قطاع الرياضة بالجزائر، ومنذ الاستقلال، شهد عدة محاولات للنهوض به عبر العديد من القوانين والنصوص ومحاولات وتجارب لم يكتب للعديد منها النجاح، لأنه كانت تمليها ظروف وأهواء من مروا، من مسيرين، على هذا القطاع الحيوي. وجاء الانشغال الكبير والوحيد لمعظم من تعاقبوا على هذا القطاع على رياضة واحدة دون سواها، وهي كرة القدم، ولا يهم هنا الفرق بين رياضة محترفة تخص المستوى العالي والجماهيرية التي تنعكس ممارستها على كل القطاعات وكل الفئات، إذ كانت السياسة هي المتحكمة في الدعم والتمويل. إن البحث عن الثبات على أرضية متحركة شبه مستحيل، لأن الشيء ونقيضه لا يلتقيان إلا في نقاط الظل المجهولة لدى البعض والمعلومة لدى الأقلية من المتتبعين لشؤون الحياة الرياضية بمختلف مناحيها . والآن، وقد أصبحت الرياضة تمثل قوة دفع لاقتصاديات الدول وتحوّلت إلى صناعة تقوم على أسس علمية متخصصة، وكأداة فعالة للاستقرار وحماية النشء من الانحرافات، لذا وجب اليوم على الدولة تحديد مرتكزات عامة يبنى عليها مستقبل الرياضة التي تتمثل في صياغة الهدف العام للرياضة وإعادة هيكلة التنظيم الرياضي وتحديث وتطوير القوانين الرياضية بما يتناسب مع المرحلة المقبلة. وتحديد الأهداف الاقتصادية المراد تحقيقها من تدفق الاستثمارات الرياضية وإيجاد تكامل أو تعاون وثيق بين مؤسسات النشاط الرياضي والشركات الوطنية والأجنبية وتعزيز التنمية البشرية وإصلاح القطاع الرياضي بما يتوافق ومتطلبات السوق من العمالة المدربة في مختلف التخصصات . إن الفرق بين الدول المتقدمة والدول النامية كبير، والفجوة تتسع، واللحاق بالركب يكاد يكون مستحيلا ما لم نغير في كثير من أمورنا وسلوكنا وتصرفاتنا في كل شأن من شؤون حياتنا وقطاعنا الرياضي والشبابي .فقد قال الله سبحانه وتعالى :''إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم'' .فعوامل التقدم في قطاع الرياضة واضحة ومعلومة لدى المتخصصين في دراسات التنمية، ومن أهمها: -وضع الاستراتيجيات المستقبلية لتطوير الرياضة وتحديد الأهداف . -التخطيط السليم والبرمجة المسبقة للمشروعات الشبابية والرياضية وفقا للاستراتيجيات والأهداف العامة والمحددة . -إصلاح الإدارة الرياضية وحسن التنظيم . -المتابعة وتقويم الأداء والمراقبة . -الحوافز المعنوية والمادية للفرق الرياضية الوطنية . -إشراك القطاع الخاص في إدارة المشاريع الرياضية والشبابية ذات الربحية الاقتصادية . ومقياس التقدم الرياضي هو ارتفاع مستوى المعيشة ومستوى الدخل والتعليم والصحة وزيادة الناتج المحلي الإجمالي والإنتاج الصناعي والتقدم التقني .فلو رجعنا إلى الفشل في الرياضة نجده انعكاسا لهذه الأسباب، مثل السوء في التخطيط والإدارة وخلل في التنظيم ونقص في التدريب .بمعنى آخر عدم توفير الإعداد الجيد للرياضيين، وعدم الاهتمام وصحة أعضاء الفرق الرياضية، وعدم السماح لهم بالاحتراف للتدريب والتجربة العالمية .ولا نقصد بالإعداد الجيد إعداد المباني وتشييد المنشآت، مع أهمية هذا الجانب، فهو عامل مهم وحيوي وضروري للإعداد الجيد، ولكن الإعداد البشري وتهيئة العناصر المؤهلة والمدربة لمواجهة أي فريق وتهيئة الإدارة الفنية المدربة والمتخصصة فقط في الشؤون الرياضية . وأهم الحلول في نظري هو التطوير الرياضي في بلادنا وكسب النصر في المعارك الرياضية القادمة هو الخصخصة للنوادي الرياضية، وإبعاد التدخل الحكومي في شؤون الرياضة إلا من باب الإشراف والتوجيه، وترك الإدارة العملية والتمويل للقطاع الخاص .والتخطيط والتنظيم للشؤون الرياضية والشباب بعد وضع استراتيجية وأهداف عامة ومحددة .أكثر ما يعاني منه مجتمعنا الرياضي هو غياب الاستراتيجية الواضحة والأهداف المحددة، وهو ما نسعى إلى تحقيقه من واقع الرياضة ومعاصرتها في كافة مراحلها كلاعب وإداري ودارس ومدرس .ولتكون الرسالة ممزوجة بتجربة شخصية، أرى أنها من الضروري أن تكون منهجا للوصول إلى رياضة تنافسية أفضل لا تكتفي بالممارسة فقط، بل تحقيق الإنجازات أيضا . إن الهدف هو بناء استراتيجية للرياضة من خلال تحقيق الأهداف الفرعية القائمة على التعرف إلى واقع الرياضة وتحديد الأطر المناسبة من حيث الماهية والأهداف والمسيرين والبرامج والمتابعة والتقويم، ووضع تصور للهيكل التنظيمي يتماشى مع الواقع الرياضي والاستراتيجية المقترحة .وأتساءل هنا :هل يمكن أن نقدم مسحا واقعيا لحالة الرياضة؟ وهل تؤدي دراسة الواقع إلى إمكانية تحديد الاستراتيجية؟ هنالك عدة مشاريع من أجل تحقيق الأهداف وهي : -مؤتمر وطني رياضي لعرض الاستراتيجية. -حث وسائل الإعلام المختلفة للتعرف إلى الاستراتيجية ومساندة مشروع وطني للإصلاح الرياضي. -إعداد وسائل الانتقاء والاختيار للمكلفين بمجال البحث . -المشروع الوطني للموهوبين والنخبة والبراعم. -المشروع الوطني للإصلاح الرياضي. -الرياضة للجميع. -تشكيل لجان علمية متخصصة في المجال الرياضي والشبابي. -المدارس المتخصصة رياضياً. -توفير متطلبات التدريب التقني للألعاب والمسابقات. -الاهتمام برياضة المرأة. -تطوير التشريعات واللوائح والقوانين الرياضية. -التسويق والتمويل الرياضي. -توفير الميزانيات اللازمة للأنشطة الرياضية. ومن هنا يمكن الخروج بالاستنتاجات التالية: -أن تكون هناك صياغة فلسفية للرياضة المدرسية توضح أهمية ومكانة التربية الرياضية كوسيلة تربوية لها قيمتها الصحية، وتستمد أهدافها من الأهداف العليا للدولة، بحيث تكون جزءا أساسيا من النظام التعليمي، وتوفير كافة الإمكانات المادية والبشرية لها، بما يساعدها على تحقيق أهدافها. -تحتل الرياضة للجميع أهمية خاصة مع التركيز على جميع فئات المجتمع من الطفولة حتى الشيخوخة، ولكلا الجنسين والأصحاء والمعاقين، وأهمية دور الإعلام في إبراز ذلك. -ترتبط الرياضة التنافسية بقيم الدولة وأهدافها العليا بما يحقق للرياضيين المناخ الرياضي الصحي، مع تجنب كل ما له تأثير سلبي في الرياضيين، وفي مقدمتها استخدام المنشطات حتى تكون المنافسة في إطار أخلاقي شرفي، مع الحفاظ على صحة الرياضيين من أضرار المنشطات. -الحاجة إلى أن تتبنى اللجنة الأولمبية تحقيق أهداف الدولة للارتقاء بالرياضة وفقاً لبرامج علمية مقننة تلتزم بها الإتحادات الرياضية، مع ضرورة توفير الموازنات المالية لتنفيذ هذه البرامج. -الحاجة إلى التركيز على استخدام التقويم العلمي لأداء اللاعبين والمنتخبات الوطنية. -الحاجة إلى إنشاء المدارس الرياضية المتخصصة وانتقاء أفضل العناصر من الناشئين، وتوفير المناخ التربوي العلمي الرياضي وفقاً لخطط علمية مدروسة لتحقيق أهداف. بناءً على الاستنتاجات السابقة نجد أن الرياضة ليست فقط لملء وقت الفراغ، وأننا في حاجة لتفعيل دور الدولة نحو الارتقاء بالمستوى الرياضي في المجالات التنافسية والمدرسية والرياضة للجميع في شتى المحافل وفي ظل اتجاه الدولة نحو المطالبة بتعديل شامل للقوانين الرياضية بما يستجيب إلى: -نشر الرياضة للجميع على المستوى الجغرافي لتشمل جميع مناطق الدولة، وعلى المستوى البشري لتشمل جميع فئات المجتمع من الأطفال والشباب والشيوخ والأصحاء والمعاقين من كلا الجنسين. -وضع هيكل تنظيمي يضم إدارات مختلفة لتنظيم برامج الرياضة للجميع على مستوى كافة الأعمار ولكلا الجنسين وللأصحاء والمعاقين. -تحفيز العاملين في مجال تطوير الرياضة للجميع والمواطنين لدفعهم نحو ممارسة الرياضة للجميع. -تطوير الهيكل التنظيمي لقطاع الشباب والرياضة بما يحقق تطوير الرياضة المدرسية والاستعانة بأساليب العلم الحديثة في التقويم لجميع الجوانب المختلفة. -التركيز على المبادئ الأساسية في عنصر التنظيم الإداري من توضيح نطاق العمل والتوازن ما بين المسؤوليات والسلطات. -التعاون والتنسيق مع كافة المؤسسات الأخرى العاملة مع الشباب لتوفير أفضل الظروف الخاصة لتطوير رياضة المنافسات. -أن تستمد فلسفة التربية الرياضية سواء المدرسية أو الرياضة للجميع أو التنافسية مصادرها الأساسية من قيم وتقاليد وعادات وتراث المجتمع ومن الدستور الرسمي للدولة. -توفير الإمكانات البشرية المدربة، والمادية متمثلة في الأجهزة والأدوات والملاعب، بما يتيح الفرصة للممارسة الرياضية السليمة في بيئة آمنة. -إتاحة الفرصة لمشاركة أكبر عدد من أفراد المجتمع في أنشطة الرياضة للجميع باستخدام أنشطة متنوعة تتناسب مع إمكانيات الأفراد تبعاً لمقدرتهم البدنية والصحية. -التأكيد مع التمسك بالقيم الأخلاقية بتجنب استخدام المنشطات لمحاولة الفوز غير الشريف، وتحقيق مكاسب رياضية خادعة ومؤقتة سرعان ما تؤدي إلى أضرار خطيرة تنعكس تأثيراتها على صحة الرياضيين. بقلم: الأستاذ نعمان عبد الغني ** عضو الأكاديمية الدولية لتكنولوجيا الرياضة