مثلما يتأكد دائما المعطى العلماني من الممارسة الحية لأنشطة هي محض غير دينية، الاجتماع والتمدرس، وكالرياضة والسفر وكالكتابة والتفكير وكاختيار الأصدقاء واختيار رؤساء النوادي والجمعيات والجمهوريات وآخرا وليس أخيرا، اختيار الملبس، وبدءا ليس الملبس هو الهوية الجماعية بل هو هوية الفرد والمفرد، هوية الكينونة والأنا يتأكد كذالك المعطى الديني وهذا ما يحدث في فرنسا مؤخرا· متعودة هي فرنسا السياسية والفكرية على مشاكلة موضوع الزّي المتعلق بالمرأة، خصوصا المرأة المسلمة، لم يخفي الفرنسيون تبرمهم من ظاهرة البرقع وهي التي يرجح متابعون أنها ستتفاقم أكثر من حيث هي من تعبيرات الإسلام المهاجر في الغرب وباقي العالم، ويظل نحس الثقافة الاحتجاجية يشاكس الجمهورية ويلعب في عبّ أو بطن أو رأس النخبة، هؤلاء المتابعون يبدون مخاوف أكثر وأكبر خاصة إذا كان هذا البرقع، توجه ملبسي تتحمس له المسلمات الفرنسيات من الجيل الجديد اللواتي أقبلن على الديانة الإسلامية مؤخرا، تصريحات الرئيس الفرنسي ساركوزي ولجنة التقصي، وتحقيقات الصحافة في / النوفيل أوبسرفاتور/ وفي / ماريان/ وكذالك في / لوكانار أنشيني/ عن انتشار أشكال كثيرة من الحجب يرتبط أساسا بوجه المرأة، بداية لا نزعم المنحى الفقهي في موضوع خطير كهذا، ويتخذ باطنيا موقع التسييس والمصالحية، والذود عن حياض اللائكية الفرنسية· ضمن النطاق الكلاسيكي في الفقه الإسلامي، الأرثودكسي، أو الإصلاحي لا يتقدم البرقع أو الستار أو النقاب أي تقدم نحو ما يعرف بواجبات الإسلام، ولا يكون من المحظورات، في حالة تركه وليس هو من محاذير الفتنة، قد يكون ما ورد عنه في الخطاب الفرنسي، لمز، أو غمز أو تعريض أو تكتيك أو استعمالية، ولكن ليس فيه تجديف في حق الديانة الإسلامية، وليس فيه مساس، بل بالفعل يذهب الكثير من مسلمي الغرب مذهب الصدامية مع حضارة مستأنسة لخياراتها، قوامها الحرية، دينها العدل، ومنظومتها التعددية مع احترام القداسات من كافة الديانات يشمل ذالك غير المتدينين الذين قد يكون في ملبسهم ليسوا في حاجة لتثبيت هوية ناجزة أو تمظهر ديني، شكلاني· إن المسلم المهجري يتعشق الصدامية مع الفضاء العام والمنضوين تحته، الميديا، الكتاب، الطبقية السياسية، المشاهير والفنانين كإزابيل آجاني و جمال دبوز وكلود فيري وبرنار هنري ليفي، وتعمل اللائكية بحرفية بالغة العناية في دفع المؤمن إلى الشعور بالنبذ، وهي تعلم أن شعورا كهذا لا يقدم إضافات له ولا مسحة مميزة من التفاعل مع الحياة العامة التي تهم المواطنين والرعايا والزوار، إن اللائكية الفرنسية تخمش فقط في واقع المسلمين، وتدق على الأجراس، وتذكر المنبهات بان تعمل المطلوب مع المسلمين الذين يزدادون وجودا وانكثافا عبر مصاهراتهم وزيجاتهم مع الفرنسيات، مسلمات كثيرات تمادين وازددن جراة وخوفا على هويتهن من الذوبان والتلاشي، ولم يعد الحجاب فقط هم ما يستعمل للفزع أو للحجاج أو لإبراز السمة بل هاهن يمررن على التغطية الكاملة للوجه وقد كانت المسألة لا تتجاوز الوجه والكفين، راحت مسلمات يمارسن الحجب على الحجب، بالنقاب وبالستار، إن المسلمين الذين تزداد معاناتهم كلما كانوا نصيين، يتماهون مع القوالب مستمسكين بمنطق الطائفة وسط غنى وتنوع ووفرة الروافد في الثقافة الفرنسية وهم في حيرة أيضا دائمة وأكذوبة هوياتية تتجدد إذا افترضنا إلزامية طرح الحجاب بطرح مختلف عن ما يطرح اليوم عن البرقع والنقاب، فالزمن الذي مر والذي طرحت فيه فرنسا مبدأ وسيط الجمهورية في التسعينات يجسد فعلا الحجاب السياسي الذي أزعج النخب والمجتمع هناك، في باريس ومارسيليا كما في ليل وبوردو آنذاك تعلق الأمر بفلتان حركي في النشطوية الإسلامية امتلاء المساجد بالخطابات المختلفة، وبروز السلفية الأوربية، وكي تعالج فرنسا الموضوع قامت بلملمته باشراك طبقات المتدينين الرسميين، أهل الفكر والفلسفة، وناشطين من المجتمع التربوي والمدني، اتخذ الحجاب السياسي لحظتها دينامية صاعدة قضت مضاجع باسكوا وبالادور وألن جوبي وساركوزي إذ ذاك فليس المسلمون مجرد حثالة يجيثون من الضواحي والشعاب وليسوا هم البور الهمج، بل هم تطورات ومجايلات وانبثاقات وهواجس غير تلك ميزت أسلافهم الذين لم يكونوا يطلبون حق الصلاة، وحق الترميز الديني، وحق استغلال الفضاءات للدعوة والإرشاد، لكنهم في تمظهراتهم يكررون ويعيدون إنتاج المشهد المحلي ذاته الذي تركوه وراءهم ظهريا ، ويستعيدون صورة المهين في بلادهم الأصلية وهم ينقلون المعركة على أرض ليست لهم، تدعوهم للاطمئنان على المواطنية والتشارك والاجتماع والخلطة بالثقافات والديانات الأخرى، يمكن القول أن الصليب أو القلنسوة يأتيان في سياقات ولواحق متباينة وليساهما كالحجاب في الحضارة العربية الإسلامية بيد أن المعركة كما يقول المفكر الإسلامي محمد أركون هي معركة الأنسنة في الحياة الغربية ويفضل للعربي وللمسلم أن يبسط جناحه لأخيه المواطن وقرينه المؤمن وصاحبه غير المؤمن، فرغم التصدعات التي يحدثها الغلاة من أصحاب المصالح الحزبية الضيقة والرؤى العنصرية المتطرفة، لكن الطائفة المسلمة تنتظرها فعاليات وبرامج وإبداعات إنسانية، تتجاوز الحدود المطلبية إلى مجالات أنسنة وتطهير نفس وتسامي شوق وإخاء أخلاقي ورفعة تضم الآخر وتحضنه· لم تعد المشكلة إذن وحصرا في العربي القاطن ببلاد الغرب يعتّب على الفتاوى ويستجدي الحل الديني ويؤبلس الدنيوي، كما فعل إمام مسجد مارسيليا عبد القادر بوزيان الذي ألغى خطبة بليغة في ضرب الزوجات وأحكام النشوز لم تعد المشكلة فقط في السلفية العلمية التي انتشرت في فرنسا وهي تتنصل عن دعاوى السلفية الجهادية فيما هي تتطرف أكثر في قضايا التبرج واللباس والاختلاط، بل في المسلم الوافد داخل فرنسا وهو يرتد عن علمانيته وحداثيته، ويتجه إلى استنساخ أكثر المشاهد تعاسة وخواء تناهى إلى أذن ساركوزي أم نسوة مسلمات كثيرات ذهبن هذا المذهب وهي الكثرة التي لا تعني العدد بالضبط، فاللواتي يرتدين البرقع في فرنسا حسب المديرية الجهوية للمعلومات داخل الإقليم لا يتعدى 367امرأة وإذ هو يخيف فعلا لأن السلفية صارت في فرنسا قوية مقارنة مع ميولات أخرى / الصوفية، الدعوة والتبليغ، الأحباش، الشيعة / وفي بلاد الله الضيقة كبلاد الإكزاقون/ éxagone / يزاول أكثر من 10000سلفي طقوسهم الأكثر إيغالا وتمددا في الجسم الأوربي المرن، الخفيف والمعطوب روحيا، وهنا يأتي موضوع البرقع معادل للرمز لا للفريضة كما هو الجاري في الحجاب، هذا الأخير طرحته كل الفعاليات والأطياف ودافعت عنه حتى التوجهات المعتدلة في العالم الإسلامي كالقرضاوي وطارق رمضان وعائض القرني وسلمان العودة، إن الحجاب بوصفه لباسا تداخل في السياسي، وابتغى طريق المواجهة مع اللائكية لأنه قد يمثل الحقيقة الاجتماعية للإسلام التاريخي لكن البرقع أو النقاب حتى ولو يحاول نواب فرنسيون معروفون التشنيع العقائدي والسياسي له، فإنه في الواقع الديني للعالم الإسلامي ليس إطلاقا هو الرمز أو الواجب أو الحكم النهائي، ولا ترتديه المسلمات لدوافع الخوف من الله، وتجنب فتنة المسلم، واتقاء الفاحشة، فاحشة النظر هذه هي التي حركت النواب وحركت ساركوزي في خطابه في مؤتمر فرساي في 22 جوان، اسأل أي واحدة منهن القليلات مدعوات سلفية أئمة الضواحي فلا تجبك بغير خطاب الفاحشة المتوقعة التي يمكن أن يقع فيها المسلم لو نظرت إليه إحداهن أو هن يقصدن لو نظرن له هذه المخيالية الكاذبة لم يشنع بها ساركوزي وأعوانه بل الشيخ عبد الحليم أبو شقة الشيخ المعروف بموسوعته الضخمة عن تحرير المرأة قي عصر الرسالة، وكذالك المرحوم محمد الغزالي، ومشائخ آخرون نفوا النفي القاطع عن وجود حقيقة فقهية وتأسيس شرعي للنقاب· وجدت من الصعوبة بمكان أيضا أن نناقش مشروع القانون الذي قد يرغم المنقبة المسلمة على دفع 15000 يورو والسجن لشهرين، فاللائكية الفرنسية لا تفوت الخطأ في حق شرعيتها وذالك سلوك دفاعي، غريزي، استنفاري تلجا إليه هناك النخبة حتى تحد من الظواهر التي قد تأخذ أبعادا مستحيل تداركها· كان اقتراح الباندانا BANDANA في السابق مرفوضان لكن الجدل من الداخل في الأوساط الإسلامية لاقى القبول وأقنع الباحثات فقط عن التميز عن الغربيات، وأعاد دمجهن في المحيط الحياتي بمشاكل أقل، كما أدى قانون 2004 حول الرموز الدينية إلى تصعيد في الحجاجية والمغالبتية حيث غادرت البنات المدارس والجامعات، اتجه الذكران إلى الهياج الديني، وأسست الكثير من المدارس ذات المصادر الاسلامية، واليوم هذا القانون الذي يتعلق بالنقاب والذي قد تطبقه أيضا حكومة بروكسيل، يجب التاني فيه أكثر، يجب التفكير أولا في/ السلفية الفرنسية/ قال ملاحظ فرنسي عن حالة التنقب، هي حالة قد تخل بالأمن، في الأماكن العامة وفي الكرنافلات، مثال لذالك تضع فرقة أمينة معروفة اسمها GIGN القناع كي تمارس مهامها، وهو كلام أورده مرة عبد الحليم أبو شقة عن كون النقاب قد يكون قناعا لارتكاب جرائم وجنح وذالك يحدث كثيرا في المجتمعات الإسلامية والجريمة أشد فتنة من النظر ·· ثم هؤلاء المسلمات اللواتي يتنقبن حتى لا ينظر إليهن ناظر كم ناظر ينظرن هن ···! عندما ظهرت خديجة بن قنة على قناة الجزيرة وهي مرتدية حجابا حجب ما حجب وترك ما ترك من غير تزمت أو ابتذال قال عنها فيلسوف وشاعر عربي معروف / الآن صارت خديجة أحلى/ وهذا هو الممكن والمتاح في الظاهرة أن تكون مقياسا لثقافة المرأة، لحساسيتها الجمالية، للعبتها الذكية مع مبدأ الاحتشام ولا تفعل المسلمات ذالك إلا وهن غير آبهات بالبطرياركية المقنعة بالدين، بل إرادة متجددة في تجاوز الصورة والرمز والمبدأ الثابت للعمل على الراهن وعلى روح العصر، ما فعلته خديجة مع شكلها وصورتها، تفعله مسلمات ماليزيا ومسلمات تركيا، المحجبات من غير برقع···