منذ شهور طويلة وفكرة العودة إلى الركح تسكنني حتى العظم، كان النص المتغير والمتحول الذي اشتغلت عليه منذ سنوات قد تحول إلى أرضية جديدة استلهمت منها شخصيتين رئيسيتين، شخصية المجاهد المهمش والمغمور قدور البلاندي وشخصية الممثل الدالة على الوعي المتشظي والجريح والقلق والممزق في الوقت ذاته بين جمالية الفعل وفعل الجمالية المنبثق منهما زمن الجسد والروح في حاليهما المتجددين·· لكن العودة إلى الركح سرعان ما ظلت تحول دونها مشاكل شتى ارتبطت حينا بيوميات المهنة الإعلامية وتراكماتها وحينا آخر بالإنشغالات اليومية والتفصيلية الغارقة في برك الزمن العاصمي الكاسح والقاسي، والمفتقر إلى نبض اللحظات الجميلة المنبثقة من متعة الصمت والعزلة والبياض والخيال··· الإشتغال على فكرة العودة نفسها وعلى النص ذاته متشظيا ومتناثرا لولبيا ومفككا إلا أمكنة افتقرت إلى هواء نقي من الزمن الحر· وكنت بين لحظة الأمل واليأس وأيضا بين لحظة العناد والإستسلام إلى أن جاءت اللحظة هكذا على شفا حفرة لحظة الصدفة الفارقة والمجردة من كل المقدمات، كنت حينها رفقة صديق ممثل نتجاذب أطراف حديث الآني وحدوده عندما ذكر هذا أمامي صدفة كلمة الصحراء ودون إرادة مني تسللت الكلمة من بين منافذ جسدي إلى أعماقي فوجدت أن الفضاء الممكن لانبثاق النص المشتغل عليه مجددا هو هذا الفضاء المفتوح، هذا الفضاء الصامت لكن الصاخب في أعماقه، بحيث تتجلى، وتمرح كل تلك الفوضى القابعة في أعماقنا هذا الفضاء هو الصحراء· وفي اليوم التالي قررت المجيء إلى هذا الفضاء علّه يساعدني على إعادة اكتشاف اللحظة الشاردة، اللحظة الضائعة في يعبوب اليومي الضاج·· وهذا الفضاء، الصحراء لم يكن بالنسبة لي سوى فضاء القنادسة· أخذت الطائرة على جناح السرعة وتوجهت إلى بشار ثم إلى القنادسة حيث التقيت بصديق ساعدني على كل ما يلزم لامتلاك هذه اللحظة، لحظة رسم وجه وملامح تلك الكلمات الغامضة والشاردة التي ظلت تتلاطم في سراديب الأيام··· هنا حيث الزمن يسيل على نهله والكلمات تخطو وهي تخرج متهادية من الأفواه على مهلها والعالم يسير على مهله، وجدتني اقترب من هذا العالم·· عالم الناس الذي لا يفتك منك ذاتك بل يدفعك للإلتقاء بها وبالتالي إلى إعادة تشكيل جوهرها وتنويم ملامحها وإعادة فتح نوافذها الموصدة والصدئة ونفض غبار اليومي القاتل عن شرنقتها وذلك من أجل أن تنبثق تلك النقطة الغائبة نقطة ضوء·