خلصت الدراسات السوسيولوجية التي تناولت ظاهرة العنف في الملاعب إلى تصنيف ثلاثة أنواع من الجمهور· النوع الأول هو الجمهور الإيجابي الذي يبرز أساسا في شرعية من المناصرين والمشجعين الذين يتوافدون على الملاعب لمؤازرة لاعبيهم وشحنهم لتقديم مردود طيب، وغالبا ما ينفرد هذا الصنف من الجمهور باستقامة سلوكاته في المدرجات، وتقيده بالأخلاق الرياضية وإيمانه المطلق بأن أي مواجهة رياضية تنتهي بفائز ومنهزم، وأن الأحسن تحضيرا وعطاء فوق الميدان هو الذي يظفر بالألقاب والكؤوس· ولما كانت أي لعبة رياضية تضفي نكهة خاصة على جماهيرها وتعتمد دائما على الفرجة والفنيات فقد باتت على مر العصور فضاء للترويح عن النفس والاستمتاع ولو لبعض الساعات أو الدقائق، وهو ما يمثل في الأخير جانبا مهما في حياة الشعوب· أما الصنف القاني من الجمهور الذي حدده علماء الاجتماع فيخص شريحة من المترددين على الملاعب ليس بنية مشاهدة ومتابعة المواجهات الرياضية، ولكن لإحداث الفوضى التي كثيرا ما تتحول إلى أعمال إجرامية وتخريبية، تسببت في كذا مناسبة في وفاة العديد من رواد الملاعب، وهو ما أدى بالمختصين إلى وصفه بالجمهور السلبي الذي يزرع أعمال الشغب ولا يقبل سوى بالانتصارات، وهو على هذا الحال فقد مميزات وخصائص الرياضة وأبرزها الروح الرياضية· وإذا كانت ظاهرة العنف التي تخلفها سلوكات الجماهير السلبية قد استفحلت في نهاية القرن الماضي وأصبح يطلق على أصحابها صفة ''الهوليغانز''، فإن الانزلاقات التي وصلت إليها أدت إلى تدخل الحكومات والساسة، والنفسانيين وعلماء الاجتماع، لدراسة الظاهرة وتشخيصها، ومحاولة القضاء عليها من خلال جملة من الاحتياطات التي اتخذت في البلدان التي استفحل فيها هذا الداء الذي ألم الرياضة، وبالتحديد بلعبة كرة القدم، ولئن كانت البلدان التي مستها ظاهرة ''الهوليغانز'' عديدة مثل إنجلترا وألمانيا وإيطاليا ودول أمريكا الجنوبية وإفريقيا فإن طرق محاربتها اختلفت من بلد إلى آخر تبعا للوسائل التي سخرت للقضاء عليها أو على الأقل للتقليل من حدتها· ورغم التراجع الكبير الذي عرفته السلوكات الطائشة والخطيرة للجمهور السلبي في الملاعب مقارنة بالثمانينات والتسعينات إلا أن ذلك لم يؤد إلى القضاء على الظاهرة، بدليل ظهورها من حين إلى آخر في أكثر من بلد، على منوال ما تعيشه الملاعب الجزائرية· وبين إيجابية الجمهور وسلبيته، شخص علماء الاجتماع نوعا ثالثا من الجماهير، والأمر يتعلق بالجمهور المحايد الذي يقصد مدرجات الملاعب، ليس بهدف مناصرة فريق على حساب آخر، ولا يلجأ بتاتا كذلك إلى العنف، وإنما من أجل المتعة ليس إلا، وبالتالي فهو يوجد بمعزل تام عن المناصرين والمشاغبين، ويتميز بسلوك قويم وآداب خاصلة، ولا يهمه في الأمر شيئا سوى المزيد من اللقطات الفنية واللعب النظيف والتنافس الشريف· وإذا سلمنا بالقول أن الأنواع الثلاثة للجمهور نجدها في كل مكان أينما حللنا، فإن التعامل مع الظاهرة يختلف من بلد إلى آخر تبعا لإمكاناته ووسائل ردعه وتنظيمه لفضاء المنافسة، فلا عجب مثلا اليوم إذا وقفنا على جملة الاحتياطات التي اتخذتها بعض الدول للقضاء على الظاهرة مثل تجهيز الملاعب بكاميرات، وإخضاع المتفرجين لتفتيش دقيق ومتطور، ناهيك عن تنسيق الجهود بين الدول، ومعاقبة كل المتسببين في فوضى الملاعب بالسجن ومنعهم بتاتا من متابعة المواجهات· ورغم أن العديد من العاكفين حاليا على تشريح تهور الجماهير في الملاعب لا يزالوا يبحثون في الأسباب الحقيقية التي تقف وراء جنوح بعضها إلى ممارسة العنف، إلا أن خلفيات الظاهرة، حسب ما ذهب إليه البعض، يجب البحث عنها خارج أسوار الملاعب وفضاءات الرياضة، وبالتحديد في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها هذه الجماهير مثل البطالة والمخدرات والتسرب المدرسي والفقر والحرمان والمكبوتات·· إلى حد جعل البعض من هؤلاء الدراسين يؤكدون أن المعالجة الحقيقية لأي انزلاق يصدر من جماهير الملاعب علينا البحث عنه خارج الميدان الرياضي·