أحمد سعود يونس شاعر جزائري، يعتبر أحد أبرز الأقلام الجادة المحافظة على الموروث الثقافي العربي، أسهم وأعطى الكثير للشعر الشعبي الفصيح، بدأ الكتابة منتصف السبعينيات، لمع اسمه في سماء الإبداع وعمره لم يتجاوز الخامسة عشرة ربيعا، هادئ الطبع، شغوف بالمطالعة ومعرفة كل شاردة وواردة، خصوصا ما تعلق بالأدب العربي والغربي، ودود، قناص قصيد، صريح حد القسوة، ذواق، ذكي في تذوقه، حالم، لماح. كانت دمعات الرجولة تنهمر داخل وجدانه بعد الانتهاء من كل قصيدة يكتبها، فاعل ثقافي، وساهم في دفع عجلة الحركة الثقافية عبر كامل التراب الوطني على مدار ثلاثة عقود من الزمن، يرأس جمعية المؤانسة الثقافية، من مؤسسي عكاظية الشعر الشعبي، ومن الذين نظروا فيه، وعرفوا برواده، كذلك من مؤسسي جمعية الخيام الوطنية، وعضو اتحاد الكتاب الجزائريين منذ سنة ,1980 وعضو مؤسس رابطة الإبداع الوطني ورئيس مكتبها بولاية سكيكدة سنوات الثمانينات، حاصل على شهادة ماجستير في الأدب العربي، يشتغل مفتشا تربويا في ذات الاختصاص، له بصماته في حقل الإعلام الإذاعي، حيث شغل منصب منتج برامج بمحطة ورقلة الجهوية، ومنشط برنامج نادي الأطفال، ثم مراقبا للإنتاج بالمؤسسة الوطنية للتلفزيون أواخر الثمانينات. مكنته خبرته الأدبية وشعره المرهف المتناسق والمحافظ، من حصد عشرات الجوائز الأدبية خلال مسيرته الحافلة بالمحطات، من بينها جائزة ملتقى محمد العيد آل خليفة للشعر سنة ,1984 وتعتبر قصيدته ''رحلة الحب الدفين'' أول قصيدة تدخله قلوب القراء وكل من سمعها، وهي التي فتحت له آفاق الانعتاق في عالم الكلمة المضيئة، صدرت له مجموعته الشعرية الأولى ''ابتسامة جرح'' منذ سنوات، كما أن له عدة مخطوطات شعرية تحت الطبع منها ''دموع في ليالي الربيع''، ''منتهى الحرمان''، ''صدى المأساة''، بالإضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان ''ومضات نسائية'' وكتاب في النقد الأدبي بعنوان ''أشواك نثرية''. الحوار إلتقت صاحب هذه التجربة المتميزة في عالم الأدب والإبداع، وصاحب المحطات الكثيرة والمثيرة، للقاء المفاجئ معه هذه الدردشة الثقافية التي اعتبرها نبش في ذاكرته بعد أن عدنا به إلى سنواته وبداياته الأولى.. الحوار: أين هو الشاعر أحمد سعود يونس، وأي زاوية يركن فيها من زوايا حقل الإبداع؟ ** أحمد سعود يونس: كان وما يزال حيث هو.. منذ كونه شاعرا يبحث في عوالم الإبداع .. عن أفق يشع منه على الإنسانية .. إنه يفتش عن قصيدة يشعر بعدها بالعجز عن الكتابة. أي المحطات أكثر أهمية في حياتك الأدبية؟ ** في البداية كانت المرأة مصدر إلهامي ومحور أعمالي المتواضعة والبسيطة، إلا أن الاكتفاء بالاستقرار العائلي، ومعاناة الوطن من اللاأمن وما تعانيه الأمة الإسلامية من انكسارات غير وجهة قاموسي اللغوي، إلا أني أحلم إلى اليوم أن أكتب قصيدة للمرأة من جديد وأخرى للوطن وثالثة عن الإنسانية. لدينا معلومات تؤكد قراءاتك المختلفة والمتشعبة في كل المجالات والثقافات.. إلى أي مدى تشعب القراءة زوايا واتجاهات الإبداع لديك؟ وأي القراءات التي تؤثر في قصائدك؟ ** صحيح.. لا يأتي إنتاج أدبي من فراغ، نظرية التناص ل''جوليا كريستيفا'' تقول: ''إن النص نصوص'' فكل نص لاحق هو وليد نصوص سابقة، ونظرية التلقي ترى في القارئ الايجابي شخصا منتجا، يعيد إنتاج ما قرأ في صورة جديدة، إلا إنني مع هذا أرفض أن أكون نسخة من الآخرين وأرفض أن أكون نسخة تتكرر في قصائدي، للشعر فرادة، يجب أن تميز قصائد الشاعر، وإن فقدت التميز فقدت التفرد، وبالتالي تفقد صفة الإبداع، ويسهل اختفاء صاحبها وسط الزحام، أما القراءة التي في كتاباتي الشعرية فهي الجمال ...يكفي أن أقرأ الجمال في كل شيء حتى في أحزاني ومآسي الآخرين. متى يتوازى ارتباطك الروحي مع الطبيعة؟ ** لو كنت رومانتيكيا لقلت لكم أن الطبيعة معبدي ولكني لست كذلك، إلا أنها فتنتني التي لا خلاص منها، فأنا جزء تافه فيها وحضورها في شعري يصور ذلك التعلق المتجذر في أعماقي، أذكر أني لما رحلت من مدينة ورقلة للإقامة بمدينة سكيكدة قلت: أنا كنت في الصحراء نخلا باسقا وجداول في رقة تنساب وكثيب رمل حالم تحت اللظى وطيوفه فوق الرمال سراب وأظلني من بعدها في موطني بحر وموج هادئ وعباب ومدائن مفتونة شطآنها ترسو على أعتابها الأهداب إلى أي مدى تستهويك الفضاءات والأماكن لفعل الكتابة؟ وأي الأوقات والحالات النفسية التي تجد فيها نفسك مجبرا على حمل القلم؟ ** الكتابة.. لحظة مخاض عسير حيثما كانت لحظة الميلاد تكون القصيدة، إنها بكل صدق تأتي دون سابق إنذار، لا تعرف المواعدة ولا المقدمات ولا تختار الأماكن، إنها حقا لحظة الميلاد..لا شكل ولا لون ولا طعم لها.. يكفي أن أتساءل بعد الانتهاء من القصيدة.. هل أنا من كتب هذا الكلام؟ وقد أجهش بالبكاء، وقد أبكي طويلا بعدها. معروف عن الشاعر أحمد سعود يونس إقامته بعدة ولايات في مناطق مختلفة من الوطن.. هل ترى أن للجغرافيا دورا في مسيرة الشاعر الإبداعية؟ وهل ترى أن الجغرافيا ظلمتك على غرار بعض الشعراء الذين حاورناهم؟ ** الجغرافيا.. حاولت تهشيم هذا الصنم المقدس في العشرين من عمري، حين غادرت مدينة بئر العاتر إلى ورقلة ولم أستطع، فحاولت مرة ثانية حين انتقلت إلى سكيكدة، وبعدها إلى عدة ولايات مختلفة، إلا أنني عجزت فعدت إلى تبسة، لكني سأرحل عنها إلى مكان ما كي أحطم صنم الجغرافيا ... ألم يقل أحدهم ذات يوم: ''ذاك رفعته بغداد وأنا وضعتني الدينور''. إن الأمكنة تصنع المستحيل وليس القصائد فحسب، فهل تذكرون معي ابن الجهم في قوله .. عيون المها بين والرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري كيف كان قبل دخوله القصر، ولكم أن تضحكوا مما قال. ما وجهة نظرك حول الملتقيات والتظاهرات الأدبية التي تقام بالجزائر؟ ** الملتقيات والتظاهرات الأدبية التي تقام ببلادنا من حين لآخر، تقترن دائما بصرخات الإقصاء والتهميش وعدم الرضا، ويعود السبب في ذلك إلى عدة عوامل، أولها الجغرافيا التي ظلمت ولا تزال تظلم الكثير من الشعراء والمبدعين الرائعين، ضف إلى ذلك التضخيم الإعلامي لبعض الرديئين وتقزيم التجارب النوعية، إلى جانب الهزال والضحالة التي تطبع المشهد الثقافي حتى أصبح من لا علاقة له بالثقافة والأدب يتبوأ منصبا إعلاميا وأدبيا هاما ويحلو له فعل ما يشاء.وما أكثر المبدعين المغمورين في هذا الوطن، ألا ترون أن المسابقات الشعرية قد أظهرت أسماء رائعة لم يكن لها سابق ذكر في وسائل الإعلام ولا حضور في الملتقيات الأدبية لأنهم بكل بساطة لم يتلقوا دعوة لذلك.. إنها الانتهازية التي حطمت كل شيء جميل في هذا الوطن. رأيك في المسابقات الفضائية التي تطلق من حين لآخر على القنوات الفضائية خصوصا وأننا لاحظنا اسمك من بين المتسابقين على لقب شاعر العرب؟ ** لا أنكر أنها جيدة وحركة تفاعلية رائعة تشجع على الإبداع وتحفز على الانتشار والتواصل، إلا أن عملية التقديم (التقييم) ليست معيارا سليما للحكم على الإبداع بسبب الغثائية التي تفرزها الرسائل القصيرة لانتقاء أفضل القصائد، وهي أحكام جائرة لا مصداقية لها أو فيها. ما تقييمك للمشهد الثقافي الحالي ببلادنا؟ ** هل تقصد الرداءة؟ عفوا ..أراه مشهدا مقززا... ما نظرتك حول مستقبل اتحاد الكتاب الجزائريين؟ ** سيبقى على حاله أو أسوأ ما دام من يأتي يركب على صهوته. هل ترى أن المجايلة في الأدب تخدم وتواكب وتجدد النص الأدبي في الجزائر، أم الذي يحدث هو العكس؟ ** مجالات الإبداع آفاق مفتوحة على اللامنتهى ولا يمكن ممارسة التخصص في الجزائر على الخصوص، إلا أن أغلب ما يكتب اليوم لا يخرج عن دائرة الثالوث المحرم- المرأة، الوطن والدين- إلا أن الشائع من هذا الإبداع لا وجهة واضحة له، إنه يبدو كالغثيان..... ما رأيك في الأسماء الشعرية التي أفرزتها عملية الطبع خلال تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية؟ ** أفضل ألا أجيب... وأرجو المعذرة عن الامتناع. ما رأيك في غياب وضعف عنصر النقد في بلادنا؟ ** سؤال مهم.. النقد قراءة واعية للإبداع، موجهة له ومثمنة، وغيابه ناتج عن قلة الوعي، وجامعاتنا لا علاقة للعاملين بها بالإبداع إلا قليلا، وأي نقد سيمارس النقاد...ليس هناك نظرية نقدية عربية تواكب الإبداع العربي. والمناهج النقدية الغربية أفلست كلها في منابتها بدءا بالبنيوية وانتهاء بالتفكيكية، أما المناهج السياقية فلا تضمن نتائج ايجابية، ولم يبق لنا إلا الارتماء في أحضان الغرب، نستهلك منه النقد كما نستهلك منه الطعام واللباس وأشياء أخرى... وفي نظري غياب النقد هو الذي أوصلنا إلى الرداءة التي رفضت الإجابة عنها سابقا. ما النصيحة التي يفضل شاعرنا أن يقدمها لجيل الشباب المبدع؟ ** من أراد أن يتميز فليصنع نفسه بنفسه. كلمة أخيرة ... عنقود هذا الحوار المفاجئ؟ تمنيت لو لم أكن شاعرا فأشقى بهذا الكلام الشقي أعانق في السهو فيض شعوري وفي الصحو يسهو معي يرتقي فتطرق بابي القصيدة لهوا فأغفو على سحرها الشيق فحينا أعانق معنى وجودي وحينا كأني لم أخلق وألف شكر ليومية ''الحوار'' على هذا النبش في ذاكرة كادت تتلاشى في زوايا النسيان ودروب الحياة.