هناك عدة مراجع أشارت إلى بطولات ونضال المرأة الجزائرية أثناء ثورة التحرير المظفرة، وتطرقت لكفاحها وتضحياتها ضد الاستدمار الفرنسي، ومن بين الكتب الهامة التي قدمت صورة وافية عن جوانب متنوعة من نضال وجهاد وتضحيات المرأة الجزائرية كتاب المجاهد الباحث محمد قنطاري الصادر بعنوان ''من بطولات المرأة الجزائرية في الثورة وجرائم الاستعمار الفرنسي''. من عنوان الكتاب يتضح أن المؤلف يسعى إلى تمجيد بطولات المرأة الجزائرية وتخليد مآثرها وكفاحها، ومن جانب آخر يهدف إلى كشف النقاب وإماطة اللثام عن الجرائم المرتكبة من قبل جيش الاستدمار الفرنسي في حق المرأة الجزائرية وسائر أفراد المجتمع الجزائري. ويتجلى للقارئ من خلال توزيع مادة الكتاب المتنوعة والمدعمة بالشهادات والوثائق والحقائق التي اكتشفها المؤلف نتيجة جولاته وتحقيقاته الميدانية، أنه لم يوفر جهدا في سبيل البحث والتنقيب للإفادة من مختلف المصادر والوثائق والشهادات، حيث أنه قام بزيارات ميدانية واستقى معلوماته من المجاهدين والمجاهدات اللذين عاشوا الأحداث، كما أنه بذل جهودا مضنية من أجل الوصول إلى المعلومات التاريخية، ثم في تدقيقها، وتمحيصها، وتقديمها للقراء في أسلوب سائغ ومبسط. وقدم للكتاب رئيس الجمهورية، المجاهد عبد العزيز بوتفليقة، الذي أكد على أن المرأة الجزائرية كانت من السباقين لتحضير أرضية الثورة المسلحة، وبعد تفجيرها تبنتها وآمنت بها واحتضنتها، ودافعت عنها بكل إخلاص وتابعتها من نصر إلى نصر، وتحمّلت أصعب المسؤوليات وأخطر العمليات الفدائية والمعارك في المدن والأرياف، فبرهنت عن وعي عميق وكفاءة عالية، وعن شجاعة وإخلاص نادرين، وأثبتت أنها جديرة بأداء رسالتها النضالية إلى جانب أخيها الرجل، وفي الأخير أشار إلى أنها كانت قدوة حسنة، ومثالا رائعا، في المقاومة والتضحية للمرأة العالمية التي أشادت بدورها في الندوات والمجتمعات والمحافل الدولية.. في القسم الأول من الكتاب تحدث المؤلف بإسهاب عن قصة المجاهدة البطلة فاطمة خليف التي تعتبر رمزا من رموز الثورة الجزائرية، وأطلق عليها اسم الشهيدة التي لم تمت، وتطرق إلى بيئتها ونضالها السياسي، وتحدث عما روته له في حديث شخصي عن معركتها الأولى، حيث استشهد والدها وأغلبية أفراد عائلتها وأحرق منزلها العائلي، وقد واصلت جهادها، وكانت تقوم بتضميد جروح المجاهدين والسهر على شفائهم، وراحتهم والاتصال بأفراد الشعب في القرى والمداشر، وروت له أن في بداية نوفمبر 1956م ألقت القوات الفرنسية القبض عليها وهي مصابة بجروح بليغة إثر معركة دامية دامت يوما كاملا، حيث أخذت مقيدة بالأغلال وملابسها ممزقة، حافية القدمين تمشي والدماء تنزف من قدميها نزفا. ورغم حالتها المزرية، فقد سلط عليها جنود الاحتلال وزبانيته أبشع أنواع التعذيب والإهانة المعنوية والضرب الجسدي، وبعد أن قُبض عليها تم قطع يديها (بالمزبرة) وألقي بها في دشرتها، غير أنها ظلت تجاهد رغم الإعاقة، فقبض عليها ثانية وظلت في السجن الذي وضعت فيه مولودها إلى غاية استقلال الجزائر. ويؤكد المؤلف أنه من خلال اطلاعه على الوثائق والصور وقيامه بتحقيقات ميدانية، وشهادات مسجلة مع من عايشن الأحداث وتعرضن للاغتصاب، إضافة إلى اعترافات القادة العسكريين والجنود الفرنسيين والحركى العملاء، فإن التفتيشات العسكرية الفرنسية وأجهزتها الأمنية كانت تتم على المشبوه في انتمائهم إلى جبهة وجيش التحرير الوطني فيقومون بتفتيش منازلهم، وحينما لا يجدون الرجال كانت تؤخذ البنت البكر أو الزوجة أو الأم من طرف العساكر إلى المراكز العسكرية كرهينة لتسليم الأخ أو الزوج أو الأب إلى القوات الفرنسية، فتتعرض للتعذيب والاغتصاب، ''كما كان يتم أيضا خطف الفتيات بمختلف الطرق والوسائل واللواتي كان يزيد عددهن عن 20 إلى 100 وإرسالهن إلى المراكز العسكرية بالمدن والقرى والمداشر وفي الجبال والصحاري لاغتصابهن وحجزهن لعدة أيام للتمتع بهن، وعند الانتهاء يتم التخلص منهن بالقتل الجماعي.'' وأورد المؤلف مجموعة من الشهادات لبعض المجاهدات، وروى قصة الأسيرة الفرنسية الآنسة كوماس التي تم أسرها، وقدمت شهادتها على حسن المعاملة التي لقيتها من قبل المجاهدين، وتعرض بعدها لحياة المعتقلين السياسيين، وتحدث عن اشتداد القمع الاستعماري من 1955 - ,1962 وأشار إلى أن الشرطة والجيش الفرنسي كانا يقومان ''بكل أنواع التعذيب الجسمي بكل عنف ووحشية لاستنطاق المعتقلين المسجونين، وكان ذلك أمرا عاديا ويوميا، وكان التعذيب المستمر الذي يعتمد على التعب الجسمي مقدمة للتعذيب الصحيح الذي كانت تقوم به المصالح المختصة في فنون التعذيب بوسائلها، وبأساليبها المختلفة، وقدم عدة نماذج عن التعذيب الجهنمي المنتهج، وفي القسم الأخير توقف مع طرائق ووسائل التعذيب الفرنسي في ثورة التحرير، الذي ينقسم إلى قسمين: التعذيب الجسدي، والتعذيب النفسي أو المعنوي، إضافة إلى عدة أساليب إجرامية . وقدم شهادة المجاهد السيد جاب محمد تحت عنوان ''ذبحت دون أن أموت''، وقد كتب خلاصة الكتاب التي جاءت في ختامه الشيخ محمد الصالح الصديق، الذي نوه فيها بشخصية المؤلف وتوقف مع قيمته العلمية، وأوجز خصائص ومميزات الكتاب في أنه: 1- يصور أبلغ تصوير، وحشية المستعمرين، وحقدهم على الجزائريين. 2- يختصر خصائص الشعب الجزائري في النضال، والمقاومة، وحب الحرية، كما يصور رغبته الملحة في الحرية والاستقلال. 3- يصور فساد الفطرة والأخلاق، ونذالة النفوس وخسة الطبائع عند المستعمر الفرنسي. 4- يعكس بوضوح ضعف المستعمر، الذي يمارس التعذيب، لأنه وجد نفسه أمام قوة قاهرة، فهو من هنا يحاول أن يحطمها بقوة الإذلال والإجرام والظلم، ولكن أنى له ذلك؟ 5- يصور بطولة المرأة الجزائرية في هذه المرأة (فاطمة خليف)، التي جاهدت وقاومت، عذبت أفظع تعذيب، وقطعت يداها، ومع ذلك لم تهن، ولم تضعف وتستكن وهان عليها كل ذلك، كما هان عليها أن تعيش بلا يدين وتقاسي من جراء ذلك حياة صعبة للغاية لا يدركها إلا من يعيش بلا يدين. 6- يعرض صورا فظيعة للتعذيب الوحشي، تنخلع منها القلوب، وترتاع منها النفوس، وتلبس الطبيعة من جرائها ثوب الحداد، هذه بعض آثار تلك الصور في نفس من يراها وكيف بأثرها في نفس من عاشها؟ 7- الكتاب باختصار صورة معبرة صادقة للبطولة والتعذيب في أقصى حدودهما وأبلغ دلالتهما في الجزائر خلال ثورة التحرير.