام. وبالعودة إلى الواقع المعيش الذي أفرزته سلوكات جماهيرنا الكروية، حري بنا الإشارة إلى نقطة كانت ومازالت تمثل إحدى روافد أعمال العنف والفوضى في الملاعب، ويتعلق الأمر بالمشاكل التي تعيشها أنديتنا والخلافات التي تظهر على السطح وتصبح حديث العام والخاص، مما يولد لدى ذلك المتفرج بعض من الأسف الممزوج بالظروف التي رافقت دخوله الملعب من الباب الخارجي، ومرورا إلى المدرجات وانتهاء بالخدمات التي تقدم له، فلا يعقل أن لا يجد هذا المناصر أو المشجع قنوات صرف المياه أو الأكل والشرب، خاصة إذا وضعنا في الحسبان أن الدخول إلى ملاعبنا يكون عادة في ساعة مبكرة عكس ما يجري في الخارج، وهو ما يجعل مشاكل وغضب الجمهور تبدأ قبل انطلاق اللقاء.