هل قرأ عبد العزيز بلخادم ''الأمير'' لميكيافيلي؟ كل المؤشرات تكشف أن بلخادم خلال مساره السياسي قد استوعب ميكيافيلي ليس فقط على المستوى النظري، بل على مستوى الأرض، فالرجل الذي بدأ مساره السياسي بشكل متواضع وغير ملفت للنظر، استطاع أن يصمد أمام كل العواصف التي أطاحت بالعديد من الرؤوس التي طمحت يوما للوصول إلى سدة الحكم، فمن نائب خجول لا شخصية له، ذمث الأخلاق ومتأقلم مع كل الأوضاع الجديدة في ظل نظام الحزب الواحد وما بعده، تمكن بلخادم من كسب ودّ أحد رعاته الأقوياء في فترة الشاذلي بن جديد وهو الراحل الجنرال العربي بلخير، الذي غمره بعطفه وكان يرى فيه موظفا سياسيا طائعا، طيّعا ووفيا ومستعدا لتنفيذ الأوامر النازلة من فوق ومن وراء الستائر بشكل حرفي ولائق، ولقد ساعدت بلخادم صفته الظاهرة التي تكشف لأول وهلة عن رجل طيب وساذج، كما أن بلخادم كان واعيا ومدركا لهذا السلاح الذي يمتلكه بفضل القناع المضلل الذي يلبسه، ومكنه من الإقتراب بشكل زاحف ومطرد من الدوائر السعودية لأصحاب النفوذ والقرار، وعرف بلخادم كيف يلعب دورا خطيرا عندما كان الفيس في أوج قوته وفي أزهى لحظات مجده، فأدى دور الوسيط بين الشاذلي بن جديد وقيادة جبهة الإنقاذ بزعامة عباسي مدني، بحيث كان بلخادم يهيئ نفسه لأن يكون رئيس حكومة ائتلافية بين الإسلاميين والتيار الوطني من المقربين للشاذلي بن جديد، وذلك في حالة ما تمت الصفقة بين الإسلاميين والشاذلي بن جديد الذي كان ينوي الاحتفاظ بالسلطة وحتى وإن كانت ذات زي إسلامي، وفي الوقت ذاته كان يسعى إلى التخلص من كل مزعجيه من القياديين السامين داخل مؤسسة الجيش ممن كان وراء تعاظم سلطتهم ونفوذهم، وبالرغم من أن بلخادم فقد رهانه وأضاع بعض أوراقه، عندما اضطر الشاذلي بن جديد إلى الإستقالة تحت ضغط العسكر، فإن هذا الرجل اقترب من جديد من الراحل عبد الحميد مهري لينضوي تحت راية جماعة السانت ايجيديو ويحول بذلك موقعه الجديد ورقة ضاغطة للتفاوض مع أصحاب القرار أو وسطائهم في الظرف المناسب، بغية العودة من جديد إلى الحكم وحدث هذا بالفعل مع عودة بوتفليقة إلى الحكم عندما وضع هذا الأخير ثقته كاملة في بلخادم، خلال كل الفترات السابقة وواجه بوتفليقة مشاكل جمة وأحيانا عاصفة مع الجناح القوي في النظام بسبب رهانه على بلخادم واحتفاظه به ودفاعه عنه، وظهر ذلك جليا إثر الإستقالة الإضطرارية لأويحيى من منصب رئاسة الحكومة ليعوض ببلخادم، وبالرغم أن خصوم بلخادم الإيديولوجيين يهوّنون من قوته ويعترضون عليه معتقدين أنه يبقى ضعيفا بسبب موالاته المطلقة لبوتفليقة، إلا أن العارفين ببواطن الأمور يؤكدون أن بلخادم بعث بأكثر من إشارة قوية لممثلي النواة الصلبة في النظام، وهذا يعني أنه مستعد ليستعمل كورقة ضد الرئيس نفسه إذا ما يفتح له ذلك الباب أمام قصر المرادية، وإذا ما صدقنا هؤلاء العارفين، فإن البلبلة الأخيرة التي أثارها بلخادم داخل بيت الأفلان، باختياراته اللاعقلانية لرؤساء القوائم للإنتخابات التشريعية، الغاية منها تمهيد الطريق للإسلاميين حتى يحققوا انتصارات انتخابية، تكون لصالحه في نهاية المطاف لأن يصبح الشخص المرشح لأن يكون خليفة لبوتفليقة في ظل لعبة التوازنات الجديدة·