إعترف الروائي رشيد بوجدرة، مساء الجمعة الماضي، في ندوة أدبية برياض الفتح، أنه لم يعد يفهم فرنسا، التي تعلم منها مبادئ العدالة والمساواة، خاصة بعد سياستها تجاه الأحداث في سوريا. وقال إن العلاقة بين المستعمَر والمستعمِر مازالت تغذي الأدب إلى يومنا هذا. بينما تنبأ نظيره الفرنسي جيني، بالانفجار في حالة إصرار اليمين المتطرف على إقصاء أبناء المستعمرات ودورهم في الهوية الفرنسية. يشعر بوجدرة في الفترة الأخيرة بصعوبة في التواصل مع زملائه الكتاب، سواء في فرنسا أو غيرها من الدول الأوروبية أو الغربية: ''حاليا أجد صعوبة في التواصل مع زملائي الفرنسيين أو الإيطاليين، الكل يسألني كيف حال الجزائر، بينما لا أسأل أحدا عن حال بلده، مع أن أحوال العالم كلها في تدهور.. وبدأت فعلا أضيق ذرعا بهذه الأسئلة التي تزعجني وتحرجني''، ويحيل الكاتب هذا الشعور إلى علاقة المستعمر بالمستعمِر، التي تجعل الشعوب المستعمَرة دائما تحت وصاية الآخر. هذه العلاقة التاريخية ''المعقدة''، كما يراها صاحب ''ليلة امراة آرق''، تدفعه إلى التخلص من الأحكام السياسية والدينية أيضا، عندما يشرع في كتابة نص إبداعي: ''أترك ماركسيتي وشيوعيتي جانبا، وألتزم بمبادئ الإنسانية فقط''، على حد تعبير المتحدث الذي أكد للحضور أنه كاتب ''ماركسي إنساني'' وما زال يساريا مشبعا بثقافة عربية إسلامية أمازيغية ومنفتح على الثقافة الغربية، وهو البعد الذي رفعه بوجدرة في نقاشه مع ألكسي، حينما تعلق الأمر بالمخيلة الاستعمارية، ومدى تجاوز الكاتب لعقدة التاريخ والماضي. ماركسية مؤلف ''فندق سان جورج''، تدفعه للقول: ''أنا مع الاعتراف بجرائم الحرب المقترفة، شرط أن يعترف الجميع بجرائمه بمن فيهم العرب وحروبهم الدامية''، مؤكدا أن العالم اليوم يعيش في ''مشرحة جثث''، بفعل النزاعات القاتلة، ليتوقف عند هذه النقطة، يشير: ''ما علاقة فرنسا بسوريا؟ أنا حزين لأني لم أعد أفهم فرنسا التي تعلمنا اللائكية ومبادئ الحرية العدالة والمساواة''، مستغربا موقف الشعب الفرنسي: ''هو شعب نائم لا يختلف كثيرا عن الجزائريين، لا يقوم سوى بالانتخاب مثل إسبانيا لا أرى فيها مقاومة وخروج إلى الشارع للاحتجاج على أوضاعهم، بل الشعب الإسباني يهجر بلده تماما مثلما فعل الجزائريون حينما اختاروا المنفى في التسعينيات''. إختلط حديث بوجدرة بين الأدب والسياسة، لكنه سرعان ما عاد إلى نصه المبدع، فقال: ''لم أكتب يوما رواية سياسية ولا تاريخية، وبعد خمسين عاما من الكتابة أستطيع الفصل بين الأنا والهو والآخر، ما يهمني في نصي هو الجانب الميتافيزيقي وليس الموضوع، وأنا أتمتع بثقافة مزدوجة تعطي قلمي شاعرية خاصة، عكس الفرنسيين الذين لا يتحدثون عن أسلافهم... وأسلافي هم كثيرون بدءا بابن خلدون وأساتذة الزيتونة... الأدب إحساس مرضي يدفع صاحبه إلى الكتابة وإلا الانتحار''. يعيش الفرنسي، في نظر ألكسي جيني، عقدة عميقة تجاه ماضيه، وهو لا يعرف ماذا يفعل بتاريخه: العلاقة في النظام الكولونيالي ملتوية، ثمة شيء تداولناها عبر السنوات في فرنسا بات يشكل مصدر منتج للعنف، حيث أننا عاجزون عن النظر إلى هذا النظام''. وبتعبير مشابه يردف: ''في فرنسا لا نعرف ماذا نفعل بتاريخنا، لهذا أحاول أن أنظر إلى ما حدث لنا، أن أكتب الكتاب بالتطلع إلى نفسي وأقول واقعها''. فألكسي مؤلف ''فن الحرب الفرنسي'' الحائز على غنكور لهذه السنة، يسعى إلى فهم سلوك العسكري الفرنسي في اقتراف الحروب، والتمسك باستعمار الشعوب الأخرى، ويتخذ من شخصية ديغول بطلا يرى أنه نجح في تخليص الفرنسيين من إرث نظام كولونيالي عنيف، حينما قبل باستقلال الجزائر. ألكسي المعجب بالأدب الجزائري قال عنه: ''تعجبني الرواية الجزائرية لأن كاتبها تخلص من واقعه المرّ وارتقى إلى مستوى إبداعي عالٍ، فكتب همه ومن بعد عاد إلى واقعه فبلغ الحقيقة''. وعن الهوية الفرنسية وتداعياتها السياسية والثقافية، عبّر الكاتب عن رأيه قائلا: ''لم تكن هويتنا يوما عرقية، كما يريد اليمين المتطرف تأكيده.. الثقافة الفرنسية تشكلت بوجود أبناء المستعمرات القديمة حينما قامت فرنسا الاستعمارية آنذاك بنقل بعض معارفها بفتح المدارس وإرسال المعلمين''. وفي حالة استمرار هذا التطرف، يعقب الضيف: ''يتعارض ذلك مع مبادئ فرنسا وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فلا مفر من الانفجار''.