محمد خوان يتحادث مع رئيس الوفد الإيراني    هذه توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة    النفقان الأرضيان يوضعان حيز الخدمة    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في إفريقيا    مشاهد مرعبة من قلب جحيم غزّة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    على فرنسا الاعتراف بجرائمها منذ 1830    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    الخضر أبطال إفريقيا    ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    "ترقية حقوق المرأة الريفية" محور يوم دراسي    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)        مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‏''المساء'' ضيفة قرية ''تمغراس'' المجاهدة بآيت بومهدي (واسيف)‏
مخزن التاريخ وذاكرة الأجيال
نشر في المساء يوم 04 - 07 - 2011

تخليدا لأهم محطة من محطات تاريخ الجزائر الحافل بتضحيات بطولية لرجال ونساء؛ وإحياء للذكرى ال49 لاستقلال الجزائر، التي تظل ذكرى تحمل التواصل، تستحضر تيزي وزو ذاكرتها مع التاريخ والثورة بالمناسبة لتحكي عن أبنائها وبناتها الذين ضحوا بالنفس والنفيس من أجل الحرية. وبالمناسبة زارت ''المساء'' إحدى المناطق المجاهدة إبان الثورة التي قدمت أزيد من 400 شهيد من بينهم ما يزيد عن 120 امرأة لاسترجاع الحرية وإخراج العدو من الجزائر، ليعيش أبناؤهم وأجيال صاعدة بأرضهم أحرارا.
قرية تمغراس التابعة لبلدية آيت بومهدي (دائرة واسيف) الواقعة بأعالي جبال جرجرة الشامخة كانت المحطة التي وقفت عندها ''المساء'' بالمناسبة لنقل تصريحات رجالها ونسائها المجاهدين الذين لا تزال آثار التعذيب بادية على وجهوهم والنضال وحب الوطن مغروسا في أرواحهم.
آيت بومهدي ... مثال الجهاد ومنبع الحرية
وخلال هذه الزيارة الميدانية التي قادتنا إلى قرى بلدية آيت بومهدي التي تحتل موقعا جغرافيا رائعا وتاريخا حافلا بإنجازات أبنائها الرجال والنساء، قدم لنا أحد مجاهديها أرقاما حول شهداء الثورة الذين ضحوا بالنفس والنفيس ليرفرف علم الجزائر في سمائها بكل حرية، حيث قدمت قرية تمغراس 160 شهيدا و45 شهيدة، فيما سقط 130 شهيدا بينهم 25 امرأة من قرية آيت بومهدي (وسط البلدية حاليا)، و98 شهيدا بينهم 3 نساء من قرية آيت عقان ونحو 90 شهيدا و3 نساء بقرية تيروال، فيما قدمت قرية آيت عبد العالي الصغيرة 45 شهيدا وشهيدتين.
وكما أكده السكان والمجاهدون وكذا مسؤولو البلدية، فإن المرأة شاركت ولعبت دورا كبيرا إبان الثورة، وتكريما لما قدمته، عمدت بلدية آيت بومهدي إلى بناء نصب تذكاري بمقر البلدية يرمز إلى المرأة المجاهدة ووضعت بها لائحة بأسماء المجاهدات اللواتي سقطن في ميدان الشرف اللواتي يزيد عددهن عن ال,100 وتضم بلدية آيت بومهدي ما يزيد عن 100 مخبأ التي آوت المجاهدين إبان الثورة منها نحو 40 متواجدة بقرية تمغراس المجاهدة.
وينتظر تدشين، بمناسبة الاحتفال بالذكرى ال49 لاستقلال الجزائر، نصب تذكاري يحمل أسماء الشهداء خلفا للنصب القديم الواقع بمكان يعيق حركة المرور. وكما ذكر مصدر محلي من البلدية، فإن هذه الأخيرة أنجبت أدباء وفنانين، إضافة إلى رياضيين معروفين على الساحة الدولية وذكر على سبيل المثال الفنان عثماني، حسناوي امشطوح، اللاعب الدولي منصوري، مناد وصايب موسى وغيرهم، كما كانت قلعة ووجهة عدة مخرجين لتصوير مقتطفات من أفلامهم التي تناولت الثورة الجزائرية، فظلا عن احتوائها مناظر جميلة مصنفة ضمن الحظيرة الوطنية لجرجرة.
واحتفالا بذكرى استقلال الجزائر التقت ''المساء'' بمجاهدي المنطقة ونقلت لكم تصريحاتهم حول ما ذاقوه من عذاب على أيدي الاستعمار الغاشم.
فقد بصره إثر انفجار قنبلة بمخبأ المجاهدين المجاهد زاهي آكلي... بطل ثورة نوفمبر
انتقلنا في أول محطة إلى منزل عمي آكلي زاهي المدعو ''سي آكلي'' البالغ من العمر 86 سنة الواقع بالمكان المسمى ''تيقنسيوين''، الذي استقبلنا بفرح كبير في بيته المتواضع الذي كان ولا يزال يحافظ على بقايا الثورة خاصة منزله الذي فجرته فرنسا وبقي عبارة عن أطلال أبى المجاهد إزالتها وكان في كل صباح ومساء يجلس مقابلا غرفته التي آوته أيام الثورة وكانت ملجأ له ولإخوانه المجاهدين إلى أن اكتشفت فرنسا أمره وقامت بتحطيم الغرفة، حيث أبى أن يغادر قبل أن يرى ما تبقى منها والتي يظل المجاهد يقابلها في ساحة منزله.
وشرع المجاهد في سرد التاريخ، حيث قال: ''لقد تنقلت من مكان لآخر وناضلت رفقة مجاهدين من أبناء المنطقة، حيث كنا بمدينة عين الحمام رفقة مجموعتين كنت مكلفا بجمع المال للمجاهدين وكانت توزع على عائلتهم كمنح لاقتناء الغذاء لهم وللمجاهدين، وكان آنذلك يقدم لكل عائلة 3 دنانير، حيث يجوبون القرى لجمع المال و يتم توزيعها وفقا للائحة، حيث تم وضعها بناء على معلومات حول كل عائلة، إضافة إلى جمع معلومات حول تنقلات الجيش الفرنسي، ومعاملته مع الشعب كما كنا نقوم بتشجيع العائلات على عدم الاستسلام والنضال في سبيل الحرية رغم ما تقترفه فرنسا من جرائم وسياسة التخويف في حق السكان''.
وكان المجاهد يتحدث بصوت خفيت لدرجة نكاد لا نسمعه وهو تعبير على الألم وعمق الجرح، حيث قال: ''أنحدر من عائلة ثورية قدمت 15 شهيدا أحدهم تعرض للذبح على أيدي عساكر الاستعمار من الوريد إلى الوريد وآخر قطعت رأسه بالمقصلة وزوجته قدمت كطبق للكلاب الشرسة ولم يبق من الفتاة سوى عظامها''. وعن نضاله في صفوف المجاهدين قال ''التحلقت بالكفاحفي 3 جانفي .''54 وأضاف ''كنا بمخبأ واقع بالمكان المسمى سيدي عثمان (واسيف)، وفي أحد الأيام مع غروب الشمس قدمنا نحو القرية لأخذ المؤونة للمجاهدين، ولما علمنا بقدوم الفرنسيين توجهنا نحو منزل يحوي على مخبأ، ولما حاصر الاستعمار المكان اختبأنا بالمخبأ وقامت ابنة صاحب المنزل، فتاة في عمر الربيع لا يمكن أن أنسى وجهها''، يقول عمي أكلي »فضلت أن تضحي بحياتها على أن يموت المجاهدون فخرجت وأطلقت القوات الفرنسية وابلا من الرصاص عليها، كما قتلوا امرأة أخرى، فيما أصيب المفوض السياسي ''عليلوش''« وأضاف المجاهد أنه رغم إصابة الفتاة إلا أنها قاومت إصابتها وأخذت الرشاش من''عليلوش'' وغادرت المكان وتم العثور عليها ميتة فيما بعد بمخبأ أخر وهي متمسكة بالرشاش بحضنها، حيث حاولت إلى آخر نفس لها تقديم المساعدة للمجاهدين.
وواصل المجاهد الحديث: ''لم يغادر الاستعمار المنزل حتى تأكد من أن المجاهد عليلوش قد مات''، ولما هم عمي آكلي بالخروج بغرض أخذ وثائق مهمة حول خطط المجاهدين التي كانت بحوزة الشهيد ''عليلوش'' رمى الجيش الفرنسي قنبلة أدى انفجارها لاصابته بجروح خطيرة على مستوى الرأس -خاصة الجهة اليسرى- مما أدى إلى فقدانه البصر، حيث فقئت عينه اليسرى فيما تضررت عينه اليمنى من شظايا الانفجار وكان ذلك في ,1960 وبقي أعمى إلى غاية سبتمبر .1963
واصل المجاهد سرده لأحداث مأساوية التي تسبب فيها الاستعمار الغاشم الذي أبى أن يغادر الجزائر رغم تأكيد الشعب الجزائري بكل الوسائل على عزمه النضال لإخراجه من أرضه واستعادة حريته، وظل المجاهد رفقة آخرين بالمخبأ وهو ينزف دما كثيرا إلى غاية اليوم الموالي، حيث قدِمت مجموعة نساء مجاهدات إلى المنزل ونادت ''إذا ما كان هناك أحد'' وهي عبارة عن كلمة السر بين المجاهدين مما يؤكد على أنه يمكنهم الخروج وأن المكان أصبح آمنا، كما أخبرت النساء المجاهدين أن الاستعمار قادم بآلاته لهدم المنزل، فخرج عمي آكلي رفقة بعض المجاهدين المصابين بجروح من بينهم المجاهد ''سي صغير'' وتم نقلهم إلى مخبأ آخر، حيث عثروا على الفتاة التي فدتهم بروحها لإنقاذهم وهي متمسكة برشاش الشهيد ''عليلوش''، ثم انتقلوا في المساء لمخبأ آخر بقرية تيروال المجاورة لتفادي الوشاية وكان هناك اللقاء مع مجاهدين منهم آيت زقاغ عبد العالي وغيرهم، حيث قضوا الليلة هناك ليلتحق بهم في تلك الليلة كل من قادة المنطقة وهم سي أحسن، سي سليمان اللذان تكفلا بنقل عمي آكلي إلى منزل ''آث عمار'' بقرية آيت بومهدي التي أصبحت اليوم وسط البلدية، حيث استعانت النساء بالماء الساخن لمسح الدماء المخثرة من على وجه عمي آكلي وبقي هناك 15 يوما قبل أن يحول مرة أخرى إلى مخبأ آخر. هنا توقف عمي آكلي لحظة وقال: ''بكل فخر واعتزاز، بفضل المرأة استقلت الجزائر''.
وقال المتحدث لقد فرحنا كثيرا باستقلال الجزائر، ذلك التاريخ لا يمكن لأحد أن ينساه وبابتسامة عريضة تذكر المجاهد ذلك الحدث الهام في تاريخ الثورة التحريرية، حيث لم يكتف المجاهد للتعبير عن فرحة الشعب الجزائري بالاستقلال، بل استعان بيديه للإشارة إلى خروج الناس بأعداد هائلة إلى الشوارع للاحتفال.
وقال دا آكلي أنه وبالرغم من إصابته لم يتوقف عن النضال وظل يساعد المجاهدين لمدة عامين رغم فقدانه البصر، حيث قال أننا لم نحس لا بالألم ولا الجوع أو البرد، فحرارة حب الوطن والحماس الذي يسكن وجداننا لبلوغ حلم طالما روادنا والذي كان دائما يقينا ويضمن لنا الدفء في الشتاء ويملا بطوننا رغم الجوع الذي سكننا إلى أن حققنا هدفنا وتحصلنا على الحرية وأصبح الشعب يخرج في أمان ويتنقل بكل راحة ويرفع علم وطنه بفخر واعتزاز دون خوف. وفي يوم 4 جويلية 1962 عشية احتفال الجزائريين بعيدهم الأول ومنذ سنوات خلت، يقول عمي آكلي كنت بمخبأ ''انكر بانو''، يقع بين قريتي اسوال وتمغراس، رفقة نحو 6 مجاهدين منهم سي بلعيد، أرزقي وغيرهم وعلمنا بخبر الاستقلال من الإذاعة، على أن ديغول سيعلن عن استقلال الجزائر، وفي صبيحة ال 5 جويلية خرج سكان قرى ومداشر آيت بومهدي، يضيف دا آكلي للاحتفال بهذا الحدث التاريخي الهام في تاريخ الثورة الجزائرية والذي كان ثمار نضال وتضحيات جسام. وأضاف المجاهد، لقد بقيت بالمخبأ إلى غاية 30 مارس تقريبا، ثم غادرت نحو قرية اتشبلي ثم إلى قرية الأربعاء وفي الطريق أوقف عناصر الدرك الفرنسي السيارة التي كانت تقل المجاهد بغرض نقله لتلقي الإسعافات، ولما استفسروا عن هويته حيا الدركي المجاهد لكونه سمع عن انجازاته وقال دا آكلي أن الدركي أخبره أنه من حسن حظه لم تلقي فرنسا القبض عليه لكان مصيره الموت الأكيد، وبقي المجاهد بآث يني وأخذت أوضاع الجزائر تسير نحو الاستقرار شيئا فشيئا، ثم اجتمع 63 مجاهدا معطوبا من المصابينوالجرحى وكان اللقاء بمنزل الكاتب الراحل مولود معمري بقرية توريرت ميمون''آث يني'' والذين نقلوا إلى العاصمة ثم مباشرة إلى (الرباط) عاصمة المغرب، حيث قدمت لهم الإسعافات اللازمة ووضعت لدا آكلي عين زجاجية في الجهة اليسرى فيما خضع لعملية جراحية على مستوى الجهة اليمنى والتي يبصر بها المجاهد لدرجة ضعيفة تكاد تنعم تقريبا، وفي هذا الصدد قال دا آكلي أن ملك المغرب آنذاك محمد الخامس تنقل لزيارة الجزائريين المصابين واخبرهم أنه سيتم التكفل بهم وعلاجهم وأنه بفضل الجزائريين الذين قهروا الاستعمار استقلت تونس والمغرب، كما زارهم فيما بعد كل من الكولونال محند اولحاج والرئيس السابق بن بلة اللذان التقيا بالسلطات المغربية وتم التفاهم على أن تتولى طائرة جزائرية نقلهم للجزائر في اليوم الموالي لتلك الزيارة. وأضاف دا آكلي، استقبلنا بالمطار بالبارود والزغاريد، ليلتحق فيما بعد كل واحد بمسقط رأسه.
المجاهدة عمراني تاسعديت التحطيم، التخريب والهدم، منهجية فرنسا الوحشية
وعلى بعد أمتار من منزل المجاهد سي آكلي استضافتنا المجاهدة عمراني تاسعديت البالغة من العمر 95 سنة بمنزلها بابتسامتها الهادئة التي لم تفارقها طيلة تواجدنا عندها، فعلى الرغم من المحن التي كابدتها، لا تزال نا تاسعديت محافظة على ابتسامتها التي زادت وجهها الملائكي إشراقا، ورحلت بنا إلى الماضي وأخذت تتذكر جرائم فرنسا التي ارتكبتها في حق المرأة في انتهاك عرضها وشرفها وأطلقت العنان للسانها الذي كان يروي بثبات أيام الاستقلال التي عاشتها وكأنها حدثت بالأمس القريب. وبين أحضان عائلتها التي أحاطت بها، شرعت نا تاسعديت في الحديث عن الثورة مستهلة قولها بأن فرنسا حطمت وهدمت وخربت المنازل وانتهكت حرمتها وحرمة النساء، هذه السياسة المنتهجة من طرف فرنسا، ورغم ذلك لم يقلل ذلك من عزيمتي في الجهاد في سبيل الحرية، كنت أؤمن احتياجات المجاهدين ولقد تعاونت مع كل من المجاهد ايدير ادير، احمد العربي، رابح السعدي الذين توفوا الآن واستمررت في العمل والنضال إلى غاية الاستقلال لكني لم أحمل السلاح. وأضافت نا تاسعديت لقد ناضلت إلى جانب مجاهدات من المنطقة أمثال جقجيقة غازي، ولما اكتشفت المعمر أمري ألقى القبض علي وتم اقتيادي إلى ثكنة عسكرية بآيت بومهدي، حيث سجنت مدة 20 يوما وتعرضت للضرب بواسطة الرشاش ولا تزال أثاره إلى يومنا وتقول إن حفرة بالرأس تذكرني -كلما لمستها- بفرنسا المتوحشة التي مارست شتى وسائل التعذيب ضد الشعب الجزائري. صمتت المتحدثة لحظات ثم تابعت حديثها: ''لن أنسى أبدا 12 مجاهدا قتلوا برصاص الجيش الفرنسي بمخبأ واقع بمنزل المدعو ''مفتاح '' بقرية تمغراس و قامت فرنسا بنقل جثثهم إلى وسط القرية وطلبت من المواطنين حراستهم، ولما غادروا قام المجاهدون بنقلهم عبر القرى''، وقالت ناتاسعديت لقد قمت رفقة مجاهدات أخريات بنقل الجثث وكان الشهيد الذي حملته على ظهري تتساقط منه الديدان كالمطر وكنت أنفضها من على جسمي، وأضافت أن الغاية من نقلهم عبر القرى لإظهار جرائم فرنسا البشعة للشعب التي لم تتوقف من ممارستها ضد شعب آبى أن يعيش مذلولا بأرضه، واستمر ذلك مدة أسبوع وكنا نحولهم من قرية لأخرى مررنا على آيت بومهدي، الاربعاء، تيروال وغيرها، ثم أخذهم المجاهدون إلى مكان لدفنهم لا نعرفه، ولما عاد الفرنسيون لأخذهم استفسروا عن الجثث فأخبرو أن عسكريين مثلهم قاموا بتحويلهم ولا يعلمون إلى أين.
وأضافت المتحدثة قمت طيلة سبع سنوات بمساندة وتدعيم المجاهدين رغم تعرضنا لأبشع صور التعذيب لا سيما تلك المتعلقة بهتك عرض النساء، لكن تقول بنظرة حسرة وهي تهز برأسها لقد سقط الكثير والكثير من أجل الجزائر، لكن ''الحمد لله انتصرنا وتمكنا من إخراج فرنسا من أرضنا وتحررنا بفضل تضحيات المجاهدين من بينهم إخواني وزوجي غازي سعيد وإخوانه الذين جاهدوا إلى أخر نفس لهم منهم عمراني يوسف، عمراني حسن،الذين يعدان من المجموعات الأولى لمفجري ثورة نوفمبر، إضافة إلى عدة شخصيات ثورية أعرفها منهم الشهيد أعمر آث منصور، مجاهد كبير يشهد له الكل لما قدمه إبان الثورة حيث كان رفقة جماعة أحمد زبانة وناضل إلى أن ألقت فرنسا القبض عليه في فيفري 56 في اشتباك مع المجاهدين بقرية آيت عقان وأعدمته وكذا الشهيد موسي احمد الذي حكمت عليه المحكمة العسكرية في جويلية 56 بالإعدام، كاشا آكلي المدعو أسد جرجرة الذي قتل بعين الحمام وغيرهم من أبطال الثورة التحريرية الذين قدموا أرواحهم لتستقل الجزائر''، ذلك التاريخ الذي توالت الاحتفالات به أياما وليال، فرصة لا توصف تلك التي بدت على وجوه القرويين وهم يجوبون القرى مطلقين العنان لأهازيجهم المعبرة عن الفرح.
المجاهد بوعزة سعيد... ذاكرة القرية
كما التقت ''المساء'' خلال تواجدها بقرية تمغراس هذه القرية المجاهدة التي أنجبت رجالا صنعوا الثورة وضحوا في سبيل تحرير الوطن، بالمجاهد المدعو بوعزة سعيد البالغ من العمر 81 سنة هذا الأخير انتقل رفقتنا إلى منزل نا تاسعديت وكان اللقاء بينهما فرصة لسرد وقائع وتذكير كل واحد للآخر بمحطات هامة في تاريخ الثورة الجزائرية، والذي صرح ل ''المساء'' أنه جاهد ضمن فريق ال ''17 '' وأنه بدأ النضال وعمره 22 سنة، ونظرا لكونه عنصرا حيويا أزعج كثيرا فرنسا قامت هذه الأخيرة بالبحث عنه وألقت القبض عليه وأودعته السجن لمدة 7 سنوات وغادره في ماي .62 وحول الاستقلال قال بأنه يوم عظيم وضع من خلاله الشعب الجزائري حدا للأساليب الوحشية التي كان الاستعمار يمارسها، مضيفا أنه لولا الفاتح نوفمبر ما كان الخامس جويلية، لقد خرجنا بالأربعاء ناث واسيف للاحتفال بهذا التاريخ العظيم الذي غير مجرى حياة الجزائريين وأخرجهم من الظلام إلى النور. ويعتبر المجاهد بوعزة حسب سكان قرية تمغراس ذاكرة المنطقة يحفظ الكثير من الأحداث التي شهدتها المنطقة وغيرها من المناطق المجاورة التي هزتها ممارسات التعذيب وجرائم الاستعمار وأضاف المتحدث أنه ومنذ دخوله السجن انقطعت عنه أخبار ما يقع من جرائم في قرى منطقة القبائل خصوصا والجزائر ككل ويعتبر سكان قرية تمغراس أمثال عمي سعيد ذاكرة القرية لحجم ما يتذكره من أحداث ماسوية.
وللاشارة، نوجه تشكراتنا لمسؤولي بلدية آيت بومهدي وسكانها لمدهم يد المساعدة لانجاز هذا العملوالذين سهروا على توفير كل الامكانيات لانجاز المهمة على أحسن وجه، خاصة وسيلة النقل بين البلدية وقرية تمغراس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.