يأتي شهر رمضان بخصوصياته، ليعيد علينا مشاهدا ألفناها فيه، ولا نراها بنفس الشدة في غيره، حيث تزاحم النسوة الباعة الرجال في الأسواق، تجدهن يعرضن منتوجات عديدة، غالبا ما تكون ذات استهلاك واسع في الشهر الفضيل، ولطالما كن يكتفين بتحضيرها، ويتكفل الرجال والشباب من أفراد عوائلهن ببيعها، ليجدن أنفسهن لأسباب عديدة، يتخذن لهن أماكنا في الأسواق والمساحات العمومية، ليقدمن سلعهن للمستهلك الجزائري دون وسيط. الأمانة في التجارة توجهنا إلى سوق ''كلوزال''، وقابلنا نماذج مختلفة من التاجرات، وكانت البداية مع امرأة في الأربعينيات، استقبلتني بابتسامة بعد أن رحل رجل صيني، كان يشم التوابل التي كانت تبيعها، فضّلت أن أترك دوري لزبونة وصلت لتوها، حتى أعرف كيف تتعامل معها .البائعة كانت تتعامل بودّ، شرحت لها أسعار التوابل بالتفصيل، واقترحت عليها أن تأخذ كمية صغيرة حتى لا تكلفها كثيرا. البائعة كانت تتحدث الفرنسية بطلاقة، وهذا أمر أدهشني، وأدهش الزبونة كذلك، التي يبدو أنها غير متعودة على الشراء من عندها، حين جاء دوري، طلبت معلومات حول نوع من أنواع الشاي المعروض، فقالت لي اإنها لا تستطيع نصحي لأنها لم تجربه بنفسهاب، عكس الأنواع الأخرى الأرخص سعرا، لكنها أكدت على ثناء الزبائن عليه .سألتها عن ظروف العمل، وتعاطي الزبائن معها فقالت لي :''العمل جيد ويعود بدخل لابأس به، الزبائن يعاملونا بكل احترام، فمن يحترم نفسه يحترمه الغير، أنا أم وأجد هذا العمل محترم جداب، وفي الوقت الذي كانت تشرح لي أنها ليست صاحبة طاولة التوابل، بل تعود لابنة أختها التي تغيبت لظرف طارئ، جاءت امرأة مسنة لتسأل عن البائعة الأصلية بالاسم، الأمر بدا وكأن للبائعة زبونات وفيات. مسنات يسخرن من كسل الشباب سألنا بائعة في الستينيات، عن ثمن علب حفظ المأكولات، فأجابت أنها لا تدري لأنها ليست صاحبة الطاولة، وحينما سألناها عن صاحبها، ضحكت وقالت اراهو راقدب، لا ندري إذا ما كانت تقصد الشاب المنبطح تحت الطاولة، أم شخص آخر لم يأت بعد. عرفنا فيما بعد أن العجوز التي كانت تظهر عليها علامات التعب، تتابع ابنها الداخل مرحلة الشباب، كان يبيع الديول والقطايف التي تحضرها، وكان يسألها في كل مرة قبل أن يقدم على عملية البيع، بدا حضورها ضروريا قياسا إلى الطريقة التي كان يسألها بها. ... وللشابات نصيب خارج السوق المغطى، كانت هنالك شابة تبيع مجموعة من المواد المحضرة منزليا، والتي تعرف إقبالا كبيرا خلال شهر رمضان، الطاولة كانت مملوءة بأنواع من خبز المطلوع والطاجين، كل خبزة حفظت بعناية في كيس بلاستيكي شفاف، يحميها من الغبار، ويبقيها على طراوتها. الشابة أكدت أنها تستغل دائما فرصة شهر رمضان، للتجارة في هذه المواد التي تقوم بتحضيرها منزليا، وهي تلقى إقبالا جيدا من طرف الزبائن على اختلاف أنواعهم، تقول اأنا أشعر بالراحة هنا، لا أحد يزعجني بل بالعكس، يعاملونني بالاحترام اللازم، أنا لا أشتغل في بقية أيام السنة، فقط في شهر رمضان''.