كان الشاذلي بن جديد يدرك أنه يختلف عن هواري بومدين من حيث الكاريزما، فهو ليس بالخطيب الجيد الذي يملك سحر اللغة ولا هو بالشعبوي القادر على جذب الجماهير·· لكنه كان قادرا أن يكون ذلك الرجل البراغماتي القوي بمستشاريه ورجاله الأوفياء، وكان الجنرال العربي بلخير أحد هؤلاء الذين كان يعتمد عليهم الشاذلي بامتياز·· كل الملفات الكبرى والمتراكمة التي كانت توضع على مكتب الشاذلي بن جديد، كان يسلمها للجنرال بلخير·· وكان هذا الأخير معروفا بصبره على دراسة الملفات، بحيث شكل من حوله فريقا يتابع هذه الملفات السرية، وفي كل مساء كان يجلس إلى الشاذلي ويعرض عليه تحليله ونظرته الاستراتيجية·· جعلت مثل هذه الجلسات العلاقة بين الرجلين أكثر قوة، وهذا ما جعل الكثيرين المقربين من الشاذلي بن جديد يشعرون بالغيظ والغيرة وبحالة من التنافس الخفي حول من يملك أذن الرئيس··· أثناء أحداث أكتوبر ,1988 تفاجأ الشاذلي بن جديد بهول الأحداث، وبروز الإسلاميين الراديكاليين في الشارع، وكان وجه مثل الإمام الشاب علي بن حاج مثيرا لقلق الرئيس، وقد سأل الشاذلي بن جديد الجنرال بلخير ''من أين جاء هذا الشاب، وماهي هذه القوة التي جعلته يتحول في لحظة مثل هذه إلى زعيم شعبي، تجاوزت شيخا مثل الشيخ محفوظ نحناح··'' صمت الجنرال بلخير وهو يصغي إلى الشاذلي بن جديد الذي كان في لحظة غضب ممزوجة بلحظة الروع الخفي، ثم قال مخاطبا الرئيس ''·· سيدي الرئيس، إن هذا الشاب، معروف لدينا بتطرفه، وقد كان سجينا لسنوات، فهو متورط في جماعة مصطفى بويعلي، وأنت الذي قمت بالصفح عنه يوم كان سجينا بلومين'' لكنه رفض الصفح، وقضى ما تبقى له من وقت في أحد سجون الجنوب الصحراوي·· إنه عنيد·· ''لكن لا أظن أنه سيشكل علينا أي خطر··· إنه مراقب، ورجالنا جعلوه دون أن يشعر تحت أنظارهم···'' لكن الشاذلي بن جديد لم يقتنع كثيرا بكلام الجنرال بلخير، وأعطى أوامره، ليبقى مثل هذا الشيخ الشاب تحت المراقبة الخفية··· وفي اليوم التالي من هذه المحادثة بين الرئيس الشاذلي والجنرال العربي لخير، استدعي علي بن حاج من طرف مصالح العقيد اسماعيل آنذاك، وكان مكان اللقاء في أحد المراكز التابعة لهيئة العقيد اسماعيل وهي غير بعيدة عن مقر البرلمان·· حدث ذلك في الأيام الأولى التي تلت مسيرة الإسلاميين الراديكاليين باتجاه ساحة الشهداء في 10 أكتوبر ,.88 وكان اللقاء بين علي بن حاج والعقيد اسماعيل بعد صلاة الظهر، كان العقيد اسماعيل العماري رفقة ضابطين من جهازه·· كان اللقاء ''وديا'' كما قال لي علي بن حاج فيما بعد·· سئل عن رأيه في الأحداث، وقال له اسماعيل العماري حسب رواية علي بن حاج ''أنه يتمنى أن يبقى الإسلاميون بعيدين عن ما يحدث··'' ولم يكن يدرك علي بن حاج حينها أن الشخص الذي يتحدث عنه، هو العقيد اسماعيل العماري، وهو نفس الشخص الذي سيلتقي به في رئاسة الحكومة مع مولود حمروش وعباسي مدني أثناء الإضراب السياسي الذي شنه حزب جبهة الإنقاذ في جوان .1991 في أحداث أكتوبر شعر الشاذلي بن جديد أن هيبته أصيبت في الصميم، وبدأ يسمع لأول مرة أصواتا تتوجه إليه باللوم والعتاب والنقد حتى من داخل جهاز الحكم، وكانت الفضيحة المالية التي تورط فيها إبنه مع البنك المركزي قد أصبحت قضية رأي عام وطني، وراحت الألسن في الصالونات تتحدث دونما خوف عن الثراء الفاحش والصفقات المشبوهة التي تورط فيها مقربون من عائلة الشاذلي بن جديد··· وكان مثل هذا الأمر يثير أعصابه وغضبه وقلقه، وقد صارحه الجنرال العربي بلخير بكل ما كان يقال ويتردد على الألسنة، وهنا قال له الشاذلي وهو غير قادر على اتخاذ أي قرار ''وما العمل يا سي العربي'' فأجابه الجنرال العربي بلخير ''يجب أن نواجه بكل شجاعة وضبط نفس··''·· وفي مثل هذا المناخ المتوتر كان مسؤول المخابرات السابق الذي خطط لتولي الشاذلي بن جديد ليكون على رأس الحكم، يشعر بالإطمئنان والفرح الخفيين·· وقال لأحد مقربيه ''هاهي فرصتنا حانت'' وبالفعل كان قاصدي مرباح، الرجل الصامت والفولاذي وذو العقل المدبر يحضر نفسه ليحل محل الشاذلي بن جديد·· وفي لقاء خاص مع الجنرال العربي بلخير، صارحه هذا الأخير أن الوقت ليس في صالحه ليكون خصما للشاذلي بن جديد، وأبلغه أن الشاذلي بن جديد يحظى بدعم الرئيس الفرنسي ميتران، وأن هذا الأخير غير مستعد للتخلي عن صديقه الشاذلي بن جديد·· وقد فهم قاصدي مرباح الرسالة، وقد حاول الشاذلي وهذا بإيعاز من الجنرال العربي بلخير أن يرد التحية بمثلها لقاصدي مرباح، فكان تعيينه أول رئيس للحكومة بعد رحيل عبد الحميد الإبراهيمي·· وفي هذه الأثناء التي هزت أيامها عرش الشاذلي بن جديد، حاول الجنرال العربي بلخير أن يحد من غضب الجنرال الوزير رشيد بن يلس الذي صارحه بضرورة رحيل الشاذلي، فهو ''لم يعد قادرا على إدارة السفينة، وأصبح مكروها لدى الجماهير·· ولكن الجنرال الوزير رشيد بن يلس لم يتمكن من التحكم في أعصابه، وأدلى بتصريح لجريدة لوموند، تعرض فيه بالنقد لسياسة الحكومة التي كان عضوا فيها''، أثار مثل هذا التصريح الرئيس الشاذلي بن جديد، واتصل وهو في أوج غضبه بالجنرال العربي بلخير قائلا ''ماذا أصاب رشيد ليدلي بهذا التصريح دونما إذن إلى جريدة فرنسية···'' وأضاف ''هذا الرجل لا أريد أن أراه··'' حاول الجنرال بلخير أن يهدئ من روع الرئيس الشاذلي بن جديد، ثم دعا من جديد الجنرال رشيد بن يلس إلى منزله وأخبره أن الرئيس غاضبا على التصريح الذي أدلى به لجريدة لوموند، لكن رشيد بن يلس ظل على موقفه وقال للجنرال العربي بلخير ''··أنا منذ هذه اللحظة أعتبر نفسي مستقيلا من الحكومة···''، رفض الشاذلي بن جديد استقالة رشيد بن يلس التي سلمت للجنرال العربي بلخير، وعندما تم تشكيل حكومة جديدة بقيادة قاصدي مرباح لم يكن ضمنها الجنرال الوزير رشيد بن يلس··· كان الشاذلي بن جديد في هذه الفترة التي أعقبت أحداث أكتوبر مثل الرجل المريض، بحيث تحول كل من حوله يطمعون في أن يكونوا ورثته الجدد، وقد أدرك الجنرال العربي بلخير ذلك جيدا، وكان عليه أن يحضر في صمت وهدوء فريقا جديدا يلتف حول الرئيس، وهذا من أجل إنقاذ النظام، والتطويق الذكي للمعارضة التقليدية والناشئة التي يحاول جزء منها، وهم الإسلاميون الراديكاليون الوصول عن طريق الشارع إلى السلطة·· قال الرئيس الشاذلي بن جديد لساعده الأيمن الجنرال العربي بلخير ''·· هؤلاء الإسلاميون يريدون رأسي آجلا أم عاجلا، فكيف يمكن التعامل معهم'' وهنا اقترح المساعد الحميم وحافظ أسرار الرئيس ''··· هؤلاء الإسلاميون، يجب أن نطوقهم بذكاء·· وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بجرهم إلى اللعبة السياسية···'' وعندئذ قال الرئيس ''تقصد أننا نمنحهم الإعتماد·· هذا مستحيل··'' فقال الجنرال العربي بلخير ''·· ليس أمامنا من حل، إلا كشفهم تحت الأضواء، وكشف قدراتهم وأدائهم أمام الشعب··· لا يجب علينا تركهم في الدهاليز··· سيشكلون خطرا على الدولة إن نحن تركناهم ينشطون في الظلام··· ثم إن هناك إسلاميون معتدلون، يجب علينا تشجيعهم ودعمهم ومساندتهم للحد من قوة هؤلاء الراديكاليين···'' ظل الشاذلي بن جديد صامتا، ثم نظر إلى الجنرال العربي بلخير قائلا ''إذن، لابد أن نفكر وبجدية في الأمر··'' كان رأي أبو بكر بلقايد مدعما لرأي الجنرال العربي بلخير، ونفس الرأي كان بالنسبة لمجموعة الإصلاحيين الذين كانوا مقربين من الشاذلي بن جديد، وكان يقودها في تلك الفترة مولود حمروش الذي كان يحظى بثقة الشاذلي بن جديد، وبثقة أفراد عائلته·· وكان مولود حمروش في تلك الفترة يخطط للتخلص من رأسين كبيرين من أجل الاستحواذ كليا على ثقة الرئيس بن جديد·· في حوار سجلته مع أبوبكر بلقايد في العام ,1993 قال لي ''لقد تمكن مولود حمروش من إحراز ثقة الشاذلي بن جديد الذي كان معجبا بذكائه وقدرته الفائقة في العمل'' وقد تمكن حمروش من إحداث أول صدع بينه وبين الجنرال العربي بلخير، عندما نبهه أن بلخير تمكن من خلق شبكة كبيرة من الموالين له، سواء داخل مؤسسة الرئاسة أو داخل مؤسسة الجيش، أو داخل المجتمع المدني، وهو بهذا العمل السري والحثيث يسعى إلى جعل الرئيس رهينة له، ولمجموعته القريبة، وعناصرها أغلبهم من الضباط الذين عرفوا ترقيات كبيرة في عهد الشاذلي بن جديد···'' ومثل هذا التنبيه ''جعل الشاذلي بن جديد يشعر بعدم الإطمئنان للجنرال العربي بلخير الذي أصبح نفوذه يتصاعد ويتزايد باستمرار''· شعر مولود حمروش بالزهو والانتصار بعدما تمكن من الحد نسبيا من نفوذ الجنرال العربي بلخير الذي كان يستمد جزءا منه بفعل قوة العلاقة التي كانت تربطه برئيس الجمهورية، ومن إقالة قاصدي مرباح الذي يبتلع هزيمته على يد حمروش بتلك الطريقة التي اعتبرها ''مذلة'' أدرك الجنرال العربي بلخير في تلك اللحظات أن دوره قادم إن ظل في موقع المتفرج·· لكن ما العمل؟! بينما بدأ نجم مولود حمروش الذي أصبح رئيسا للحكومة بالصعود·· راهن هذا الأخير على كتيبة قوية وهي كتيبة الإعلام·· فلقد أغدق حمروش على المقربين منه ليؤسسوا صحفا مستقلة، تكون موالية له·· وبالفعل تحولت هذه الصحف من الموالين لحكومته وأصبحوا ينعتون بالإصلاحيين والحمروشيين·· ودعم هذه الكتيبة بتعيينات من المقربين له على رأس المؤسسات الإعلامية العمومية الكبرى مثل الإذاعة والتلفزيون·· وقد عرف التلفزيون في تلك الآونة حيوية لم يسبق لها مثيل من خلال البرامج السياسية التي تحولت إلى حلبة للنقد الحر للسلطة، سواء كان هؤلاء المنتقدين للسلطة من الديموقراطيين أو من الإسلاميين الراديكاليين أو المعتدلين·· وبدا للمراقبين أن السلطة الجزائرية أصبحت برأسين، بدل رأس واحد·· رأس الحكومة، ورأس الرئاسة·· وراحت صورة رئيس الحكومة مولود حمروش تتعاظم على حساب صورة رئيس الجمهورية الذي كان يبدو تائها وحائرا وسجينا لرئيس حكومته··· ثم شيئا فشيئا تحولت الصحافة ''المستقلة'' إلى يد ضاربة بين أيدي مولود حمروش، ليس فقط ضد الإسلاميين الراديكاليين، بل ضد من كانوا يسمون ببارونات جبهة التحرير، وممن كانوا يحسبون على الرئيس الشاذلي بن جديد·· أدرك الجنرال العربي بلخير أن مولود حمروش أخذ منه زمام المبادرة في إدارة الصراع الجديد لما بعد أحداث أكتوبر·· وكان عليه التفكير من جديد كيف يستجمع قوته ويعيد ترتيب علاقاته من أجل خلق توازن جديد معاكس تماما لهذا التوجه الجديد لميزان القوة الذي أصبح في وقت وجيز لصالح مولود حمروش وفريقه ممن يوصفون بالإصلاحيين، خاصة ظهور عدد من المقالات التي راحت تنتقد الجنرال العربي بلخير بصورة ساخرة وقاسية، وما راحت تثيره من شبهات وشكوك حول نفوذه في كواليس السلطة وفي كواليس الأعمال·· جبهة الإنقاذ في صراع التجاذبات بين بلخير وحمروش كانت نتائج الانتخابات المحلية في العام 1990 التي حققت جبهة الإنقاذ من خلالها الأغلبية ضربة قاضية لجبهة التحرير·· وكانت بمثابة الإشارة الحمراء للفريق الحاكم·· وفي لقاء مع الرئيس حاول الجنرال العربي بلخير أن يرد ذلك إلى تهاون الحكومة تجاه الإسلاميين الراديكاليين، وأن الأمر أصبح لا يطاق، لذا فلابد من ضبط الساعة من جديد، إن الأمر قد يصبح خطيرا إذا ترك على هذا المنوال، ''لكن رئيس حكومة الشاذلي بن جديد هوّن من الأمر·· ونصح الرئيس أن يقبل بالنتيجة لأنها نتيجة ستكشف للرأي العام الدولي أن الجزائر على الطريق الصحيح من أجل بناء ديموقراطية حقيقية'' وهذه الديموقراطية بأي شكل من الأشكال سوف لن تضر نظام الحكم في شيء بل ستدعم مصداقيته لدى الشركاء العالميين، وتعطي صورة طيبة عند وسائل الإعلام الوطنية والدولية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية سيتم الكشف عن حدود الإسلاميين الراديكاليين على أرض الميدان، فكل السمعة التي يتمتعون بها عند الجماهير سرعان ما ستنحدر نحو الأسفل عندما لا يتمكن الإسلاميون الراديكاليون من حل المشاكل اليومية والمتفاقمة التي سوف تطرح بحدة من طرف المواطنين··· إنه ''فخ قمنا بنصبه لجبهة الإنقاذ يا سيدي الرئيس·· لقد قدمنا لهم الطعم وابتلعوه بسهولة··'' ثم أضاف حمروش وهو يحاول أن يضع الرئيس الشاذلي بن جديد في جيبه ''أنتم تدركون سيدي الرئيس أن حزب جبهة التحرير أصبح مكروها وممقوتا من طرف المواطنين··· لقد أصبحت جبهة التحرير رمزا للفساد والتعفن، وأن باروناته لا يشعرون تجاهكم بأي شعور طيب، هم يريدون التخلص منكم·· لذا فالفرصة أصبحت مناسبة للتخلص شيئا فشيئا من حزب جبهة التحرير وباروناته الذين لم يكفوا عن المناورة ضد سياسة الإصلاحات والانفتاح التي تبنيتموها بعد الأحداث الأليمة··· وقال حمروش للشاذلي بن جديد ''لقد آن الأوان للذهاب بعيدا في التغييرات'' وآن الأوان لأحداث تشبيب داخل السلطة، وما يحدث الآن لحزب جبهة التحرير يساعدنا على تحقيق ما وعدت به الجزائريين··''· شعر الرئيس الشاذلي بن جديد لحجج وكلام رئيس حكومته الساحر، ومنحه كل تزكيته ودعمه ليخوض معركته ضد بارونات جبهة التحرير، وضد من يرفضون التغيير ولا يريدون تقاسم سياسة الرئيس···· واقتنع الجنرال العربي بلخير أن مولود حمروش قد كسب الجولة ضده·· وأنه أصبح الآن مصدر خطر ليس فقط بالنسبة إليه، بل بالنسبة لرفاقه من المؤسسة العسكرية الذين خاضوا أكبر مغامرة عندما واجهوا الجماهير الغاضبة في الشوارع، وبدا هذا الخطر ملموسا عندما راحت الصحافة المقربة والموالية لحمروش تثير قضايا في العلن عن ضرورة إحداث تغييرات في هيكلة المؤسسة العسكرية، وشن حملة ضد ما أسمته بعض الأحزاب السياسية والصحافة، ضرورة التخلص من تدخل البوليس السياسي في الحياة السياسية··· في ظل مثل هذا الصراع بين أقطاب الحكم، وجد الدكتور عباسي نفسه أهم شخصية سياسية في المشهد السياسي·· وتحول بيته إلى مزار حقيقي لعدة شخصيات كانت في السلطة وأصبحت الآن تعيش على الهامش··· وكانت هذه الشخصيات تشعر بالمرارة وبرغبة في تحقيق ثأرها من الشاذلي بن جديد، ومن بين هذه الشخصيات قاصدي مرباح الذي قام بتأسيس حزب سياسي أسماه ''مجد'' والبومديني العتيد شريف بلقاسم، ومسؤول الحزب الحاكم في الثمانينيات محمد الشريف مساعدية، وعدد من الضباط القدامى الذين تخلى عنهم الشاذلي بن جديد، وأحسوا بأنهم تعرضوا للإهانة والخيانة من طرف رفيق دربهم القديم·· وبالرغم أن علي بن حاج لم يكن مطمئنا لمثل هذه الاتصالات إلا أنه لزم الصمت، وكان يقول للمقربين منه ''أنه داعية وليس برجل سياسة، وهو يترك مثل هذا الأمر وقلبه مطمئنا لحكمة وبراعة الدكتور عباسي مدني الذي يعرف من أين تؤكل الكتف··''· وفي أحد اللقاءات المتبادلة بين الدكتور عباسي مدني ومحمد الشريف مساعدية، قال عباسي وهو في حالة من الزهو والاعتياد بالنفس ''أن الشاذلي بن جديد، يفكر جديا من التخلص من بعض القادة العسكريين المقربين منه، في حالة ما إذا لم يتخذ إجراءات ضد الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ومن بينهم الجنرال العربي بلخير الذي أصبح يخطط ضدنا··'' وأضاف ''أن الشاذلي بن جديد حسب وسطاء غير مستعد ليغامر بالبلاد من أجل مصالح طغمة لا تريد الخير لهذا الشعب·· وهو متأكد تمام التأكيد من أن الأمة كلها أصبحت معنا···'' صمت محمد شريف مساعدية للحظات طويلة ثم قال للدكتور عباسي مدني ''يا شيخ، هل تريد أن تسمع مني أم تسمع لما يقوله لك الوسطاء··'' فابتسم الدكتور عباسي ابتسامة غامضة لكنها ابتسامة كلها ثقة وتعال، وقال مخاطبا ضيفه ''·· تفضل يا سي شريف··· اسمع منك···'' فقال محمد شريف مساعدية ''إنك قاب قوسين من السلطة، لكن بشرط أن يكون إلى جانبك جزء من الصحفيين، وجزء من الإداريين، وجزء من العسكر وجزء من السياسيين الغاضبين وغير الغاضبين·· وجزء إن لم أقل كثيرا من قدامى المجاهدين·· ثم انسى الأمة·· فنفس هذه الأمة نادت بحياة الشاذلي وحياتي بأيام قبل أحداث أكتوبر ,,.88 وأثناء أحداث أكتوبر ,88 نفس الأمة راحت تصرخ الشاذلي عدو الله، ومساعدية سراق المالية··· انسى الأمة إنها معك، وفكر فقط في هؤلاء من ذكرتهم لك·· وعندئذ تكون السلطة بين يديك··''·