ندمت على انخراطي في رابطة حقوق الإنسان الشيخ نحناح عرض عليّ حمايتي والشاذلي كان مكلفا بتكسير الاشتراكية في الجزائر لا أنتظر شيئا من المجلس الأعلى للثقافة والفنون لايزال رشيد بوجدرة ذلك ”الحلزون العنيد” المقتنع بأفكاره الفخور بأنه ”الشيوعي الأخير في الجزائر”، مازال يعتبر إلغاء المسار الانتخابي حلا جيدا وموفقا من قبل السلطة في تسعينات القرن الماضي ”وإلا كنا سننتج طهران جديدا”. رشيد بوجدرة يبقى ظاهرة عصية عن الفهم والتصنيف في المشهد الثقافي الجزائري، فقد كتب بالفرنسية والعربية لكنه خاض معارك ضد هذا المعسكر وذاك، فبقي خارج التصنيف. كتاباته تركت الكثير من الجدل في الساحة الثقافية بسبب جرأتها واصطدامها بالطابوهات. يعود من خلال هذا الحوار مع ”الفجر” إلى بعض محطاته الإبداعية وآرائه في العديد من القضايا الثقافية والسياسية مثل ”الربيع العربي” والانتخابات البرلمانية الأخيرة. تحتفل الجزائر بالذكرى الخمسين للاستقلال، كيف تقيم مسار الجزائر حتي الآن خاصة في المجال الثقافي؟ التقييم سلبي، فخلال خمسين سنة لم نستطع أن نكون في مستوى الثورة، الثورة التي قامت بها البلاد كانت ثورة رهيبة، لكن ما كنا ننتظره بعد الاستقلال كان أكبر من هذا الواقع. كانت أحلامنا رائعة وجميلة، روعة تلك المرحلة وجمالها. رغم ذلك نقول نسبيا وعموما حققنا بعض النتائج في جميع المجالات، فالبلاد انطلقت من لا شيء، لكنها لم تكن في مستوى الثورة. على المستوى الإبداعي والثقافي، لم نحقق الشيء الكثير، وإن كان الإبداع ليس من صنع الدولة والأحزاب، لكن الأشخاص هم الذين يصنعونه، حيث تأتي فترات يبرز فيها مبدعون بصفة فردية، لكن بصفة عامة المستوى الإبداعي والثقافي ضعيف جدا، فبعد خمسين سنة من الاستقلال، لا توجد حصة ثقافية محترمة في التلفزيون.. إنه لأمر رهيب فعلا... في الخطاب الأخير للرئيس بوتفليقة؛ قال إن ”جيله طاب جنانو” والدور اليوم على الشباب.. إبداعيا ما هي الأسماء التي يرى بوجدرة أنها مرشحة لخلافة جيله؟ صراحة لا يوجد، لا أرى حاليا أن الجيل الشاب بإمكانه تقديم شي مبهر. ربما لأن الإبداع شيء خاص في العالم بكامله يمكن تقديم مبدع مميز وكبير مرة في القرن أو مرتين. في الجزائر، لا نلاحظ وجود نخبة شابة بإمكانها أن تخلف سابقاتها ليس فقط في الأدب ولكن أيضا حتى في الرسم لا توجد أسماء مميزة تخلف اسياخم أو بن خدة. وفي السينما لم نجد من يخلف لخضر حمينا وهكذا... العطاء الإبداعي صعب وشباب اليوم مساكين عاشوا نكسات، عاشوا حروبا ونزاعات جعلتهم لا يعرفون كيف يستفيدون من المراحل التاريخية التي مرت عليهم وكيف يتفاعلون معها. ربما على عكس جيلنا الذي استغل تلك الظروف لصالحه، فأنا صرت روائيا من خلال حرب التحرير وأحداث 8 ماي 1945، وكذلك كان الأمر مع الراحلين الطاهر وطار ومحمد ديب. أذكر أن روايتي الأولى ”التطليق” بعثتها لكاتب ياسين ولما قرأها بعث لي برسالة قال لي فيها: ”الآن لم أعد وحيدا”، واليوم أنا بدوري أحلم أن اقرأ رواية لروائي من جيل اليوم تهزني وتروعني وأقول له ”لم أعد وحدي”. في كل رواياتك هناك ما تسميه أنت بالهاجس المركزي للإبداع. من بين هواجسك الإبداعية قضية المرأة والحريات الفردية. اليوم أكثر من 140 امرأة في البرلمان الجديد، إذا كانت الجزائر قادرة على امتلاك هذا العدد من البرلمانيات فلماذا المرأة ما تزال في ذيل الترتيب الاجتماعي؟ وضعية المرأة عندنا أفرزها تخلفنا الذي ورثناه من فرنسا، ولا يعني هذا أنني أحمل الاستعمار كل نكساتنا؛ فالزمن أعطانا 50 سنة من الاستقلال، لكن أيضا إرث 130 سنة من استعمار ليس من السهل التخلص منه. وبصراحة قد لا أكون متفائلا بتغير واقع المرأة بمجرد دخول النساء إلى البرلمان، لكن أقول أنها خطوة لا بد منها، فوجود أكثر من 140 امرأة في المجلس الشعبي الوطني قد تنتج فئة قليلة ونخبة ربما ستعمل بذكاء وجدية واحترام الشعب الجزائري. ودعيني أقول لك حتى فرنسا التي نأخذها كمثال لنا في كل شيء، هي دولة متخلفة في قضية المرأة، لا توجد أكثر من 20 امرأة في البرلمان الفرنسي وفي بعض دول أوروبا المرأة محرومة حتى من التصويت. أثناء تدخلك على قناة ”فرانس 24” مؤخرا، استثنيت الجزائر من موجة الربيع العربي، لماذا ؟ نعم؛ الجزائر بعيدة عن هذا الربيع، لأن لها تاريخا سابقا في نفس المسار.. الجزائر عاشت ربيعها في أكتوبر 88 وعرفت الثورة المضادة الإسلامية من خلال التفكير المضاد للفكر النقدي والحر. ونحن كنا سباقين للمرور بما تمر به اليوم الكثير من الدول العربية. ثورة أكتوبر بماذا أتت لنا ؟ جلبت لنا الشاذلي والفيس والكثير من الوجوه التي تعد هي الأخرى نتاج ثورة أكتوبر.. أين هم الشباب الذين فجروا تلك الانتفاضة، أغلبهم فقراء ومساكين لم يتغير واقعهم، نفس الشيء يحدث اليوم في مصر وتونس. هناك من يلتف حول أحلام وطموحات الشعوب. وقد قلت هذا الكلام على فرانس 24 وغضب مني ناشري الفرنسي، لكنهم عادوا وطلبوا مني كتابا عما يسمى بالثورات العربية، والتي أرى أنها لم تكن لا ثورات ولا ربيعا. هل تنتظر شيئا من نتائج الانتخابات الأخيرة؟ لا أنتظر شيئا على الإطلاق، فربيع الجزائر لا يخرج من الصندوق لأننا لم نتعلم بعد قواعد إدارة اللعبة الديمقراطية. ترفض لقب الكاتب السياسي، رغم أن رواياتك لا تخلو من السياسية ؟ لست كاتبا سياسيا. أنا أفرق بين التاريخ والسياسة، قد أتطرق للسياسية من خلال التاريخ، فعندما أتحدث عن فتح الأندلس، فأنا أتحدث من منظور ابن خلدون الذي يقدم تحليلا علميا علمانيا للأحداث، يتيح للكاتب أن يطل من نافذة المؤرخ ويقف على مسافة مع الحدث السياسي. .. وترفض أيضا الممارسة السياسية؟ لا؛ أنا كشيوعي موجود ومنخرط في الحزب الشيوعي، لكن ليس بصفة مباشرة في صنع القرار أو المناصب. نحن موجودون في المجتمع كقوة روحية وفكرية. هل ما زلت تؤمن بقدرة هذا التيار على صنع التغيير؟ نعم؛ التيار الشيوعي مازال موجودا وقادرا على صنع التغيير. صحيح أن العالم تغير، لكن المدّ الأحمر سيعود بأكثر قوة وبإمكاننا أن نلاحظ بداية العودة القوية لهذا التيار من دول أمريكا اللاتينية.. التغيير المستقبلي سيقوده الماركسيون، وحتى على المستوى الفكري ما زال كتاب ماركس أكبر كتاب يقرأ في العالم. صحيح أن الرأسمالية لعبت بذكاء في فترة من الفترات، لكن وبعد سقوط عنجهية الرأسمالية التي تنهار يوميا في دول أرووبا، سيكون المستقبل للتيار الاشتراكي، وكلنا نلاحظ يوميا ما يحصل في دول أوروبا من إسبانيا التي كانت عاشر قوة اقتصادية في العالم أوشكت على الإفلاس واليوم نتابع انهيار فرنسا وباقي القوى الاقتصادية. قلت إن ناشرك الفرنسي طلب منك كتابة رواية عن أحداث ”الربيع العربي”، إلى أين وصل المشروع ؟ ليست رواية، لكنها كتاب تحليلي، وقد رفضت طلب ناشري الفرنسي.. الفكرة ما زالت قائمة وهي بصدد التخمر عندي وسأجسدها لاحقا في رواية عن ”الربيع الجزائري” الذي عشناه في 1988. تحدثنا منذ قليل عن دور الاشتراكين في قيادة التغيير القادم، هل تعتقد أن هولاند الاشتراكي سيغير من سياسية فرنسا تجاه الجزائر ؟ لا أتوقع أن يكون هناك تغيير في السياسية الفرنسية تجاه الجزائر في عهد هولاند، لأن أخبث المستعمرين هم الاشتراكيون. فمنذ 1930 كان الاشتراكيون هم الذين شجعوا على احتلال الجزائر، فاليساري فيكتور هوجو هو الذي شجع بيجو على أن يحارب في الجزائر، وعندما رفض بيجو قال له أنت جبان. اليسار الفرنسي خبيث وليس اشتراكيا بالمعني العقائدي والأيديولوجي للكلمة، أي أنهم ليسوا ماركسيين، ربما يحاولون تغطية الشمس وكسب ود بعض الأطراف، لكن السياسة الفرنسية تجاه الجزائر لن تتغير في شيء. الرئيس الراحل بومدين سجنك مرتين لكنك تفضله على الرئيس الشاذلي، لماذا؟ عندما كان الشاذلي رئيسا للجمهورية، كنت أنا أمينا عاما للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان واستقبلني، حيث قدمت له عدة ملفات منها ملفات الإسلاميين التي كنت مسؤولا عنها حيث ساهمت يومها في إعادة بيت أرملة أحد الإسلاميين الأوائل، الذين قتلوا في الجبل. الشاذلي ليس مسؤولا عما حدث في الجزائر، فقد كان له اتجاه سياسي واضح، هو شخصية رجعية رأسمالية ليبرالي التوجه، جيء به لتكسير الاشتراكية، كان مكلفا بمهمة وقد نجح فيها. كنت دائما في طليعة الذين رفضوا العفو الشامل، هل ما زلت تعتقد أن إلغاء المسار الانتخابي خطوة في محلها؟ كنت وما زلت أعتقد بصحة تلك الخطوة.. الجزائر فقدت حوالي 10 آلاف مواطن، ولكن كان يمكن أن تكون الحصيلة أكثر لو تجذرت الأصولية والإسلاموية واستقرت في السلطة.. كانت الجزائر ستكون مثل طهران اليوم.. الإسلاموية انقرضت والشعب كشف لعبتهم ونبذهم عندما انتهجوا سياسة القتل والاغتصاب والتكفير. بعد خمسين سنة ما زلنا نبحث عن الشكل الأمثل لتسيير أمورنا، برأيك لماذا فشلت الجزائر حتى الآن في تبني أي نظام؟ التقاليد الديمقراطية،لم توجد بعد في الجزائر. هذه الأمور تأخذ وقتا طويلا، التاريخ لا يعيد ويعيد نفسه في نفس الوقت، لا أحد يستطيع الجري أكثر من البرق، يجب أن نعيش المرحلة بكل تراجعاتها وتناقضاتها، ولا يجب أن نقارن أنفسنا بالغرب الذي له تقاليد ديمقراطية عريقة، وحتى تلك البلدان استغلت بلدانا أخرى واستعمرتها. الفكر العلماني عندنا لم ينضج بعد وحتى الإسلاموية عندنا مازالت متخلفة، أي المقارنة مستحيلة بيننا وبين الشعوب التي لها سنوات وقرون في الممارسة التداولية على السلطة. نحتاج لوقت طويل وسنوات لترسيخ مثل هذه التقاليد ونحن مجبرون على أن نعيش الفترة الانتقالية بكل مضاعفاتها وحراكها، فالتاريخ خبيث لا يسمح لك بحرق المراحل. هناك مسارات مجبرون نحن على عبورها مهما كانت وكيفما كانت. كنت أحد الأسماء المطروحة بقوة لعضوية المجلس الأعلى للثقافة والفنون، ماذا تنتظر من هذا المجلس اليوم ؟ بصراحة؛ لا أنتظر شيئا من هذا المجلس، فجل أعضائه من أصحاب الغناء والطرب.. لم يستشرني أحد، فقد علمت بطرح اسمي من الإعلام. وكان طبعا من المفروض أن تتم استشارتي قبل طرح اسمي. تركيبة المجلس لا يمكن التعويل عليها لتقديم شيء للثقافة في الجزائر، ولا يعني هذا أنني ضد الوزيرة فهي صديقة وأحترمها لأنها امرأة ولأنها تقدمية، وقد نجحت في أشياء وأخفقت في أشياء وهذا طبيعي جدا. عندما كنت مهددا بالقتل من قبل الإسلاميين عرض عليك الشيخ نحناح الحماية لكنك رفضتها لماذا؟ صحيح؛ الشيخ نحناح دعاني إلى بيته وعزمني على وجبة كسكسي، وعرض عليّ أن أسكن عندهم أو يوفر لي الحماية بواسطة حرسه المسلحين، لكني رفضت لأنني يومها لم أكن أعرف الشيخ جيدا. وبعد اغتيال الشيخ بوسليماني، ندمت على عدم قبول عرض نحناح. فرغم أنني لا أتفق معه كليا، لكنه كان شخصا ذكيا وذا شخصية قوية حتى يعرض على روائي مثلي، يوصف بالبورنوغرافي، الحماية، كان يجب أن يكون صاحب شخصية قوية. غير ”عزومة” الشيخ نحناح، هل ندم بوجدرة على شيء ما في حياته؟ ندمت على الانخراط في الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، كنا حوالي 100 شخص عندما أسسنا هذه الرابطة، ورغم أنفي صوت لصالحي بعد ميلود إبراهيمي، ووجدت نفسي في قيادة الرابطة، لكن ماذا يحدث اليوم في هذه الرابطة، فقدت بريقها، لا قانون ولا اجتماعات، تنتهج نفس ممارسات الحزب الواحد. بوجمعة غشير لم يصوت عليه أحد ويتكلم عن حقوق الإنسان والديمقراطية وهو لا يطبقها. هل مازال في ذهن بوجدرة مشروع إبداعي يحلم به ولم ينجزه؟ كتبت كل ما أحببت تقريبا، لكن حاليا أنا أحلم برواية ضخمة بالعربية أستعمل فيها الدارجة الجزائرية والشاوية بطريقة موسعة، رواية ضخمة تكون ”الرواية الكل”.
الشاذلي ليس مسؤولا عما حدث في الجزائر، فقد كان له اتجاه سياسي واضح، هو شخصية رجعية رأسمالية ليبرالي التوجه، جيء به لتكسير الاشتراكية، كان مكلفا بمهمة وقد نجح فيها. الزمن أعطانا 50 سنة من الاستقلال، لكن أيضا إرث 130 سنة من استعمار ليس من السهل التخلص منه. وبصراحة قد لا أكون متفائلا بتغير واقع المرأة بمجرد دخول النساء إلى البرلمان.