كان لقائي بالكاتب والشاعر والصحفي الطاهر جاووت أسبوعا قبل اغتياله الشنيع، كنا على طرفي نقيض حول مسألة إيقاف المسار الإنتخابي، كان هو من بين المناصرين للقرار، وكنت من بين المعارضين.. لكن الإختلاف في التقدير والرؤية لم ينعكس سلبا على علاقتنا كإعلاميين أو مثقفين.. أتذكر أنني زرته يومها، في مكتبه بمقر جريدة روبتور الأسبوعية قرب الجامعة المركزية حيث كان يدير تحريرها، ووجدت يومها في مكتبه كل من مسؤول النشر، الكاتب الصحفي عبد الكريم جعاد، والكاتب الصحفي والشاعر ارزقي مترف الذي كان يرأس تحرير روبتور.. ولم أجد من قبلهم أي صدّ ونحن نتطرق من جديد إلى نقطة الخلاف، خاصة وأنني كنت من بين المنتمين إلى التيار الحداثي واليساري على صعيد فكري وثقافي.. وكان رأي الطاهر جاووت، أن المد الإسلامي في الجزائر هو امتداد للأصولية في المشرق عموما، ومصر خاصة وأنها سوف تعيدها خطوات إلى الوراء، لذا فالمعركة اليوم هي بين من يتجهون إلى الأمام ومن يعودون بالجزائر والثقافة إلى الوراء، وكان اعتقاده أن الإسلاميين بحكم طبيعة إيديولوجيتهم يرفضون الآخر، ولا يقتنعون بحل مشاكلهم وخلافاتهم الثقافية والسياسية مع الآخر، إلا عن طريق العنف واستعمال القوة، وكان مثاله على ذلك، هو محاولة اغتيال الكاتب الروائي المصري نجيب محفوظ من طرف أحد المتشددين، وتعرض الكاتب النقدي فرج فودة للإغتيال من طرف أحد الإسلاميين، وكان يريد أن يسمع مني، لماذا لم انخرط وأنا اليساري في الصف المناهض للإسلاميين وعندئذ قلت للطاهر جاووت، إن فهمي للحركة الإسلامية الشعبوية في الجزائر يضعها ضمن السياق الشعبي المطالب بتغير ونقلة جذرية من حالة إلى أخرى.. وهذه الحالة الأخرى ما دامت منبثقة من صلب الجماهير وفي ظل اللعبة الديموقراطية ليست بالضرورة أن تكون حالة فاشية.. وأضفت أن الإسلاميين الشعبويين ينخرطون ضمن فصل آخر من الحركة الوطنية التي عرفت أزمتها البنيوية كحركة تحرر خلال الثمانينيات بشكل خاص.. وعلينا نحن كمثقفين أن نظل نقديين سواء تجاه سلوكات السلطة أو تجاه الإسلاميين الذين يريدون توظيف الديموقراطية لعالم غير ديموقراطي، واعترفت أن المسألة ليست مجرد مسألة نظرية، وليست بالأمر الهين، بل يتطلب ذلك منا مجازفة واعية ويقظة وعي واستعداد لخوض المعركة إذا ما حاد الإسلاميون عن طريق الحرية والتعددية... غادرت بعد ذلك الطاهر لأتوجه مباشرة إلى عنابة حيث كنت أحد أعضاء لجنة التحكيم في مهرجان المسرح المحترف بعنابة.. أيام بعد، سمعت أن صديقي الذي تواعدنا على التلاقي، أنهم اغتالوه...