يتزامن استقبال شهر الصيام هذا العام مع بدء التحضير للدخول الاجتماعي وبعده بأيام قلائل عيد الفطر المبارك، وهي المناسبات الثلاث التي دأب على استقبالها الجزائريون للسنة الرابعة على التوالي، رغم ذلك ما تزال هذه المناسبات تستنفر اهتمام وجيوب العائلات بمجتمعنا، والملاحظ بأهم الأسواق الشعبية بالعاصمة هو الغلاء الكبير وارتفاع الأسعار الذي طال معظم السلع الاستهلاكية الأساسية، ما يزيد الأعباء الإضافية على المواطنين، وينعكس سلباً على القدرة الشرائية. يبدو أن شهر رمضان من الأوقات الاستثنائية التي تتفق غالبية الجهات الرسمية والشعبية على ضرورة اتخاذ إجراءات ذات طابع استثنائي، ففي هذا الشهر يتغير نمط السلوك الغذائي للمواطن، بحيث تزداد معدلات الشراء عنده لتبلغ أوجها طوال هذا الشهر الفضيل. سوق اليوم "ماشي" كل يوم حركة غير عادية لاحظتها "المساء" في الأيام الأخيرة بسوق باش جراح بالعاصمة، بحيث اصطف العشرات من الباعة الموسميين على أطراف السوق بطريقة عشوائية يعرضون في الغالب سلعا يزداد الطلب عليها في رمضان، وعلى رأسها الأواني المنزلية. فالمعروف بمجتمعنا حب تغيير أطقم المائدة خلال رمضان إعلاء لمقام هذا الشهر، ورغم أننا مازلنا نعيش أجواء الصيف والعطلة فإن الإعلان عن قدوم رمضان بدأ مبكرا بأسواقنا، بحيث تستمع من بعيد إلى الشباب البائع وهو يلفت النظر لبضاعته أمام الوافدين إلى السوق، فتسمع من هنا وهناك عبارات على نحو " يالله يا مْرَا رمضان جا سلعة اليوم بخمسة آلاف.. اليوم ماشي كل يوم"، "سلعة رمضان اليوم شابة شابة". وحتى الباعة المتجولون بالعربات الصغيرة التي تحمل أنواعا من الصحون خاصة منها المخصصة للشربة. يخترقون جموع الوافدين من النساء بالإعلان عن سعر صحون الشربة بالقول " 4 ب200 دينار وواحد من عندي"، وطبعا هناك أيضا صحون صغيرة الحجم الخاصة بطبق "لحلم لحلو" المعروف جدا عند الأسر الجزائرية على اختلاف مشاربه. أما القدور والطناجر وغيرها من أواني المطبخ فإنك لا تكاد تخطو خطوات معدودة بسوق باش جراح حتى تلمح الطاولات المتراصة أمام بعضها البعض تعرض ذلك النوع من السلع "الرمضانية" وبين كل طاولة وأخرى تصطف عشرات النسوة للسؤال عن سعر هذا الشيء أو ذاك. لمحنا إحداهن تسأل عن سعر الطناجر فسألناها بدورنا إن كانت تحضر لرمضان بشراء أوان منزلية فأجابت بنعم، وقالت إن رمضان فرصة لنا نحن ربات البيوت لتجديد المطبخ، فبعد تنظيف المنزل يتم التخطيط لشراء مستلزمات جديدة على اعتبار أن التي كانت متوفرة يشرف عمرها الافتراضي على الانتهاء. كما أن السوق المحلية توفر حاليا سلعا كثيرة وبأسعار في المتناول، وتضيف أخرى أن ربات البيوت ممن تلقى مسؤولية إدارة الميزانية على عاتقهن يقتطعن بعضا من المصروف لتجديد "لوك" المنزل تحضيرا لمناسبات معينة مثل رمضان الفضيل الذي بنهايته يستقبل العيد وضيوفه، "على الأقل نسمح لأنفسنا بقطع بعض الرتابة عن حياتنا بتجديد مائدتنا الرمضانية بأوان جديدة، لا تهم أسعارها أو جودتها بقدر ما يهم عنصر التجديد". الأواني.. التوابل.. والملابس ثلاثية لا غنى عنها إلى جانب الأواني التي أخذت حصة الأسد من حيث الاستفسار عن الأسعار أو الشراء في سوق باش جراح بحسب تأكيدات الباعة ل"المساء" فإن الملابس تأتي في الخانة الثانية من حيث الاهتمام، فلرابع سنة على التوالي يتزامن رمضان مع الدخول المدرسي الذي اكتسب هو أيضا عادات على مر السنين تقتضي شراء ملابس مدرسية جديدة ومآزر ومحافظ وغيرها. سوق باش جراح على كبره به الكثير والكثير من الأشياء التي تظهر للوافد إليه، خاصة من النسوة، الكثير من الأمهات استدرن حول طاولات ملابس يسألن عن الأسعار وأخريات يشترين فعيد الفطر لم يتبق له سوى أسابيع معدودة. وقبله نستقبل الدخول المدرسي. إحدى الأمهات كانت رفقة طفليها، حين استوقفناها كانت تبدو تائهة بين الزخم الهائل للسلع. سألناها إن كانت بالسوق تحضيرا لرمضان والمناسبات الأخرى فقالت إنها تبحث عن الأنسب من الملابس لولدها 8 سنوات وابنتها 6 سنوات. وهل الملابس للعيد؟ تسأل "المساء" فأجابت الأم: للعيد وللدخول المدرسي. هكذا إذاً حال العديد من الأسر الجزائرية التي ستضرب بحجر واحد عصفورين حسب المثل الشعبي، لباس واحد لأول أيام المدرسة بعد عطلة الصيف وهو نفس اللباس الذي سوف يرتدى يوم عيد الفطر. من جانب آخر فإن التوابل الكثيرة والمتنوعة استقطبت لها الأنظار والاهتمام، مائدة الإفطار متنوعة وتحضيرها يتطلب تنويع التوابل، هذه الأخيرة تصبح سيدة الأسواق قبيل رمضان وخلاله، وإن كان الاهتمام بها طوال السنة فإنه يتضاعف في رمضان خاصة الجديد منها كالتوابل المعروفة في بلدان الشرق الأوسط والتي صُدّرت إلينا عبر الفضائيات فإن من باعة التوابل من يؤكد أن السؤال عن بعض تلك التوابل جعلهم يطلبونها من المستوردين وبالتالي عرضها بالأسواق المحلية. وإلى جانب التوابل والأواني والألبسة هناك "توابل رمضانية" أخرى على غرار الاجبان والفلان التي يبدو أنها بدأت تغزو السوق. وكذلك البرقوق والمشمش المجفف والزبيب واللوز لوازم طبق "اللحم الحلو" التي قفزت أسعارها كثيرا إذ وصلت بسوق ساحة الشهداء وسط العاصمة الى ما بين 360 و440 دينار للبرقوق المجفف وكذلك المشمش المجفف حسب الجودة. وتراوحت أسعار الزبيب ما بين 360 و480 دينار، ووصل سعر اللوز الى 660 وقفز سعر الكيلوغرام من الكاوكاو إلى 170دج. أما إقبال المستهلكين فلا نجد تعبيرا أحسن من الكلمة العامية "غاشي كبير" الى حد أن قفز الى ذهني وأنا أهم بدخول سوق ساحة الشهداء بعد الزوال تساؤل مفاده إن أغمي على شخص وسط ذلك الازدحام الكبير فكيف السبيل لإخراجه؟ وحقا تصدق في هذا المقام مقولة الكل يشتكي والكل يشتري.